جميعنا يعي بان مهنة المحاماة من المهن الصعبة والتي تتطلب جهدا ذهنيا والتزاما اخلاقيا وادبيا، سعيا لتحقيق العدالة واسترجاع الحقوق، هذا من جهة ومن جهة اخرى نوعية الاشخاص الذين يتعامل معهم المحامي، فالمحامي عمله متصل بأصحاب السوابق الجرمية وذوي العاهات النفسية التي تجرهم الى الوقوع في شرك الجريمة وكذلك يتعامل مع صاحب الحق الذي اغتصب منه وغيرهم من الشخصيات المتناقضة والتي تتطلب من المحامي اتباع اسلوبا معينا مع كل حاله على حده وصولا لتحقيق العدالة، وتعد مهنة المحاماة والترافع من المهن الشاقة جداً للرجل فما بالك بالمرأة حيث تكتنف المهنة مجابهات واحتكاكات وروتين وجلسات متعددة، وخروج متكرر من المنزل ولقاءات منفردة، وما يستتبع ذلك من اختلاط وخلوة غير شرعية مع الرجال(بالنسبة للمحامية)، وغير ذلك من محاذير شرعية واجتماعية.
ولتلك الاسباب وغيرها يتبادر الى الاذهان عما اذا كان دخول المرأة في غمار المحاكم وحملها لواء العدالة وشرف الوقوف امام القضاء تنفيذا لنصوص القانون التي اجازت لها الترافع رغم ما يعتري تلك المهنة من تجاذبات كثيره فان السؤال الذي يتبادر الى الاذهان هل مهنة المحاماة تتناسب وطبيعة المرأة خصوصا اذا ما نظرنا الى المرأة الام وما يترتب على ذلك من واجبات اسرية واستحقاقات اجتماعية وطبيعة فسيولوجية لا يمكن مقارنتها بالرجل وما يعتري شخصية المرأة من طبيعة انثوية تتميز بالعاطفة الجياشة التي ربما تؤثر في وزن الامور بموازين مختلفة لا تتفق ومبادئ المهنة .
ولا يخفَى ما في مِهْنة المحاماة من التعرُّض للاخْتِلاط، والحضور في دوائر واقسام مَجلس القَضاء الاعلى، والدُّخول في أمور لا تليق بالمرأة، ولا تتلاءم مع طبيعتِها وحيائِها، منها الذهاب لمراكز الشرطة والمراكز الامنية والتحقيقية والمحاكم والمواقف والسجون، والدخول على البار والفاجر من الرجال، والأخْطر من كلِّ هذا أنَّ غالِب زبائن تلك المهنة من المُجْرمين وأصحاب السوابق، الَّذين لا يليقُ ولا يَجوز للمَرْأة التَّعامل معهم، فضلاً عمَّا في هذا المجال من بلايا ومصاعب ومخاطر حقيقية عديدة، منها الاختلاط الذي لا يريح المرأة التي تتسم بالاحتشام والحياء ورغبة الكثير من من اصفهم بأصحاب النفوس الضعيفة من القائمين بالتحقيق وموظفين ومحامين وقضاة وغيرهم، من الذين تسول لهم أنفسهم الاقتراب التوددي من الجنس الاخر.
تقول الكاتبة الإنكليزية أجاثا كريستي :” ( ن المرأة مغفلة ،لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق ،لأننا بذلنا الجهد الكبير خلال السنين الماضية ،للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجل .. والرجال ليسوا أغبياء، فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة، وتضاعف دخل الزوج ….ومن المحزن أننا أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف الضعيف، نعود اليوم لنتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده….)
وهناك من يقول ان المرأة بعملها خارج المنزل، يوهن علاقتها الزوجية ويضعف ارتباطها بزوجها وحاجتها إليه، ويجعلها قادرة على هجر الشؤون الزوجية لأتفه الأسباب، وعرضة لتبلد مشاعر الأمومة والأحاسيس اللطيفة.
يقول الشيخ جمال الدين الأفغاني: (إن عمل المرأة وواجباتها نحو زوجها وأولادها أهم بكثير من صناعات الرجل وأن ترك المرأة مملكتها (بيتها) وأن تزاحم الرجل في شقائه لجلب العيش الذي لو فرضنا أنها أفادت بعض الفائدة المادية فيه وعاونت فيه, لا شك بأن الخسارة تكون من وراء تركها المنزل وتدبيره, والطفل وتربيته, أعظم بكثير من تلك المنفعة التي لا تبقي على الأخلاق)
من حق المرأة ان تكون محامية وأن تدافع عن أختها ونفسها، لأنها تفهم طبيعتها ونفسيتها أكثر من الرجل، لذلك يحق للمرأة أن تمتهن هذه المهنة مثلها مثل الرجال، لكني لأجل الاستفادة وبعيدا عن راي الشخصي سأنقل الراي الشرعي وكما ورد في احدى البحوث التي اطلعت عليها في ذلك(مع الاختصار) والتي تحرم عمل المرأة في مهنة المحاماة وقد اورد أدلة عقلية ونقلية من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، والمصلحة المشروعة، وكما يلي:
1-القرآن الكريم:
ا – قال تعالى : {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (النساء:32)
قال الإمام الشوكاني مفسراً هذه الآية الكريمة (فيه النهي عن أن يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الناس عليه، فإن ذلك من عدم الرضى بالقسمة التي قسمها الله عن عباده على مقتضى إرادته، وحكمته البالغة، وفيه أيضاً نوع من الحسد المنهى عنه إذا صحبه إرادة زوال تلك النعمة عن الغير)
ودلالة هذه الأية، أن للرجال مهناً وأعمالاً لا يجوز أن تعمل بها المرأة الحرة أو حتى أن تتمناها، وذلك أن للنساء أعمال ومهام لا يحق للرجل أن يعمل بها أو يتمناها.
وهناك دليل أبين وأوضح مبني عن أسماء بنت يزيد الأنصارية، أنها أتت النبي (ص)، وهو بين أصحابه، فقالت بأبي وأمي أنت يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك وأنا معشر النساء محصورات، مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم وأنكم – معشر الرجال – فضلتم علينا في الجمع والجماعات وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو معتمراً، أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم، وعزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أولادكم أفلا نشارككم في هذا الأجر والخير ؟
فألتفت النبي (ص) إلى أصحابه بوجهه كله، ثم، فقال:
أفهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء، أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله، فأنصرفت المرأة، وهي تهلل}
ب – قول الله تبارك و تعالى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)
الشاهد في هذه الآية قوله تعالى {الرجال قوامون على النساء }.
ج- قال تعالى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }. (الأحزاب:33)
البيان الإلهي يأمر نساء المسلمين بلزوم بيوتهن، لأن ذلك أزكى لهن وأطهر.
د – قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) (الأحزاب:53)
في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسائلة النساء من وراء حجاب لحاجة تعرض أو مسألة يستفتين فيها، ذلك أن المرأة كلها عورة ولا يجوز ظهورها إلا للضرورة، فكيف تستقيم مهنة المحاماة مع أوامر هذه الآية وأمثالها ونواهيها.
2- السنة النبوية :
ا – ومن السنَّة: قوله (ص) لما ولَّى الفرسُ ابنةَ كسرى:(لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة)، رواه البخاري .
هذا بيان من الرسول (ص) لما يجوز لأمته وما لا يجوز ونهيًّ لأمته عن مجاراة هؤلاء في إسناد شيء من الأمور الهامة إلى المرأة، والمستفاد من هذا الحديث منع كل امرأة في كل عصر أن تتولى أي أمر من الولايات العامة، وفي هذا الحديث بيان على عدم فلاح الموكل إذا وكل أمره إلى امرأة وبالتالي لا يجوز عمل المرأة في هذه المهنة الخاصة بالرجال فقط.
ب- قول الرسول (ص) :” لا يخلون رجل وامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان”
إن عمل المحاماة يحوي بين طياته كثيراً من الأسرار التي تهم الموكلين، فالموكل يختلي مع موكل لشرح ظروف القضية وملابساتها، وفي كثير من الأحيان يمنع المتهم من مقابلة أحد من ذويه باستثناء محاميه الذي يصبح صلة الوصل الوحيدة له بالعالم الخارجي، ولا جرم أن هذه الأمور تخالف مخالفة صريحة أوامر هذا الحديث ونواهيه، لأن المحامية سوف تختلي بمن وكلها، ولا يخفى على أحد أن كثيراً من الموكلين من شرار العالم ومجرميه.
ج- وعن أبي هريرة قال : قال النبي (ص) : ” خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا ” . رواه مسلم رقم 664
لا يجوز للمرأة أن تتولى الوظائف العامة التي يحتاج معها إلى مخاطبة الرجال عموماً، والاختلاط بهم وتكرار الخروج، وسؤال الرجال الأجانب، وإجابتهم المستمرة، فإن ذلك دليل على رعونة المرأة وجرأتها، وهو مما يحملها على إسقاط الحياء وقلة الاحتشام، ورفع الصوت وذلك ينافي أنوثتها وحياءها، وهكذا لا تتولى الإمامة ولا الخطابة ولا المحاماة التي تستلزم التردد على المحاكم والدوائر التي يغشاها الرجال، وهذا من الترجُّل، وقد لعن النبي (ص) المترجِّلة من النساء (يعني المرأة المتشبهة بالرجال) .
3-الإجماع:
جرى العمل منذ عصر الرسول(ص)، وحتى العصور التي كانت الشريعة الإسلامية هي الحاكمة لشؤون العباد، على بقاء المرأة داخل بيتها، ولم يسند إلى أية امرأة حكم أي إقليم أو ولاية قضاء ولا قيادة جيش أو سرية.
قال ابن قدامة *:”المرأة لا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان ولهذا لم يول النبي (ص) ولا أحد من خلفائه ولا من بعده امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا ولو جاز ذلك لم يخل من جميع الزمان غالباً “
4-المصلحة:
من المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ” فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالباً، لأن أعتناء الشرع بالمنهيات أشد من أعتنائه بالمأمورات.
فامرأة تتميز جسمانية ونفسية معينة تجعلها أقل من الرجل فضلاً عن مرورها بعوارض من شأنها أن تقلل من كفاءتها. مع العلم أن الإسلام يساوي المرأة مع الرجل في الشرف والكرامة.
وقال تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:124)
وأعتقد أن الإسلام قد سمح للنساء ببعض الأعمال على سبيل الضرورة فقط، وضمن هذه الشروط:
1- ألا يكون لعمل المرأة تأثيرا سلبياً على حياتها العائلية .
2- ألا يؤثر عملها على عمل الرجل، كأن تكون سبباً في قطع عيشه . فالمرأة تقبل أن تعمل بأجر زهيد على عكس الرجل الذي يطلب العمل ليغني نفسه ومن يكفله. أما معظم النساء فيعملن لشراء الكماليات وغيرها، مما يؤدي إلى انتشار البطالة في صفوف الرجال.
3- أن يتوافق عملها وطبيعتها الأنثوية، فالمحاماة مثلاً لا تتوافق وطبيعة المرأة وأنوثتها، فهذه المهنة تحتاج إلى جرأة عظيمة في الدفاع عن المتهم، وهذه الجرأة لا تتوفر في معظم النساء على عكس الرجال ويتبين مما تقدم من الأدلة النقلية والعقلية والقواعد العامة للشريعة الإسلامية قد نهت المرأة المسلمة عن امتهان المحاماة بل جعلتها حلٌ لرجالها دون نسائها، والله أعلم .(انتهى المقتبس من البحث)
والجدير بالذكر أنه ليس للمرأة في ولاية إنديانا الأمريكية حق ممارسة مهنة المحاماة، لأن دستورها يحرمها من هذا الحق وكذلك قواعد القانون العام الإنكليزي في نظر الفقه لا تعط هذا الحق.
وقد جاء الشرع بشواهد تدل على ترافع المرأة عن غيرها، مثاله: كونها ناظرة وقف، فالنظارة هي تولي إدارة الوقف وترتيب شئونه والمدافعة عنه، وهو متضمن لإقامة الدعاوى عن الوقف.
وقد جعل عمر بن الخطاب (رض) ابنته حفصة ناظرةً على وقفه الذي بخيبر تليه ما عاشت.
وقد ترافعت المرأة بنفسها أمام النبي (ص) فمن بعده، كالمرأة التي قالت للنبي (ص): يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني فأراد أن ينتزعه مني. فقال لها رسول الله (ص): “أنت أحق به ما لم تنكحي”.
وجاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، فقال رسول الله (ص): استهما عليه.
وكذلك ثبتت استشارة النبي (ص) لأم سلمة (رض)، وقبوله لرأيها في يوم الحديبية.
وقد قرر أهل العلم جواز التوكيل في الخصومة، ولم يشترطوا لذلك الذكورة، بل قاعدة الفقهاء في هذا الباب أن من صح تصرّفه في الشيء صح له التوكيل والتوكل فيه، والمرأة يصح ترافعها بنفسها فلها أن تتوكل عن غيرها في ذلك، وقال ابن قدامة:
(كل من صح تصرفه في شيء بنفسه، وكان مما تدخله النيابة، صح أن يوله فيه رجلاً كان أو امرأة).
وكل ما يمكن طرحه سببًا للإشكال أو مظنة لحصول فساد، فإنه يوجد مثله في توكل الرجال عن النساء، وقد توجه بعض الباحثين إلى عدم جواز امتهان المرأة للمحاماة مستدلا بأنه عمل يخالف طبيعة المرأة؛ إذ قال الله تعالى عنها: “أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين”. [الزخرف: 18].
إلى أمثلة كثيرة جدًا يطول حصرها وإيرادها.
وهي تدل على جواز ترافع المرأة أمام القاضي، سواء كان ذلك لأمر يخصها كطلبها الطلاق ودعواها الحضانة، أو كان لأمر هي نائبة فيه ككونها ناظرة للوقف.
وما سبق يظهر أن المرأة لا يوجد في الشرع، ولا النظام ما يمنع عملها في المحاماة. والله أعلم.
ان عمل المرأة في مهنة المحاماة يعد تحقيقا لاعتباراً الحاجة الملِحَّة وتحقيقاً للمصلحة، وإعمالاً لقاعدة الضرورة، واستيفاء للحقوق، فالمبرر الوحيد الذي يجيز للمرأة المسلمة الاشتغال بهذه المهنة، هو العمل على نصرة المظلوم، والقيام بمصالح المتقاضين، ودفع الظلم عنهم أو تخفيفه، حسب الإمكان، ويُشتَرَط تحقيق بعض المصالح أو دفع بعض المفاسد.
ويجب على المحامي والمحامية أن يتحروا الحق، ويتجنبوا الكذب؛ فينظروا في القضايا ويتأملونها، فإن رأوا أن الحق مع موكلهم، دافعوا عنه وانتصروا للحق، وإن رأوا أن الحق عليه، لزِمَوه بيان ذلك له، ونصحه بترك الدعوى ورد الحقوق إلى أهلها، ولا يتوكلوا عنه.
أن المحامي وكيل عن موكله، ولا مانع شرعا أن تكون المرأة وكيلا عن غيرها ما لم يكن هناك مانع شرعي خارجي كالاختلاط المحرم أو الخلوة بالأجنبي، لاسيما أن النظام القانوني للدولة العراقية أعطى للمرأة بشكل عام حق الدفاع والترافع.
وهناك من يقول : (أن سياسة زج المرأة في سوق العمل يعد تحولا خطيرا على وظيفة المرأة الحقيقية وهي تنشئة الأسرة، معللا ذلك، بأن طبيعة المرأة لا تتوافق مع طبيعة عمل المحاماة، حيث ان مهنة التقاضي والوقوف في المحاكم تحتاج إلى جلد وأعصاب قوية وهذه الصفات لا تتوفر في المرأة التي تغلي عليها العاطفة والمحامي يمر بمواقف صعبة تنهار أمامها المرأة وأقل ما يمكن قوله يغلب عليها البكاء عند إصدار الأحكام الصعبة، والمرأة غير قادرة على الإفصاح والبيان فهي في موضع النزاع أضعف ما تكون، متهما المرأة بأنها إن ملكت الحجة جعلتها على نفسها لطبيعتها العاطفية، حيث لا تستطيع أن تحاجّ الخصوم في المنازعات كما هو حال الرجل الذي يمتلك الحجة والدليل، وبالتالي ستكون عاطفتها سببا في تضييع حقوق بنات جنسها).
ونقول، يشكل النساء نصف المجتمع العراقي لذا من الطبيعي أن تكون جزءاً من الدعاوى والقضايا في المحاكم وغيرها من نصيبهن، والمرأة غالباً أقدر من الرجل على فهم المرأة وفهم همومها ومشاكلها، والمرأة تمتلك اليوم جميع مقومات العمل في مهنة المحاماة في ضوء حاجة المرأة للمرأة للدفاع عنها.
والتقليل من إمكانية المرأة أو انتقاص حق من حقوقها ليس من الشريعة في شيء، خاصة هناك حاجة مجتمعية للمرأة كمحامية، والمرأة لديها طموح بالنجاح وقادرة على تحقيق النجاحات في مهنة القانون.
فالمرأة صارت رئيسة دولة ووزيرة وعالمة ورائدة فضاء وطياره ومقاتله في الجيش ومعلمة وطبيبة وقاضية ومحامية في معظم دول العالم، وهناك أهمية بمزاولة المرأة لمهنة المحاماة في مساعدة النساء على شرح مفصل لمعاناتهن، وخاصة في القضايا الشخصية والتي قد يصعب على المرأة طرحها على رجل، وأيضا حتى لا تقع المرأة في حرج ولا تخجل عند عرض قضيتها، فقد ضاعت الكثير من حقوق النساء بسبب ذلك الحرج أو بسبب الجهل بالأنظمة وطرق وإجراءات التقاضي.
لكن لا بد من التذكير ان المرأة غير فعالة بنفس الوقت وغير مبادرة بالشكل الكافي لتخطي العقبات، والمرأة العاملة في مهنة القانون لديها تقصير ذاتي وخوف من متطلبات المهنة، وعمل المرأة في المحاماة صاحبته مساؤى عديدة في ظل وجود شكاوى عديدة كانت تردني بحكم عملي كرئيس غرفة في اكبر محكمة في العراق، من تعرض المحاميات الى ضغوط كبيرة من بعض ضباط التحقيق والقضاة والمحققين بطريقة يجعل عمل المرأة خصوصا في الميدان الجزائي مستحيل في ظل وجود ممارسات تجعل من بعض المحاميات بورصة ومكان للمساومة لغرض استمالتها والاستحواذ عليها باي طريقة وفي كثير من الاحيان تؤدي هذه الضغوط الى انهيار المحامية خصوصا اذا كانت الاتعاب عالية، ومن ثم انحرافها لان الصعوبات والاغراءات والترهيب التي تمارس من قبل الذين ذكرناهم هائلة ولا تصمد تجاهها في اكثر الاحيان المحامية؛ مما يجعل عمل المحامية في الميدان الجزائي يكاد يكون مستحيل ان استثنينا بعض دعاوى المتهمات، ومن باب ترجيح المصالح ودرء المفاسد نقول:
ان العمل الميداني في القضايا الجزائية للمحامية فيه مفاسد عظيمة وهذا لمسناه في ممارسات عديدة كانت تصدر من بعض المحاميات التي تعمل في القضايا الجزائية وبخاصة القضايا الارهابية وكثير منهن جعلت من المهنة محط سخرية وتجريح ونقد وخلال عملها اساءت اساءة بالغة ومؤلمة للمهنة وللمحاميات العاملات في مهنة المحاماة بشرف وامانة وهن الغالبية، وهناك محاميات يعملن وهن جاهدات ان يكون مظهرهن ولبسهن هو وسيلة لأجل كسب الدعوى من خلال الظهور بأبهى زينة ولبس فاحش (وكأنها ليست محامية خارجة للعمل وانما ذاهبة الى سهرة) ،لأجل تحقيق مصالح وغايات غير مشروعة، وهناك شكاوى من بعض المحاميات من احتمالية تعرضهن للاتهام بالإرهاب ان لم يقمن بتلبية رغبات بعض القائمين بالتحقيق او بعض القضاة وغيرهم، ومهنة المحاماة كانت ولا زالت تتخذ صورة ليست جميلة فالمواطن لا يبحث عن خبرة قانونية وانما يبحث في المجال الجزائي من يخلص له الجاني من يد العدالة بأي اسلوب وبأية طريقة، لا يفكر في القانون وانما يفكر كيف يستطيع هذا المحامي او المحامية ان يخرج الجاني من قفص الاتهام، سواء بالرشوة او اي اسلوب اخر.
وتقول احدى المحاميات عن الدعاوى الجزائية: (إذا ذهبت الى مركز الشرطة وقلت للضابط اريد ان أقرأ الدعوى فسيقول انتظري لا لشيء الا لجعل الموقف صعباً عليناً والبعض منهم ينظر الينا نظرة متعالية والبعض الاخر ينظر للمحامية كسلعة يريد اقتناءها وقت الحاجة، والمحامية لا تستطيع ان تؤدي دورها كاملاً لأنها محكومة بالتقاليد والاعراف وصعوبات العمل مع دوائر مثل هذا النوع)
اننا مجتمع شرقي محافظ والاحتكاك او التعامل مع الموقوفين ومراكز الشرطة امر يصعب على الكثير من المحاميات ممارسته لهذا تجد ان اغلب اعمال المحاميات انحصر عملها في معاملات الزواج والطلاق والقسامات الشرعية، حجج الزواج، النفقة بأنواعها، زيادتها او نقصانها، تصديق الطلاق الخلعي وهناك نوعية من القضايا تكون المرأة فيها أجدر على القيام بالدفاع عن الحق، كما أن وجودها قد يشجع صاحبات الحق على المطالبة به، كما في قضايا الأحوال الشخصية وفي القضايا التي تمس العرض والحياء والآداب العامة، والمحامية تتفهم الموكلات أكثر من المحامي.
لذا، ان المجال الجزائي في عمل المحامية ملوث، ولا يتصف بالنزاهة او المشروعية في اغلب تفاصيله والبعض من المحاميات تتحرج من الولوج الى هذا المجال، لا ضعفا او عدم مقدرة ولكن لعدم نظافة هذا الحقل.
ان مجال عمل المرأة في مهنة المحاماة مجال محفوف بالمتاعب، فالنظرة الاجتماعية لهذه المهنة تنحاز الى الرجل، وهناك بعض الموكلين، يقول أريد محامياً قوياً، وكأن المسألة حلبة صراع في القضاء وكأنها مسألة جسدية وليست فكرية، وقد يتقدم اليه محام فيوافق عليه وعندما تتقدم اليه محامية وخاصة عندما يراها صغيرة في السن فأنها كثيراً ما تتهم بالضعف او قلة الخبرة.
وهنالك بعض القضاة من يمارس التمييز ضد المرأة، ويفضل ان يكون المحامي رجلا الحقيقة هنالك من القضاة من يوافق على تمشية دعوى لفلان من الناس، ولا يوافق على تمشية دعوى تترافع فيها امرأة يتحجج القاضي بحجج غير مقنعة ويطلب مستمسكات او اية اوراق اخرى لا مبرر لها في الدعوى لمجرد ان المحامية امرأة.
لقد أثبتت المرأة العراقية حضورها في المجال القانوني وخاصة في مهنة المحاماة بالرغم من المشاكل والمعوقات التي تعانيها، وكثير من المحاميات يشكون من الموكلين عندما تنجز له عملا يثني عليها ويباركه وحينما تطالبه بالأتعاب فأن مؤخر الاتعاب يكون في الرصيد الالهي والحمد لله.
إن احتشام المرأة في أثناء قيامها بواجبها في الدفاع عن موكليها لهو من الضمانات التي تجعل هذا العمل غير متعارض مع تقاليد هذا الوطن وأعرافه.
لذا يصبح عمل المرأة في مهنة المحاماة ميسورا في مجالات محدودة وشاقا وصعبا في مجالات اخرى ومستحيلا في الميدان الجزائي.
ولكي تستطيع المرأة مزاولة مهنة المحاماة بشكل لائق وسليم لا بد أن توضع الضوابط والترتيبات التي تراعي الأوضاع الاجتماعية وتتناسب مع فطرة المرأة وطبيعة تكوينها وتتلاءم في الوقت نفسه مع طبيعة مهنة المحاماة.
وهناك إجماع بنسبة كبيرة على أن عزوف المرأة عن العمل بالمحاماة يرجع لأسباب كثيرة منها طبيعة عمل مهنة المحاماة فهي مهنة مرهقة تستغرق عادة معظم وقت المحامي؛ فمعظم المكاتب تعمل بنظام الفترتين، كما أنها تحتاج إضافة إلى الجهد الذهني الجهد البدني أيضاً، فإن المهنة لا تنحصر في مكتب المحامي فقط، بل لا بد له من مراجعة العديد من الجهات بعيداً عن المحكمة كالادعاء العام ومراكز الشرطة ومراكز الحجز والمراكز الامنية وجهات تحقيقية عديدة وغيرها.
ان مهنة المحاماة تعد معقلا للدفاع عن الحرية وعن استقلال القضاء، وحق الدفاع حق مقدس من الحقوق الاساسية للإنسان يقاس به مستوى الديموقراطية في المجتمع، ومن هذا المنطلق لم تكن مهنة المحاماة في يوم من الأيام مهنة غذائية بل هي رسالة إنسانية سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف تساهم في دعم العمل الديمقراطي في المجتمع.
والمحاماة امانة ومسؤولية ولا غرابة في ذلك اذ يعيش المحامون يوميا آلام وآمال الموطنين ومن ثم كان للمحامين ولا يزال إسهامات قوية في بسط العدالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع وكان للكثير منهم نصيب الأسد في تقلد المناصب العليا ذات المسؤولية، حيث كان المحامي مبجلا مدللا إلى درجة قول فولتير ” كنت اتمنى ان اكون محاميا لان المحاماة اجل مهنة في العالم”.
ان المحامية يجب ان تمسك بميزان العدالة وتجعله ثابتا لا يهتز في يديها التي تقويها سلطة الحق ويثبتها نور الحقيقة، ولتثبت أن المرأة لن تمنعها عاطفتها عن قول الحق وإدانة الباطل، وأنها لم تتعاطف مع بني جنسها في مواجهة مجتمع الرجال، بل سوف تعتصم بالحق أيا كان صاحبه.
لذا أعتقد أن التصور المناسب والذي ينسجم مع الحاجات الفعلية للمرأة في ظل الضوابط الشرعية والنظامية، أن يقتصر عمل المرأة على الاستشارات القانونية والشرعية وان تتوكل عن النساء فقط في جميع قضاياهن الشخصية والمدنية والتجارية، خاصة وأن هناك اتفاقاً على أن المرأة أكثر قدرة من الرجل على فهم المرأة.
وأخيرا فإن المستقبل واعد بالنسبة لعمل المرأة في العراق بالمحاماة، فالحق أحق أن يتبع.
ويستحسن الختام بقول الخطّابي ” في ختام مقدمه لتفسير غريب الحديث:
” أما سائر ما تكلمنا عليه فإنّا أحقّاء بأن لا نزكيه، وأن لا نؤكد الثقة به وكل من ثر منه على حرف أو معنى يجب تفسيره، فنحن نناشده الله في إصلاحه، وأداء حق النصيحة، فإن الإنسان ضعيف لا يسلم من إصلاحه، وأداء حق النصيحة فيه، إلا أن يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأل الله ذلك، ونرغب إليه في دركه إنه جواد وهوب.