ليست مجرد أزمة عابرة يمكن حل عقدتها بإجراءات بسيطة في وقت قصير، فنحن الآن في مشكلة عويصة ومحنة حقيقية.. لا سلم أهلياً في البلاد، ولا أمن للناس محفوظاً، ولا ضمان للأرزاق والممتلكات قائماً، ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية جارية، وفوق هذا كله البلاد في حال حرب حقيقية تعداد ضحاياها بالألف كل شهر، وهي حرب لها طابع طائفي برغم النكران.
هذه المحنة التي يختنق بها نظامنا السياسي ومجتمعنا بأسره، يمكن لها أن تؤول إلى خراب شامل ما لم يكن هناك حل يجري العمل عليه في الحال.. كيف يكون هذا الحل؟ الخطوة الاولى تبدأ بالحوار بين جميع الأطراف صانعة هذه المحنة والمتأثرة بها. في هذا الإطار أظن ان ما طرحه رئيس ائتلاف “الوطنية” إياد علاوي منذ ثلاثة أيام يمكن أن يكون المخرج من المحنة وإطار الحل المرتجى. انه يدعو الى عقد مؤتمر وطني لبحث المحنة بطبيعتها وأسبابها وعواقبها وسبل الخروج منها وجعلها ذكرى من الماضي.
بطبيعة الحال لن يكون مجدياً أن تقتصر أعمال المؤتمر على الوضع الراهن في الأنبار برغم مخاطره الجسيمة وتداعياته غير الحميدة، ولا أظن ان علاوي يريد لمؤتمره أن ينحصر في هذا وحده، فالوضع في الأنبار ليس إلا واحداً من التجليات الحادة لمشكلتنا العويصة، وحلّ أزمة الأنبار أمنياً لن يوفّر لنا مخرجاً من هذه المشكلة، بل يزيد من تفاقمها.
لكي ينجح هذا المؤتمر يتعيّن أن يشمل كل الاطراف السياسية. أعني القوى السياسية الممثلة في الحكومة والبرلمان ونظيراتها الموجودة خارج الحكومة والبرلمان، إضافة الى ممثلين عن متظاهري الانبار ومتظاهري بغداد الذين نزلوا الى ساحة التحرير قبل ثلاث سنوات ورفعوا شعارات لاصلاح العملية السياسية ولم يستمع لهم أحد فتفاقمت الأمور الى مرحلة المحنة الحالية. ولابدّ ايضاً من مشاركة ممثلين عن المجتمع المدني ومراقبين من الأمم المتحدة.
ونجاح المؤتمر يتطلب، في ظني، ألا يُثقل بجدول أعمال طويل عريض ولا بمناكفات ومزايدات من النوع الذي توطّن في مجلس النواب. وربما الأفضل أن يكون جدول الأعمال مفتوحاً. المشاركون يقدّم كلُّ واحد منهم رؤيته لما هو قائم (المحنة) ولما يتصوره مخرجاً منها، وتُشكّل لجنة لتلخيص هذه الرؤى، ويُعرض المُلخّص على المجتمعين من جديد ليُصار الى فرز الرؤى المتماثلة والأخرى المختلفة، فيجري النقاش على هذه الاخيرة من أجل التوصل الى تسويات بشأنها، فينتهي المؤتمر بخارطة طريق أو برنامج محدد للخروج من المحنة، يلتزم به الجميع، وتوضع آلية عملية لمراقبة هذا الالتزام.
أغلب الظن ان طرفاً رئيساً في المشكلة، وهو ائتلاف دولة القانون الذي يُمسك بالسلطة في البلاد، لن يتجاوب مع مشروع علاوي، ليس فقط لأنه مشروع علاوي، وإنما كما علمتنا تجربة السنوات الماضية لأن الطرف الحكومي لا يرغب في مشروع للحل مطروح من غيره، والمشكلة انه ليس لديه مشروع للحل.. انه يضع رهانه في القوة المسلحة الغاشمة وفي قوة المال، وهو متمسك بهذا الرهان برغم خسارته الأكيدة.