23 ديسمبر، 2024 5:47 ص

مشروع تثقيف المجتمع من خلال القراءة

مشروع تثقيف المجتمع من خلال القراءة

إذا أردنا من المجتمع ان يشعر بمسؤوليته ويؤدي تكاليفه الفردية والاجتماعية بصورة صحيحة وان يثق بنفسه ويعتمد على عقله في اتخاذ القرار فلابد من تثقيفه وتعليمه, ولابد من العمل على كافة المستويات من اجل خلق جو ثقافي وعلمي يشعر الفرد من خلاله بأهمية التعلم والثقافة.

ان للثقافة الدور الهام والفعال في عكس الصورة الايجابية للبلد على مختلف المستويات السياسية والصحية والأمنية والخدمية, لان المجتمع المثقف والمتعلم لا تنتشر فيه الخرافة او الترهات ولا يحاول ان يقتل الوقت في الأمور التي لا تعنيه بل تجده دائما يسعى لاستثمار الوقت وانتهاز الفرص من اجل خدمة نفسه ومجتمعه وتقدم بلاده نحو الكمال والرقي, وهذا خلافاً للمجتمع الغير مثقف او الغير متعلم فتجد فيه المشاجرات والمشاكل الاجتماعية دائمة ومستمرة وعلى ابسط الأمور وانتشار الجهل في وسط أبناءه وسيطرة الكثير من البدع والأوهام على ثقافته وطقوسه الدينية مما تجعل منه مجتمع راكد وغير منتج.

ومن ابرز تلك الأمور التي تساهم في رفع الوعي الثقافي والمعرفي للأمة هي الاستمرار بالدراسة والاستماع الى المحاضرات والندوات الفكرية والدينية والأخذ بالتوجيهات المنبرية او التلفزيونية مما يعرض على الشاشات التي تسعى الى رفع المستوى الديني او الثقافي للفرد وللمجتمع.

ولكننا ومع شديد الأسف نشاهد تراجعاً ملحوظاً وعزوفاً بنسبة كبيرة جداً من قبل المتلقي لهذه القنوات المعرفية وباتت تلك القنوات لا تجدي نفعا ولا تصد من عملية انتشار الجهل والتخلف في المجتمع بل ان البعض منها أصبح هو الرافد الأساس في تخلف المجتمع ونشر كل ما يساهم في جهل وتضييع الأمة.

وان من ابرز تلك الأسباب التي أدت الى فشل تلك المشاريع المعرفية وهي كثر نذكر منها:

أولاً: ما يخص المتلقي نفسه فإننا اليوم نشاهد عزوفاً ونفوراً تاماً لكثير من الشباب عن التيار الديني وتخلياً عن الالتحاق بصفوف المدارس والمعاهد والدورات التي تقام على المستوى الديني او الثقافي مما ولد إحباط لدى القائمين على هكذا مشاريع من إمكانياتها في كسب أكثر عدد ممكن من الشباب.

ثانياً: هي رداءة وضحالة الفكر والمعرفة وبساطة المشروع الثقافي الذي تتبناه تلك القنوات والمؤسسات المعرفية والثقافية وبساطة المعلومة التي يطرحها المحاضر او رجل الدين والتي لا تساهم في بناء الشباب او المجتمع بناءاً صحيحاً او متزن مما ولد فتور وركاكة في فاعلية هذه القنوات من التأثير على ثقافة المجتمع. ثالثاً: انعدام الأسوة الحسنة للفرد وللمجتمع بصورة عامة مما ساهم في العزوف عن تبني المشاريع الثقافية وان للأسوة الحسنة الدور الكبير والفعال في الذي يولد الديناميكية والحركة المستمرة للفرد من اجل السعي نحو الاقتداء بهذا الرمز والسير على خطاه, وهذه الأسوة الحسنة لا تكون في شخص واحد فقط بل نحتاج إلى مجموعة لا يستهان بها تكون هي المحور للشباب في بناء روح الوعي الثقافي والمعرفي عندهم.

ومع فشل اغلب تلك القنوات في صنع الثقافة الواعية للفرد او للأمة نحتاج إلى تفعيل دور القراءة

وحث الشباب على المطالعة والقراءة المستمرة والواعية واختيار العناوين التي تساهم في بناء شخصيتهم الدينية والسياسية والاجتماعية والإحاطة بجوانب الثقافات الأخرى مما ينتج لنا جيل واعي يدرك ما يدور حوله من مؤامرات ويعي خطورة المرحلة ويعتمد على نفسه في كثير من مجالات الحياة ويكون عامل ايجابي في بناء بلده, لان الأفراد المثقفة والواعية تنتج مجتمع متطور ومتقدم لا تلتبس عليه الأمور.

ومن النقاط الأساسية في الاستفادة من مشروع القراءة لتثقيف المجتمع هي ترشيد تلك القراءة وانتخاب العناوين التي تصنع شخصية الفرد بصورة سليمة وواعية تحافظ على إيمانه وتدينه مع اطلاعه على مجمل الثقافات والكتابات النقدية والفكرية والسياسية فمثلاً يقرأ في الفقه رسالة عملية واحدة وفي السيرة كتاب واحد وفي التاريخ مختصر تاريخ الملوك وفي النقد والأدب والرواية والاجتماع والفلسفة والعقائد وغيرها من الكتب المفيدة, وان لا تختصر ثقافته على الكتب الدينية فقط فيقرأ في مجال الفقه مثلا عدة مؤلفات ومجلدات فان هذه القراءة لا تنتج مجتمع مثقف حتى لو استمرت عشرات السنين, بل لابد من التنوع في القراءة واختيار العناوين الجيدة والمفيدة.

ولا يكون هذا ناجحا وفعالاً الا بوضع خطة طريق ورسم الخطوط العريضة للمجتمع من قبل القيادات الدينية وذلك لما تتمتع به القيادات الدينية من مقبولية وطاعة والتزام من قبل الجماهير لها فان إنجاح هذا المشروع يقع على عاتق القيادات الدينية, فمثلا يوصي القائد الديني بقراءة نوع الكتاب والمدة الكافية للانتهاء منه فلو قراء كل فرد كتاب معين في شهر واحد فانه سيكون قد قراء أثنى عشر كتاب في السنة الواحدة وبمواضيع مختلفة, فخلال أربعة سنوات سوف نجد بان المجتمع قد تغيرت أفكاره واهتماماته وتساؤلاته وتطلعاته الدينية والدنيوية.