مشروع الدولة العربية السلفية والحروب الاسرائيلية القادمة

مشروع الدولة العربية السلفية والحروب الاسرائيلية القادمة

في كتابه ( الدولة العربية الاسلامية ) دعا الدكتور اسماعيل الراوي الى تبني نموذج الحكم الاموي الذي اسس الدولة العربية الاسلامية وأعتباره  الاطروحة الصحيحة والمثالية للاسلام وتجسيد دور العرب في بناء الحضارة المتوافقة مع الواقعية  السياسية لنظام الحكم العربي الذي يتعامل بايجابية مع التطورات في العصر الحديث مؤكدا بان التجربة يمكن ان تتكرر .
الكتاب الذي اعتمد ضمن منهاج قسم التأريخ في كلية الاداب بجامعة بغداد عام 1981 بتوصية من ميشيل عفلق ( مسيحي ارثذوكسي يهودي سوري ) و منظر حزب البعث الذي اعتبر ان الكتاب مستلهم من افكاره التي طرحها في سلسلة كتابات اسماها ( في سبيل البعث  ) .
 صدام حسين الذي يدين بالفضل لمشيل عفلق بتوليه قيادة السلطة والحزب ، كان من المتأثرين بالافكار الواردة في الكتاب وقد تبنى طروحاته التي عرضها في مناسبات عديدة خلال حقبة الحرب مع الجمهورية الاسلامية في ايران حيث كان يعيب على الايرانيين تبني فكرة الدولة الاسلامية وانه كان عليهم العودة الى العرب واستلهام تجربتهم كونهم (( العرب هم الوعاء الحقيقي للاسلام لانه جزء من تراثهم… )) .
في حزيران يونيو 2014 ، كان قد مضى اكثر من ثلاث عقود على تلك الافكار ، إذ اعيد اجترار الحديث عنها ، وهذه المرة عبر طروحات اميركية وفرنسية انطلقت من فكرة ان التطرف العربي بافكاره الدموية والممثل ب ( تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق ) يمكن التعاطي معه غربيا على اساس ان الانظمة العلمانية العربية فشلت في استيعاب الافكار المتطرفة وعليه فان البديل ( الاسلام السلفي ) من الممكن ان يكون الوعاء الذي يجتذب اليه المتطرفون من انحاء العالم في رقعة جغرافية محددة .
بهذا المعنى نقلت الصحافة الفرنسية عن وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون فكرتها بامكانية التعامل مع الجماعات الدينية السنية المتطرفة في سورية وفي اطار كيان يكون خاضعا للسيطرة .
كلام هيلاري كلنتون جاء في سياق تبرير العلاقات المالية والامنية بين شركة ( لاڤارج ) الفرنسية وتنظيم الدولة الذي عرف اختصارا فيما بعد باسم ( داعش) وذلك بعد تحقيق اثبت ان السيدة كلنتون هي عضو في مجلس ادارة لاڤارج !! .
وقبل ذلك وردت تقارير ان الاستخبارات الخارجية الفرنسية سبق لها وان تعاملت مع تنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة خلال عقد التسعينيات و ايضا سهلت التحاق  مئات الفرنسيين بتنظيم داعش بعد عام 2014.
انذاك لم تكن ادارة الرئيس باراك اوباما تأبه للاتهامات الموجهة لها بانها هي من صنعت تنظيم داعش حتى انه تردد بان الولايات المتحدة كانت على استعداد للتعامل مع ( الدولة العربية الاسلامية ) والتي كانت حدودها تمتد من منطقة الجزيرة غرب مدينة الموصل العراقية والى سهل الغاب وجسر الشغور في اقصى شمال غرب سورية في حال صمدت امام الهجمات العراقية والايرانية .
تلك الافكار واحتمالات القبول الاميركي بفكرة اقامة ( الدولة العربية الاسلامية ) تبنتها قناة الجزيرة القطرية الداعمة علنا لتنظيم جبهة النصرة والمحابية بشكل غير مباشر لتنظيم داعش ، ورأت ان نفوذ تلك الجماعات صار امرا واقعا يتعين التعاطي معه  .
باحثو وكتاب مؤسسة الجزيرة ،اشاروا   في اكثر من مقال ودراسة الى ان وجه القبول الغربي للتنظيمات الدينية الناشئة في سورية ينطلق من تصريحات رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم ومن ثم تصريحات الامير تميم بان ((  التنظيمات الاسلامية المسلحة في سورية هي حركات نضالية مشروعة تقاوم نظام بشار الاسد المستبد )).!
وباعتقادي ان المسلم السلفي ورغم تشدده تجاه بقية طوائف المسلمين ، إلا أنه منفتح على التبعية للديانات الاخرى وذلك ( اتباعا ) للسنة الي احدثها خلفاءبنو امية ( حكام الدولة العربية الاسلامية ) والذين لم يترددوا  في اتخاذ مستشارين خاصين لهم من تلك الديانات ، هذا بالاضافة الى التجارب الانفتاحية لحكام الدولة الايوبية التي تعتنق الفقه السلفي التكفيري والذين ابرموا اتفاقات سلام وتعاون مع المسيحيين واليهود في فلسطين  في حقب مختلفة .
ان هذا الارث من التعاطي المرن والمنفتح من قبل المسلمين السنة وتحديدا اتباع (فقه ابن تيمية ) مع دول يهودية ومسيحية عقائدية و متطرفة ، قد تجلى في العصر الحديث في مشهد تأريخي حدث مطلع عام 1980 حينما زار مستشار الامن القومي الاميركي زبغينيو بريجنسكي ( يهودي) ،  مدينة بيشاور اقصى شمال غرب باكستان والقى خطابا هناك بحضور قادة ( الجهاد الافغان ) ومعهم قادة تنظيم القاعدة الاوائل ومنهم اسامة بن لادن وعبدالله عزام الى جانب رئيس الاستخبارات السعودية تركي الفيصل ونظيره الباكستاني حميد غل حيث اطلق بريجنسكي ( فتوى ) الجهاد ضد السوفيت الكفار .. وحينها هتف جميع الحاضرين  وبصوت عال وبحماس : الله اكبر . الله اكبر ..
الآن نحن في عام 2025 إذ نجحت تلك التنظيمات الدينية السنية المتطرفة في الاستيلاء على السلطة في سورية بعد معركة سريعة ، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انهم وصلوا الى السلطة بفضل دعمنا لهم .
كلام نتنياهو ذو الجنبة العقائدية نفهم منه ان ثمة خيوطا تترابط مابين العقيدة الصهيونية الجديدة وتلك التنظيمات السلفية التي تعتقد بمبدأين فقهيين سياسيين هما :
• ان اسرائيل اقل خطرا من ايران الشيعية.
•ان نبيهم وعدهم بانهم سيتحالفون مع دولة يهودية عظيمة ستظهر في آخر  الزمان .
اجمالا هذه العقيدة ، يفهمها الغرب ومؤسسات صنع القرار في المنظومة الغربية  رسائلها حيث يظهر جليا ان فكرة تمكين الجماعات الدينية المتطرفة من الحكم في سورية ، قد سبقت سقوط نظام الاسد بسنوات وذلك كمقدمة  لتبني مشروع مستمد  من وعود وتحذيرات وردت في الكتب المسيحية والاسفار اليهودية .
ومن هنا نفهم لماذا رفعت الولايات المتحدة ( جبهة النصرة ) من قائمة الجماعات الارهابية ، كما وتفسر اسباب دخول حكومة احمد الشرع في مفاوضات مع اسرائيل وذلك بعد اسابيع قليلة من السيطرة على الحكم في دمشق .
ايضا يتعين دراسة واستيعاب الغايات الاميركية الاستراتيجية من قرارها بشطب ( النصرة ) من قائمة الارهاب  مع ان النصرة هي الفرع السوري لتنظيم القاعدة وهو التنظيم المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، ما يؤشر هذا الى ان الولايات المتحدة تخطط لدور كبير جدا  تقوم به تلك الجماعات المتطرفة في سورية والشرق الاوسط وان المشروع القادم سوف يسفر عن متغيرات جيوبولتيك وانقلابات عقائدية وتحولات في استراتيجيات الامن القومي للمنظومة الغربية والاسرائيلية حينما تؤدي الاحداث الآتية عن  تأسيس دول جديدة ويشطب على دول اخرى لتحقيق اهداف هي  ابعد بكثير من فكرة الشرق الاوسط الجديد الذي حلم به ( ايغال آلون )  باقامة دولة درزية وتقسيم لبنان  وربط نهر الفرات باسرائيل .

أحدث المقالات

أحدث المقالات