23 ديسمبر، 2024 9:19 ص

مشروع (سايكس ليغو ) ودكتاتورية الكتل المستبدة

مشروع (سايكس ليغو ) ودكتاتورية الكتل المستبدة

في العام (1916م) اجتمع كل من (جورج بيكو) القنصل العام الفرنسي لشؤون الشرق الاوسط و( مارك سايس) المندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الاوسط في القاهرة وبعد ذلك في بطرسبرغ الروسية لتتقاسم الدولتان آنذاك الفرنسية البريطانية الدول العربية الواقعة شرق المتوسط فيما بينها في اتفاقية تقسيم الكعكة وعرفت هذه الاتفاقية بـ ( سايكس بيكو) نسبة الى المسؤولين الفرنسي والانكليزي ، اما ما تبقى من الدول العربية فكانت حصص لدول اخرى اقل نفوذا وقوة الدولتين الكبيرتين آنذاك .
في العراق كانت الدعوات من قبل بعض المرجعيات الدينية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني تؤكد بقوة وتطالب بشدة بتعديل قانون الانتخابات النافذ وبما يضمن العدالة للجميع ، ويفسح المجال امام الناخب لاختيار من يمثله للحؤول دون عملية المصادرة الانتقائية المتكررة لحرية الناخب والتي تمارس من قبل الكتل السياسية في أقبية ودهاليز مفوضية الانتخابات غير المستقلة ، بالإضافة الى تأكيد تلك الدعوات على أن تكون نتائج الانتخابات وفوز المرشحين يعتمد بالدرجة الاولى على مجموع الاصوات التي حصل عليها المرشحين وليس قوائمهم الانتخابية ، وان تكون هذه الآلية هي المؤمل العمل بها في الانتخابات القادمة لدفع الناخبين الى المشاركة من خلال هذا الحافز ، خصوصاً ان الاعم الاغلب من الناخبين في العرق ونتيجة الاحباط من الكتل السياسية الحاكمة وجدوى العملية السياسية في ظل وجود نفس الوجوه البائسة قد تملكهم اليأس وقرروا عدم المشاركة في الانتخابات .
اما زعماء الكتل الرئيسية المستبدين فلقد قرروا اجهاض أي بادرة ايجابية لحث الناخبين الذين تصاعدت اصواتهم الرافضة للانتخابات والداعية للعزوف عنها ، الا ان الزعماء المتسلطين عمدوا وفي جلسة خاطفة (كما هي عادتهم كلما تعلق الامر بامتيازاتهم) الى المبادرة للتصويت على نظام انتخابي استبدادي على نمط اتفاقية (سايكس بيكو) هو (سانت ليغو 1.9) بعد ان كان المؤمل هو العكس وان يكون النظام ( سانت ليغو 1.4) ، مما يمهد الطريق للكتل المهيمنة اساساً على البرلمان والعملية السياسية من احتكار السلطة لسنوات قادمة .
ولعل من اهم مساوئ اقرار نظام (سايكس ليغو 1.9) هي النقاط التالية :
1- انه سيكون تكريس لهيمنة وسلطة حيتان السياسة القابضة بيد من حديد اصلا على السلطة منذ (2004) .
2- ان اقرار هذا النظام سيكون بمثابة انهاء اي طموح او فرصة للأحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة في المنافسة .
3- يتيح هذا القانون للكتل المهيمنة اخضاع الكتل السياسية الصغيرة والمستقلين من خلال جعلهم أمام الأمر الواقع وهو الدخول في تحالفات الكتل المهيمنة وفق شروط الأخيرة او الخسارة المؤكدة .
4- يساعد اقرار هذا النظام الانتخابي المجحف على استمرار تسلط زعماء الكتل في الهيمنة والاستئثار بالقرار السياسي وتحول باقي اعضاء الكتلة الى مجرد متفرجين (صم بكم عمي).
5- يؤدي هذا النظام الى القضاء على أي بادرة أمل في إصلاح العملية السياسية والوضع العام في العراق نتيجة بقاء نفس الوجوه البائسة التي أوصلت الوضع المتدهور الى ما هو عليه.

واللافت للنظر في عملية التصويت ان المصوتين بنعم كان عددهم (117) والمصوتين بلا (116) اما باقي نواب البرلمان فبعضهم كما قيل لم يكن اصلاً يعي ما يحصل بالجلسة ، والبعض الاخر كان في كافيتريا المجلس او الحمامات ؟!
ومن الطريف ان احد نواب دولة القانون والذي وصل للبرلمان بالتعويض يقول ان هذا القانون انصفني لأني اصبحت برلماني بعد ان حصلت على (12) الف صوت بينما صعد آخرون بـ (4000) صوت او أقل ، ونسي هذا الأخ البرلماني انه لم يصعد الى جنائن البرلمان المعلقة الا من خلال أصوات المالكي رئيس قائمتهم وايقونتهم الانتخابية .
اما الكتل السياسية التي طالما رفعت شعار الإصلاح وتغيير المفوضية وتعديل قانون الانتخابات فأنها على ما يبدوا كانت من أبرز واوائل المصوتين على قانون (سايكس ليغو) كما أوضحت مشاهد التصويت داخل البرلمان ، ولتدارك خطئها امام جماهيرها بعد ان فضح موقفها اعلامياً فأنها بررت تصويتها بأنه جاء على حين غفلة او سهواً كما يعبرون ؟!
ان هذا القانون هو المحطة الأخيرة فيما لو تم تنفيذه في الانتخابات المقبلة سوف يكون مشروع الاستبداد الذي سيكرس لأمد طويل هيمنة وسيطرة الكتل الحديدية او حيتان السياسة الكبيرة الفاسدة على مقدرات العراق والعراقيين لتزداد المعاناة والظلم والاهمال الذي يتعرض له الانسان العراقي منذ 14 عام والى اليوم والذي لا نهاية له الا بتغيير وجوه الزمرة السياسية التي جثمت على صدور العراقيين كما جثمت زمر البعثيين سابقاً ..
ملاحظة : لتوضيح نظام (سانت ليغو 1.9) الانتخابي واختلافه عن النظام الحالي (سانت ليغو 1.6) أرفق اليكم مخطط توضيحي للدكتور اياد محمد البنداوي لبيان الاختلاف بين النظامين والمغانم التي ستحصل عليها الكتل المهيمنة في البرلمان جراء النظام الذي تم التصويت عليه مؤخراً.