تجلت الحكمة الالهية في انبثاق اولى التجارب الانسانية الفريدة، في قيادة النبي محمد ص للامة الاسلامية على أسس ومبادئ إسلامية سامية، ترسخت في القيم والمفاهيم الانسانية والاخلاقية في معالجة أزمات الامة بقيادة نبوية ابوية راعية لكل المكونات، ليس على صعيد المجتمع الاسلامي فحسب ،بل على صعيد المجتمعات الاخرى التي كانت ضمن مساحة المجتمع الإسلامي منها اليهود والديانات الاخرى التي كانت تستمد الى نظرة إنسانية شمولية عميقة،ساهمت في بناء اول حضارة اسلامية قوامها الحق والفضيلة والعدالة والمساواة بين الخلق جميعا وان لا فرق بينهم الا بميزان التقوى.
لقد اتسمت القيادة النبوية الشريفة باعلى مقاييس الحب للبشرية ونبذ لغة العنف ،والتطرف والكراهي،ة وقد كانت اولى اسس البناء الانساني في العفو عن المشركين عند فتح مكة ونشر روح المحبة والتسامح بين الناس . سلوك انساني جسد اروع مواقف الانسانية من منطلق القوة والعزيمة وروح الانتصار والإصرار على نشر مفاهيم الرسالة السماوية بكل القيم والمفردات الاخلاقية والانسانية .
إنها نعمة النبوة التي خصها الله سبحانه وتعالى في اخلص عباده الطاهرين، ليكونوا دعاة تحرر من براثن الشرك والعبودية ودعاة حب وسلام وفضيلة ،واقامة العدل والمساواة بين الناس .وكما جاء في قوله تعالى:(وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً). فالرسول الكريم هو الرقيب والشاهد والراعي والاب والمسؤول عن الأمة وتقويمها وإصلاحها فهو المسؤول عن تصدر موقع المسؤولية للامة من الناحية الشرعية بكل الادوار المهمة للقيادة المركزية، بصورة نبوية في واجبات التبليغ الرسالي وقيادة الامة وواجب الابوة الانسانية في المعاملات الأخلاقية وحل النزاعات، والأزمات والمشكلات الداخلية. وواجب الحاكم والقاضي الشرعي في الادارة والقضاء في تصريف شؤون الدولة .
لقد رسم النبي ملامح رئيسية فريدة في نظام الحكم الإسلامي القائم على مبادئ الوحدانية والإيمان المطلق والحري،ة ومحاربة كل اشكال الظلم والانحراف الفكري والأخلاقي . واشاعة ثقافة الحب والسلام والتعايش السلمي . وكان أهل البيت (عليهم السلام) لهم دورا مماثلا بالرغم من الأمر الذي تم على صعيد إقصاءهم عن مجال الحكم، كانوا يتحملون باستمرار مسئوليتهم الشرعية والانسانية في رعاية الناس والحفاظ على الرسالة وعلى التجربة الإسلامية المحمدية، وتحصينها ضد التردي إلى هاوية الانحراف والانسلاخ من مبادئها وقيمها، فكلما كان الانحراف يطغى ويشتد وينذر بخطر التردي إلى الهاوية، كان الأئمة يتخذون التدابير اللازمة ضد ذلك، وكلما وقعت التجربة الإسلامية أو العقيدة في محنة أو مشكلة وعجزت الزعامات عن علاجها بحكم عدم كفاءتها بادر الأئمة إلى تقديم الحل ووقاية الأمة من الأخطار التي كانت تهددها.
فحافظ الأئمة على دورهم ومسؤوليتهم في توجيه الناس والمحافظة على المقياس العقائدي والرسالي والانساني في المجتمع الإسلامي ، ويحرصون على أن لا يهبط إلى درجة تشكل خطراً ماحقاً، وهذا يعني ممارستهم جميعاً دوراً إيجابياً فعالاً في حماية العقيدة وتبني مصالح الرسالة والأمة بكل مكوناتها . وفي هذا السياق برز دورأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(ع) حين تولى مسؤولية الخلافة الإسلامية وتسلّم رسمياً مهمة قيادة الدولة والأمة الإسلامية في فترة” سنوات 35-40 هجرية”
وقد كانت ابرزالإيجابيات التي جسدها الإمام علي(ع) في تجربته العظيمة وسياسته الحكيمة في صور عدة أبرزها:
°شعوره بالمسؤولية عن كل رعاياه وحمله °هموم وفقر الناس .
°اقامة العدل والمساواة بين المجتمع
°مجابهة المشاكل التي تهدد امن الدولة الإسلامية وانحرافها
°مواجهته السلمية والمسلحة ضد الفرق الفاسدة والخوارج
وفي الواقع فإن تلك الآثار الإيجابية وغيرها مثّلت العطاء والدور الإيجابي الذي جاء في حديث النبي ص:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)
فالرعاية لا تتجزأ، الرعاية وحدة متكاملة، كما أنك ترعى صحته, عليك أن ترعى دينه، كما أنك ترعى حاجاته المادية, عليك أن ترعى حاجاته الروحية، كما أنك ترعى في ابنك ارتباطه في البيت, يجب أن ترعى ارتباطه بالله عز وجل . وبالمجتمع وان يكون مواطنا صالحا
تتشابه صور واوجه وملامح قيادة الامة والدولة الاسلامية في عهد النبي ص والامام علي ع ودولة العدل المنتظرة للامام المهدي عليه السلام من حيث الجوهر والمضمون وأسس الانطلاق والمبادئ ، وتختلفان من حيث المساحة والشمولية والرعاية الإلهية المطلقة،
فلا بد للإمام المهدي عليه السلام من أن يقوم بعدة خطوات وإجراءات عملية ميدانية على طريق تأسيس الدولة النموذجية العادلة. ويقع في أولويات هذه الخطوات باستئصال رموز الكفر والاستبداد والفساد والانحراف من على وجه الأرض، كتمهيد لبسط الرسالة السماوية وتوسيع سلطته في تأسيس نظام جديد يسعى لالغاء كل الأنظمة والقوانين الحاكمة في المجتمع البشري بصورة مطلقة، والقضاء على تلك الأنظمة وإلغائها من ساحة الوجود ووضع البديل الصالح عنها. وفق مبادئ الرسالة السماوية العادلة والمطلقة،وهذا ما سيتطلب مواجهة مباشرة حادة وقاسية ضد كل رموز الانظمة الدكتانورية والاستبدادية الحاكمة الّذين يفرضون سيطرتهم بالقوة والاستبداد على شعوب العالم ويكون دور الإمام احياء وتوجيه قاعدته الشعبية من المخلصين في إزالة الانظمة و الرموز الحاكمة والعمل على توحيد الأمة العربية و الإسلامية لتكون في ظل الحكومة العادلة والواحدة التي تنصره وتؤازره في بناء دولة العدل الالهية التي لا تعترف بتجزئة البشرية إلى حدود ودول واعراق وطوائف وقوميات وديانات … بل دولته اسلامية شمولية عالمية واحدة برئاسة واحدة وقيادة واحدة، وفور بناءها واستقرارها ستزول وتمحى كل الأنظمة والقوانين الدوليةالوضعية ولا توجد بعد ذلك دول متعددة ودساتير مختلفةـ وهذه واحدة من خصائص الدولة المهدوية .وفي وان هذا الوضع الجديد سيكون له آثاره الإيجابية على الأمة وسيفتح لها باب السعادة والرخاء والسلام والعدل بين البشر أجمعين. بعد ان امتلئت ظلما وفجورا.
وستكون مقومات الدولة في القيادة المعصومة، فالرئاسة والقيادة العليا في الدولة التي لن تكون ملكية ولا رئاسية ولا دكتاتورية ،ولا برلمانية ستكون دولة إمامية ذات سمات ابوية راعية لكل البشرية على اساس العدل والمساواة برعاية الهية مطلقة . لأن الحاكم الأعلى والشرعي المطلق سيكون هو الإمام المنصوب من الله عز وجل وسيمارس هذا المنصب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بنفسه، في القيادة العليا، ويوكل قيادة المناطق المختلفة في اصقاع الارض والعالم إلى أصحابه المخلصين “حكام الله في أرضه”.
فشكل وطبيعة الدولة المهدوية هو نفس شكل وطبيعة الدولة الّتي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي يكون في مركزها الأعلى النبي ص ومن بعده الأئمة الخلفاء المعصومون عليهم السلام. في تثبيت دعائم الرسالة السماوية واقامة العدل وتنفيذ الشرائع.
ان السكين المغروز في قلب الامة يجب ان يستأصل من حكام ودعاة للفتنة ورموز الظلم والفساد.
فالنزيف الحاد في جسد الامة يجب ان يتوقف، ويحل الإعمار محل الخراب، وتتوقف آلة الدمار ، من أجل أبنائنا جميعاً وأن تكون الحالة الأبوية صفة ملازمة للحكومات من الآن فصاعداً؛ من خلال منهج وسطي يحقق المساواة والعدالة بين أبناء الوطن وبين المحاور المتصارعة في المنطقة والعالم.
إن منهج الوسطية في الادارة والفكر والثقافة والمعرفة والسياسة والاقتصاد والأمن؛ يحقق مالم تحققه مناهج الجناحين الإقصائيين ،ليس في العراق فقط . ان حاجة البلد للوسطية بات ضرورة قائمة في الماضي والحاضر والمستقبل وتعيده الى مكانته المستحقة.
وان بقاء واستمرار النظام السياسي الحالي وأقطابه بات مرهوناً بسحب سطوة المتصدين عن سلطات الدولة، وإرجاع هيبة المؤسسات العامة والمال العام والغاء الامتيازات والاستثناءات وتحقيق التوازن الاجتماعي على أساس العدل والمساواة، فبهذا تسير الوسطية والأبوية سوية لتكونا وجهان لعملة واحدة.
فالحكومة الابوية ترفض الاستبداد بالرأي والانفراد بالقرار وقد قامت على أساس الشورى والحوار والتعاون ودعوة للجميع في بناء الوطن ونبذالتفرقة والطائفية وهي التي نادت بالوحدة الأسلامية ونبذ الفرقة، وليس منها التمسك بالمصالح الشخصية الضيقة ،وهي قد حملت على عاتقها مصالح الوطن وهموم الأمة .
انها دعوة وطنية بنصرة الحرية والكرامة وتعزيز الوحدة والوئام، ورفض الظلم والاستبداد والفساد. وهي امتداد لحركة الامام المهدي ع المباركة لنصرة المظلومين والمستضعفين واقامة حدود العدل ضمن الرقعة الجغرافية التي تؤمن امن واستقلال بلادنا بالعز والرفاهية ، وما ان يتم ذلك سنحقق الوصول الى رضا الله سبحانه وتعالى لينعم على شعبنا وحكومتنا الوطنية برعايته الالهية التي ستدفع عنا شرور الفتن وعواقب المحن .