23 ديسمبر، 2024 12:14 ص

يبرز موضوع التسوية كورقة جديدة ليحتل موقع الصدارة ضمن أجندات الأحزاب السياسية في العراق ، لكنه موضوع متصل

بالصراع بين الأحزاب السياسية ، ولا صلة له بالمجتمع والرأي العام ، فالمجتمع العراقي غير مفكك سياسيا ولا طائفيا ، فلماذا يتاجر
البعض بمصيره ومقدراته ؟ وما علاقة المجتمع العراقي بالتسوية إذا كان مجتمعا متعايشا ؟ إن التسوية تخص الأحزاب وأنصارها
وتخص الصراع الدائر بينها ، فليس من المنطقي إقحام المجتمع العراقي في هكذا مشاريع ليكون كبش فداء ، ولو كانت الأحزاب
السياسية التي طرحت أوراق التسوية جادة في مسعاها ، لاتخذت من مفهوم التعايش السياسي فيما بينها مبدأ لتحقيق هدف مشترك
موحد يتمثل في بناء دولة المواطنة ، فالتعايش السياسي هو أحد عوامل بناء المجتمعات وتوحيدها وتنمية مقومات نهوضها السياسي،
لكن افتراض بروز مجتمع ذو هويات طائفية متعددة متعصبة متصارعة ( الأحزاب السياسية ) سيفضي إلى تضييع فرص تعايشها
السياسي ، لكن افتراض مجتمع متعدد الطوائف والقوميات والأعراق يتخذ التعايش كمنهج له بعيد عن الصراع الطائفي يأخذ بأسباب
الرقي والتنمية السياسية سيكون افتراضا موضوعيا ومنطقيا .
أن مجتمعا تتصارع ضمن نطاقه أحزاب سياسية ستظل تقوده دائما نحو الهاوية وتسير به في نفق مظلم ، لأنها أحزاب متعصبة
جدا ، لذلك فليبتعد السياسيون بتعصبهم ومشاريعهم عن المجتمع لأنه ذاق الأمرين منهم، فمشاريع التسوية وغيرها هدفها الأول والأخير
السعي للتغطية على الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب ، والتمويه على فشلها الذريع في بناء الدولة النموذجية المعطاءة ، بل كان دأب
هذه الأحزاب هو بناء دولة الأحزاب فقط ، لكن أين يكمن الحل ؟ يكمن في الاعتراف بجميع الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب مجتمعة ،
ثم البحث عن المشتركات وتجنب العوامل التي تمزق الصف الاجتماعي والسياسي ، بدءا من تعزيز الثقة بين جميع الأحزاب ، ثم
وضع الآليات الدستورية المتوازنة في عملية بناء الدولة معا ؛ والتنافس في طريق التنمية ؛ والعمل بروح الفريق الواحد لترسيخ جذور
الأمن ، والإصرار على تفعيل سلوكية الدفاع المشتركة من قبل الجميع والدفاع عن السيادة الوطنية وعدم السماح للقوى الخارجية
بالتدخل لتقرير مصير البلاد .
من الضروري أن يحزم الجميع اليوم أمرهم من السياسيين من مختلف الطوائف والقوميات العراقية لبناء الهوية الوطنية المشتركة ،
ومغادرة لغة الاتهامات والشكوك بل استخدام لغة التفاهم والحوار للبحث عن الحلول الجديدة ، ومن الضروري أن تبدأ عملية بناء
الهوية السياسية المشتركة من قمة الدولة المتمثلة برموزها ، تتزامن معها عملية البناء من صلب الجماهير ليتحقق التوازن السياسي ،
لأنه الحل الأمثل لوقاية البلد من المزيد من التدهور السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي ، فهل ثمة جدية من قبل الأحزاب
الحاكمة في انتهاز فرصة التسوية السياسية التاريخية ؟ لكن كيف ومتى ؟ هل يمكن لأحزاب أدمنت الهيمنة على مقدرات الدولة تقديم
التنازلات ؛ وإفساح المجال للمشروع الوطني المستقل عن الخارج لينهض بالبلاد ؟ إن مشروع التسوية بأوراقه المتعددة مثل وليد ميت
في مهده الأول ، لا يصلح كمشروع للتغيير وإعادة الاستقرار للبلاد ، لأنه يستبطن غايات فئوية وحزبية لا تمت بصلة للهم الوطني ،
وكثيرة المشاريع التي برزت خلال السنوات الماضية لترقيع الواقع السياسي الممزق ، لكن دون جدوى بل إن هذه المشاريع ساهمت في
اتساع نطاق المشكلات والصراعات ما بين الأحزاب الحاكمة ، فماذا يبتغي أصحاب التسوية من مشروع التسوية ؟ هل هو بمثابة حملة
ودعاية انتخابية تسبق الانتخابات البرلمانية القادمة ؟ إن هذا المشروع لا يعبر عن تطلعات الرأي العام مطلقا بل يعبر عن طموحات
الأحزاب للاستئثار بالسلطة من قبل أحزاب أثبت الواقع فشلها في بناء دولة نموذجية ذات سيادة كاملة ، بل هو بمثابة طوق نجاة
لأحزاب فاشلة بعد مرور سنين عجاف أثبتت عجزها عن تقديم المصلحة الوطنية وتفضيلها على الأجندات الحزبية والإقليمية.
نقلا عن المدى