سؤال كبير يطرح عما يحدث في الموصل من تطبيقات يمكن وصفها ب”جاهلية القرن الحادي والعشرين”، لاسيما ما حصل ويحصل ضد العوائل المسيحية، وكل ذلك يحدث باسم الخلافة الاسلاموية التي أعلنتها ما يطلق عليه “دولة العراق الاسمية في العراق وسورية” المشكلة ان هناك من يدافع عنه باسم المشروعية الثورية او”حق التحرير” فما هي المشروعية وكيف يمكن توصيف العلاقة بين الدولة والإرهاب ؟؟
هناك فوارق كبيرة بين الشرعية والمشروعية في الفقه الدستوري، حيث يقصد بالشرعية الالتزام والتقيد بأحكام القانون، وفي العراق، هناك من عرض الفقه الفرنسي وايد فكرة التمييز بينهما فقد أشار الدكتور منذر الشاوي في مؤلفه القانون الدستوري الى أن الفكرة القريبة من مبدأ المشروعية تدور حول مصدر السلطة في المجتمع، وطريقة ممارسة وانتقال هذه السلطة، فالشرعية هي الصفة التي يجب أن تملكها حكومة ما، بحيث ان هذه الصفة، تتفق والرأي السائد في الفئة الاجتماعية حول أصل السلطة وطريقة ممارستها.
أما المشروعية في الحكم فعلى الرغم من صعوبة وجود معيار موضوعي واحد لتعريفها غير أنه في الغالب يقصد بالسلطة أو الحكومة التي تتمتع بصفة المشروعية تارة تلك السلطة التي تتفق تصرفاتها ونشاطاتها مع مقتضيات تحقيق العدالة، وتارة أخرى يقصد بها السلطة التي تستند الى رضا الشعب، ومن ثم يمكن القول إن سلطة الحاكم المطلق أو المستبد في مثال اعلان الخلافة الإسلامية، غير مشروعة وإن استندت الى تفسيرات لنصوص دينية، حتى لو قامت على أنقاض حكومة قانونية كانت تستند الى أحكام الدستور.
ومشكلة إعلان الخلافة الإسلامية في العراق وسورية والمطالبة بمبايعة خليفة للمسلمين تطرح هذه الإشكاليات الفقهية الدستورية، لأن واقع الحال ما يحدث اليوم مجرد إملاء فراغ في مناطق رخوة يمكن أن يتوجه اليها جميع من يطلقون على أنفسهم لقب “مجاهد”، المصطلح الرديف لكلمة “مناضل” التي زيّفت الوعي العربي في إدراك مصالحه الوطنية خلال عقود طويلة من المدّ الشيوعي ومن ثم القومي انتهت بنكسة حزيران، وما انتهت اليه المجتمعات العربية في ثورات “الربيع العربي”، فظهر المد الإسلامي كرد واقعي لإملاء الفراغ باعتبار أن الإسلام هو الحل، هذا الشعار الذي طبق من قبل اعلان الخلافة الداعشية بأوسع معانيه وبنموذجه القبيح الذي يظهر الإسلام مجرداً من أي معنى إنساني أو حضاري، فانتهى نموذج “الخليفة إبراهيم” الى ذات الشكل الذي جعل هذه الخلافة تفتح مكاتب لها في جميع دول المنطقة للاستتابة والاندماج في اركان دولتها ، وهو عمل مخابراتي يمنح “الجامع “ما سبق أن قامت به “الحسينات” من أدوار في التعبئة العامة خلال الثورة الإيرانية، والهيكل التنظيمي الأولي لهذه الدولة أقرب الى تشكيلات دولة “الولي الفقيه” مع فارق واحد في طريقة التمذهب الطائفي.
السؤال المركزي في كل ما تقدم أين كانت دول المنطقة بكل أجهزة مخابراتها ووسائل اتصالاتها الدولية، وهي تنظر الى ظهور هذه البذرة الخبيثة في واقع الشرق الأوسط الكبير؟؟؟؟.
الجواب الواقعي ان هناك ترحيباً من أكثر من جهاز مخابرات عربي ودولي بهذه الخلافة التي تكشف عورة الإرهاب الإسلاموي أمام العالم كله، مادامت خارج حدودها، إلا أن إعلان هذه الدولة عن خارطة العصر الجديد، بالشكل الذي يؤكد ان خارطة الشرق الأوسط القديمة ربما تتغيّر وفقاً لمعطيات الراكب في قطار أصحاب مشروعها ومموّليها والمشرفين عليها، يجعل الكثير من دول المنطقة أمام استحقاقات القبول بمثل هذه الأفكار لدعاة استخدموا جوامع هذه الدول لنشر هذه الأفكار الهدامة، او تمويل هذه الجماعات المتطرفة، ومجرد السكوت عنهما يجعل هذه الدولة في عين الهدف المقبل في ذات هذه الدول ولا يمكن التفكير بأن “داعش” يمكن أن تتوقف في العراق بل تنتشر في المنطقة عبر عمليات واسعة ربما تبدأ في ما يطلق عليه “غزوات رمضان” عسى ألا يصيب أهلنا العرب في بقية دول المنطقة ما أصاب العراق وسورية.
كل ذلك يجعل أي تحليل موضوعي لظهور ” الخليفة إبراهيم ” وصعوده منبر الجمعة في جامع النوري الكبير في الموصل ، امام استحقاقات متعددة الجوانب ، ويوما بعد اخر تتسارع خطوات تكوين نموذج مشوه للخلافة الاسلامية من خلال تعريف تنظيمات “داعش” الارهابية لهذه الخلافة في النموذج الذي اعلنت عنه بعد «تحريرها» ارض هذه الخلافة في سورية والعراق وهدمها الحدود السياسية بين البلدين، وتطالب المسلمين مبايعة الخليفة ابراهيم، الذي صعد منبر الجمعة، وسط اقاويل عن الغطاء الامني التقني والعسكري لحمايته وهو يدخل جامع النوري في الموصل، فتعطلت الاتصالات الخلوية وانقطعت خدمة الانترنت لمدة 5 ساعات!!
مشكلة تحليل ظهور الخلافة الداعشية بنموذجها الارهابي، انها تأخذ مسارات نظرية المؤامرة، وجميع مراكز الابحاث الأمريكية والبريطانية لاسيما تلك المتخصصة بشؤون الشرق الاوسط، تحاول ان تقلل من اهمية ظهور هذا النموذج بكل ما فيه شذوذ عن نموذج الخلافة الاسلامية الصحيح المتوارث عبر التاريخ، فأي كلام عن تجاهل الخلافة الداعشية، يؤكد صحة نظرية المؤامرة بان هناك نوعا من التناسق بين اهدافها وبين الميول الأمريكية لتطبيقات نظرية الفوضى الخلاقة لكن بنموذج مختلف عن مرحلة ما بعد تغيير نظام صدام حسين، لان اي تحليل موضوعي لتداعيات ظهور ابو بكر البغدادي خطيبا في جامع، وبمثل هذه التقنيات الالكترونية التي تعطل شبكات الموبايل “اسياسيل وكورك وزين” وايضا خدمة الانترنت، ناهيك عن حشد السيارات رباعية الدفع والبيك اب التي تحمل رشاشات متوسطة وثقيلة، وهناك اقوال بان موكب البغدادي تجاوز 50 سيارة، فاين كانت اجهزة الرصد والمتابعة لاسيما الاقمار الصناعية الأمريكية، والروسية والأوروبية وايضا الاسرائيلية والايرانية، وجميعها يسلط اجهزة استشعاره على مناطق الازمات؟؟
واذا تجاوزنا الجانب الامني في عدم استهداف اكثر رجل يطلب من جهات متعددة في العالم، وهي يرتقي منبر الجمعة، السؤال كيف تم تسويق هذه الخطبة عبر موقع اليوتيوب، وصولا الى مواقع معروفة بانها تخدم هذا التوجه الارهابي، والسؤال لماذا لم تحاسب الدول العربية والاسلامية من روج لهذه الخطبة او أولئك الذين بايعوا الخليفة الداعشي علنا على هذه المواقع، لاسيما في لبنان وبعض الدول الخليجية، وفي الكثير من دول المغرب العربي، ام ان صمت الانظمة الحاكمة على هذا النوع من المبايعة لا يعد خروجا عن طاعة اولي الامر؟؟ ام انه لا يعد جريمة ارهابية يعاقب عليها القانون الوضعي لهذه الدول؟؟
وفي اطار مختلف، يمكن اعتبار صمت الدول العربية والاسلامية على هذا الاعلان المشوه للإسلام وسط ضباب اتهامه بالارهاب، لتظهر خلافة ارهابية ترفع راية عليها شعار الاسلام بقولة لا اله الا الله، الا تجعل الكثير من الدول على الجانب الاخر الذي ينظر اصلا الى المسلمين نظرة متعالية، بان هذا هو الواقع الفعلي للإرهاب الاسلامي، وليس مجرد تسمية اتهم بها الدين الاسلامي، فماذا فعلت الدول الاسلامية ومنظماتها في تفنيد هذا التضليل الداعشي، فيما التمويل يمرر بانسيابية لهذا التنظيم عبر مؤسسات شبه رسمية، بموافقات صامتة من الحكومات العربية والاسلامية، وهناك تقرير اصدرته الخارجية الأمريكية عن هؤلاء الممولين بالأسماء، الذين مازالوا يمارسون اعمالهم تحت عنوان “صدقة رمضان”.
تساؤلات بحاجة الى اجابات واقعية تحمل بصمة المسؤولية الوطنية والاسلامية على حد سواء لكن يبدو ان الكلام يؤذن في مالطا وليس ثمة من يسمع!!