9 أبريل، 2024 5:03 ص
Search
Close this search box.

مشروع التسوية

Facebook
Twitter
LinkedIn

يبرز موضوع التسوية كورقة جديدة ليحتل موقع الصدارة ضمن أجندات الأحزاب السياسية في العراق ، لكنه موضوع متصل

بالصراع بين الأحزاب السياسية ، ولا صلة له بالمجتمع والرأي العام ، فالمجتمع العراقي غير مفكك سياسيا ولا طائفيا ، فلماذا يتاجر
البعض بمصيره ومقدراته ؟ وما علاقة المجتمع العراقي بالتسوية إذا كان مجتمعا متعايشا ؟ إن التسوية تخص الأحزاب وأنصارها
وتخص الصراع الدائر بينها ، فليس من المنطقي إقحام المجتمع العراقي في هكذا مشاريع ليكون كبش فداء ، ولو كانت الأحزاب
السياسية التي طرحت أوراق التسوية جادة في مسعاها ، لاتخذت من مفهوم التعايش السياسي فيما بينها مبدأ لتحقيق هدف مشترك
موحد يتمثل في بناء دولة المواطنة ، فالتعايش السياسي هو أحد عوامل بناء المجتمعات وتوحيدها وتنمية مقومات نهوضها السياسي،
لكن افتراض بروز مجتمع ذو هويات طائفية متعددة متعصبة متصارعة ( الأحزاب السياسية ) سيفضي إلى تضييع فرص تعايشها
السياسي ، لكن افتراض مجتمع متعدد الطوائف والقوميات والأعراق يتخذ التعايش كمنهج له بعيد عن الصراع الطائفي يأخذ بأسباب
الرقي والتنمية السياسية سيكون افتراضا موضوعيا ومنطقيا .
أن مجتمعا تتصارع ضمن نطاقه أحزاب سياسية ستظل تقوده دائما نحو الهاوية وتسير به في نفق مظلم ، لأنها أحزاب متعصبة
جدا ، لذلك فليبتعد السياسيون بتعصبهم ومشاريعهم عن المجتمع لأنه ذاق الأمرين منهم، فمشاريع التسوية وغيرها هدفها الأول والأخير
السعي للتغطية على الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب ، والتمويه على فشلها الذريع في بناء الدولة النموذجية المعطاءة ، بل كان دأب
هذه الأحزاب هو بناء دولة الأحزاب فقط ، لكن أين يكمن الحل ؟ يكمن في الاعتراف بجميع الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب مجتمعة ،
ثم البحث عن المشتركات وتجنب العوامل التي تمزق الصف الاجتماعي والسياسي ، بدءا من تعزيز الثقة بين جميع الأحزاب ، ثم
وضع الآليات الدستورية المتوازنة في عملية بناء الدولة معا ؛ والتنافس في طريق التنمية ؛ والعمل بروح الفريق الواحد لترسيخ جذور
الأمن ، والإصرار على تفعيل سلوكية الدفاع المشتركة من قبل الجميع والدفاع عن السيادة الوطنية وعدم السماح للقوى الخارجية
بالتدخل لتقرير مصير البلاد .
من الضروري أن يحزم الجميع اليوم أمرهم من السياسيين من مختلف الطوائف والقوميات العراقية لبناء الهوية الوطنية المشتركة ،
ومغادرة لغة الاتهامات والشكوك بل استخدام لغة التفاهم والحوار للبحث عن الحلول الجديدة ، ومن الضروري أن تبدأ عملية بناء
الهوية السياسية المشتركة من قمة الدولة المتمثلة برموزها ، تتزامن معها عملية البناء من صلب الجماهير ليتحقق التوازن السياسي ،
لأنه الحل الأمثل لوقاية البلد من المزيد من التدهور السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي ، فهل ثمة جدية من قبل الأحزاب
الحاكمة في انتهاز فرصة التسوية السياسية التاريخية ؟ لكن كيف ومتى ؟ هل يمكن لأحزاب أدمنت الهيمنة على مقدرات الدولة تقديم
التنازلات ؛ وإفساح المجال للمشروع الوطني المستقل عن الخارج لينهض بالبلاد ؟ إن مشروع التسوية بأوراقه المتعددة مثل وليد ميت
في مهده الأول ، لا يصلح كمشروع للتغيير وإعادة الاستقرار للبلاد ، لأنه يستبطن غايات فئوية وحزبية لا تمت بصلة للهم الوطني ،
وكثيرة المشاريع التي برزت خلال السنوات الماضية لترقيع الواقع السياسي الممزق ، لكن دون جدوى بل إن هذه المشاريع ساهمت في
اتساع نطاق المشكلات والصراعات ما بين الأحزاب الحاكمة ، فماذا يبتغي أصحاب التسوية من مشروع التسوية ؟ هل هو بمثابة حملة
ودعاية انتخابية تسبق الانتخابات البرلمانية القادمة ؟ إن هذا المشروع لا يعبر عن تطلعات الرأي العام مطلقا بل يعبر عن طموحات
الأحزاب للاستئثار بالسلطة من قبل أحزاب أثبت الواقع فشلها في بناء دولة نموذجية ذات سيادة كاملة ، بل هو بمثابة طوق نجاة
لأحزاب فاشلة بعد مرور سنين عجاف أثبتت عجزها عن تقديم المصلحة الوطنية وتفضيلها على الأجندات الحزبية والإقليمية.
نقلا عن المدى

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب