تم عقد مؤتمر طريق التنمية في بغداد، وهو مؤتمر تمت الدعوة له من قبل الحكومة العراقية، وكما قالت عنه الحكومة العراقية؛ من انه مؤتمرا تشاوريا في البحث عن ادوات وآليات تنفيذ هذا المشروع، والذي هو بحق مشروحا طموحا جدا، اذا ما تم تنفيذه، بالطريق او بالمخطط الطموح الذي اعلن عنه، من قبل جميع المسؤولين العراقيين بالإضافة الى خبراء السياسة والاقتصاد. ان هذا المشروع؛ لم يكن جديدا، او انه وليد الساعة، بل ان هذا المشروع ليس جديدا ابدا. هناك اسئلة كثيرة تلح على كل متابع بطرحها فحصا وبحثا عن اجوبة عليها؛ من بينها وليس جميعها؛ هل هذا المشروع بأبعاده التاريخية والاستراتيجية والاقتصادية لجهة التنمية المستدامة لجميع دول المنطقة العربية ودول الخليج العربي ودول الجوار الاسلامي، وربما غيرها من دول اخرى، هي الابعد، الهند والصين وروسيا على سبيل المثال لا الحصر؟ وهل ان هذا المشروع الاستراتيجي، مشروعا عراقيا صرفا من حيث الفكرة والاهداف الاستراتيجية، طرحا وتهيئة مستلزمات نجاحه عمليا؟ أم هو نتيجة شراكات في الاهداف بعيدة المدى مع دول المنطقة العربية ودول الخليج العربي ودول الجوار الاسلامي، والدول الاخرى الابعد كما اشرنا في اعلى هذه السطور المتواضعة؟ عندما اقول أنه ليس جديدا؛ اعتمد في هذا، على ما تم تداوله او طرحه حول هذا المشروع او للتحديد هذه المشاريع قبل عدة سنوات. فقد تم طرح مشروع الربط السككي بين ايران والعراق وسوريا منذ عدة سنوات، لكنه لم ينفذ، وجرى قبل مدة طرحه مرة اخرى. السؤال هنا؛ هل هو عين المشروع اعلاه؟ ان قناة التنمية، أو طريق التنمية، التي قامت الحكومة العراقية بطرحها في المؤتمر التشاوري الاخير الذي تم عقده في بغداد؛ يهدف الى اشراك الدول العربية سواء في الخليج العربي او في المنطقة العربية او دول الجوار الاسلامي. السؤال الأخر؛ هل يرتبط أو ترتبط هذه قناة تنمية هذه،أو طريق التنمية هذا؛ بمشروع اخر لربط السككي بين دول الخليج العربي ودول المنطقة العربية وتركيا من البحر الابيض المتوسط الى اوروبا وبالعكس؟. ففي السنوات الاخيرة تناقلت وسائل الاعلام سواء ما كان منها عربية او امريكية او اسرائيلية او غيرها من وسائل الاعلام الاخرى؛ نقلا عن تصريحات لمسؤولين في الدول المعنية، عربية او اسرائيلية او غيرهما؛ عن النية في اقامة او بناء خطوط للسكك الحديد تربط دول الخليج العربي ودول عربية اخرى تقع على هذا المسار السككي، الاردن ومصر وفلسطين والعراق.. في عام 2018تحدث نتنياهو او انه قال؛ عن النية في اقامة خطوط لسكك الحديد تربط دول الخليج العربي ودول عربية اخرى والاراضي الفلسطينية المحتلة، واسرائيل الى البحر الابيض المتوسط، تمتد من ميناء حيفا الى الجزيرة العربية والحجاز، عبر شرقا معبر الشيخ حسين( الحدود الاردنية الاسرائيلية) وجنوبا الى معبر جلمة في الضفة الغربية وباتجاه الشرق نحو الاردن والسعودية. نتنياهو قال موضحا في وقتها؛ ان من الطبيعي هو تسوية او وضح حل للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي حتى يكون بالإمكان البدء بهذه المشاريع، لكن الظروف معقدة على هذا الطريق؛ لذا، من المهم هو عملية تطبيع العلاقات مع الدول العربية ومن اهم ما فيها هو اقامة هذه المشاريع بين اسرائيل والدول العربية وهي الكفيلة بوضع الحلول للفلسطينيين، ولم يقل اقامة دولة للفلسطينيين. في العام ذاته صرح وزير النقل الاسرائيلي؛ يسرائيل كاتس خلال زيارة له لمسقط؛ تناول الموضوع عينه وبذات الرؤية من دون ادنى تغيير. في نفس العام تناولت الصحف الاسرائيلية ذات الموضوع، وبإسهاب. لم ينف في حينها هذه التصريحات او انها ليس لها وجود من اي مسؤول عربي من الدول العربية في الخليج العربي، والدول العربية الاخرى، سواء التي يبدىء بها المشروع او التي ينتهي بها، او التي تقع على خط سيره. من المهم الاشارة هنا الى ان هناك مشروع للربط السككي وهو مشروع ايراني عراقي سوري؛ يمتد من الشلامجة مرورا بالعراق، الى الموانيء السورية وتحديدا الى ميناء اللاذقية، مرورا بالتنف او البوكمال، لربط السواحل الايرانية او الموانيء الايرانية المطلة على الخليج العربي بالبحر الابيض المتوسط. هذا المشروع الايراني طرح منذ عدة سنوات، لكنه لم ينفذ على الارض، ربما لمعارضة امريكا. في الوقت الحاضر جُدد طرح هذا المشروع، في تزامن مع اتفاق ايران وروسيا على مد خطوط للسكك الحديد تربط ايران بروسيا الى الهند، وربما بالعكس اي من روسيا والهند عبر ايران والعراق وسوريا الى البحر الابيض المتوسط. مسؤولو اختصاص هذا الشأن الروسي؛ بان روسيا سوف تعمل على طريق شمال جنوب الى الهند من دون المرور بقناة السويس. في 7 مايو من الشهر الحالي؛ نشر موقع أكسيوس وهو موقع إلكتروني امريكي؛ أن مستشاري الأمن القومي السعودي والامريكي والإماراتي والهندي؛ سيناقشون مشروع بنية تحتية تربط دول الخليج العربي وبعض الدول العربية بشبكة سكك حديدية مع الهند. الموقع نقلا عن مصادر..؛ ان مستشار الامن القومي الامريكي الذي وصل قبل يوم في ذلك الحين، الى المملكة العربية السعودية، لمناقشة مشروع السكك الحديدية وقضايا وملفات إقليمية ودولية أخرى مع نظرائه من السعودية والامارات والهند. الموقع قد بين في ذات المنشور؛ ان فكرة المشروع اي مشروع السكك الحديدية قد ظهرت في المحادثات التي كانت قد جرت قبل ال 18 شهرا الماضية في منتدى مجموعة آي 2 يو 2” (I2U2)، وهو المنتدى الذي يضم إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة والإمارات والهند، والذي كان قد تأسس في عام2021، ويضم اسرائيل الى جانب امريكا والهند. (الحديث لم يزل لموقع أكسيوس) ان الهدف منه هو اقامة بنية تحتية استراتيجية لمشروع ربط دول الخليج العربي بالهند، وهو هدف استراتيجي امريكي في منطقة الشرق الاوسط في ظل تزايد النفوذ الصيني في المنطقة من خلال مشاريع الصين في الحزام والطريق. الموقع ذاته في اعلاه قد اشار الى ان اسرائيل، والتي هي عضوا في المنتدى، في العام الماضي وفي اجتماعات المنتدى؛ كانت قد طرحت فكرة اقامة مشروع للسكك الحديد لدول المنطقة وان اسرائيل قد تنضم اليه في حال تحقيق تقدم في الجهود المبذولة للتطبيع مع دول المنطقة وهو هنا يقصد تحديدا المملكة العربية السعودية. صحيفة يديعوت أحرو نوت الصادرة في 30 ابريل من هذا العام؛ أكدت نقلا عن سوليفان، مستشار الامن القومي الامريكي؛ ان البيت الابيض يعكف على مشروع احياء عملية التطبيع بالإضافة الى مناقشة الملف النووي الايراني. الحديث لم يزل لموقع أكسيوس الذي اختتم موضحا؛ ان سفارات السعودية والامارات والهند لم ترد عليه عندما طلب التعليق على التسريبات التي نشرها. تأتي هذه التسريبات في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية وجوارها الاسلامي؛ تهدئة وانفراجات سياسية، وحلحلة وتفكيك للمشاكل والصراعات وحتى الحروب الاهلية في اليمن او في غيرها من الدول العربية، اضافة الى عودة سوريا الى الحضن العربي. هذا من جانب ومن الجانب الثاني وفي هذا الوقت بالذات تشهد المنطقة العربية وحتى جوارها الاسلامي؛ الاتجاه الى بناء علاقات او شراكات مع الصين بالدرجة الاولى والاساس ومع روسيا بالدرجة الاقل والاقل كثيرا. أما من الجانب الثالث فان القضية الفلسطينية او ان ما يتعرض له الفلسطينيين من قتل وتهديم منازل وقصف اسرائيلي مستمر بحجة او بغيرها، واقتحامات مستمرة على مدار اليوم والساعة من دون ادنى شجب او استنكار او موقف رافض وواضح لهذه الاعمال الاجرامية. انه وبكل بساطة صمت عربي واسلامي او انها اصوات خافتة وخجولة لا تتعدى الشجب باقل العبارات واكثرها حيادية لجهة الواقع والحقيقة ، ليس من النظام الرسمي العربي فقط، والسلطة الفلسطينية ايضا بدرجة ما، بل ايضا من النظم الاسلامية وبالذات المجاورة للعرب، باستثناء الى حد ما؛ النظام الايراني فان له موقفا مختلفا على الاقل حاليا. لست هنا في وارد تزكية النظام الايراني، فالنظام الايراني له ما له وعليه وما عليه، إنما في تسليط الاضواء على حقائق الواقع الموضوعي كشفا له؛ يستلزم عدم القفز على تلك الحقائق؛ والتي هي ومن اهمها هو الدعم الايراني للمقاومة الفلسطينية سياسيا معنويا واعلاميا، وتسليحيا في التدريب والتصنيع، وهذا هو ما يقوله قادة المقاومة الفلسطينية بوضوح تام بما لا لبس فيه ولا ادنى غموض، وهنا ان ما اقصده هو المقاومة في فلسطين تحديدا وليس في اي مكان اخر خارج جغرافية فلسطين. من نافلة القول هنا؛ الاشارة الى جولة الصراع الاخيرة، قبل عدة ايام، او اسابيع، بين الكيان الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية؛ والتي فيها استطاعت المقاومة الوصول الى جميع المدن الاسرائيلية، مما اجبر قادة جيش الاحتلال الاسرائيلي الى توجيه اللوم الى نتنياهو. السؤال المهم والخطير هنا بل هو الاهم والاخطر؛ هل هناك خلف الاسوار ما هو متحفظ عليه من قبل الانظمة العربية او حتى من جوارها الاسلامي، وحتى من الدول العظمى والكبرى بما فيها الصين وروسيا وليس امريكا والغرب واسرائيل فقط؛ الفاعلة في المشهد السياسي العربي في حقائب مقفلة بالسرية التامة حتى يحين وقتها او يتم انضاج الظروف لإشهارها. ان طرح مشاريع السكك كما ورد في اعلاه، لم يكن من فراغ او انها ليس لها وجود في مخططات الدول المعنية بها، بل انها فعلا موجودة في الغرف السرية، والا لما جرى الحديث عنها بين حين وحين اخر، او تسريبها لغرض تهيئة النفوس والاذهان لها في حركة استباقية ليس الا. من حيث المبدأ؛ هي مشاريع اقتصادية مهمة لجهة التنمية وتعزيز السلام والاستقرار والامن في المنطقة العربية وجوارها. إنما وهذا هو المهم؛ الكيفية السياسية والامنية والاقتصادية، التي يتم بها تنفيذ، هذه المشاريع على طريق حفظ حقوق الدول العربية او غيرها من الدول التي تقع على هذا الطريق، وان لا تكون وسادة ليس الا؛ تتكأ عليها مصالح الدول الاخرى وفي مقدمتها امريكا واسرائيل او غيرهما الكثير من الدول الاخرى التي ربما لا تريد ان تظهر في الصورة والمشهد على الاقل في فترات التحضير لهذه المشاريع. وهل يجري تنفيذ هذه المشاريع على حساب القضية الفلسطينية اي تمييع الحق الفلسطيني في دولة له ذات سيادة كاملة، قابلة للعيش كما قال بوش الاب قبل اكثر من ثلاث عقود. أم يجري الامر بخلاف هذه الارادة كليا، اي تحويل الامر اي امر الدولة الفلسطينية الى خيار الى الفراهية وتوفير فرص العمل مع بقاء القضم الاسرائيلي لما تبقى من ارض فلسطين والذي لا يتعدى 18%منها، الى ان يتم حصرهم في بقعة من الارض لا تأثير لها، بحكم ذاتي تحت الهيمنة الاسرائيلية. ان مشاريع السكك الحديد هذه، (وهنا ان ما قصده ليس مشروع طريق التنمية العراقي، بل المشاريع الاخرى التي اوردها تسريبا الموقع اللإلكتروني الامريكي سابق الاشارة له في اعلى هذه السطور المتواضعة) تثير الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام التي تحتاج الى اجابات او انها تحتاج الى تأكيد او نفي من الدول التي يجري اقامة هذه المشاريع على ارضها، وهل ان اسرائيل جزء منها اوانها ستكون لاحقا جزء منها، بعد، كما ورد في تقرير الموقع الامريكي المشار له انفا في هذه السطور المتواضعة؛ عملية تطبيع جديدة ولو بعد زمن ما، في انتظار تحولات المنطقة والعالم التي عند بلوغها محطاتها الختامية سوف تغير شكل الاوضاع، والعلاقات بين دول المنطقة العربية وجوارها. عندها واذا ما تم تنفيذ مشروع ايران للربط السككي بينها وبين سوريا والعراق؛ هل يتوائم هذا المشروع، او يسير بتوازي من دون صدام؛ بمقايضة ما، او تسوية ما، مع مشروع طريق سكك الحديد الأخر الذي اورده الموقع الامريكي؟. هل يتم رفضه من قبل الفاعل الدولي سواء الروسي او الامريكي، في حالة غياب هذه المقايضة او التسوية هذه؟ وهل مشروع طريق التنمية العراقي، ليس له علاقة بهاذين المشروعين، الايراني والاخر؟ وهل مشروع طريق التنمية العراقي ليس الأبن الشرعي للمشروع الايراني العراقي السوري سابق الاشارة له في اعلاه، أو انه توسعة وتطويرا له؟ من وجهة نظري المتواضعة؛ هناك احتمالان، الاول؛ مفاده هو العمل الامريكي على تغيير النظام الايراني بطريقة او بأخرى، كي يتم تنفيذ بسلاسة المشروع الثاني، أو دمج المشرعين معا كمشروع واحد. الاحتمال الثاني؛ هو اجراء صفقة او مقايضة ما؛ يشترك فيها الجميع لتسوية الاوضاع بما يؤدي الى ان يتم تنفيذ المشروعين في آن واحد؛ كمشروع واحد. الاحتمال الأخير هو احتمال بعيد جدا، ان لم اقل ربما هو مستحيلا؛ لموقف ايران والعراق وسوريا من المشروع الأخر. في الختام اقول ان هذه مجرد افتراضات قد تكون صائبة وقد لا تكون..