23 ديسمبر، 2024 6:23 م

قصة بدون ميتافيزيقيا مبتكرة لن تكون مجاورة لنافذة الأسطورة ، هذا ما كان يمنحني أياه لويس خورخي بورخيس كلما قرأت نصا قصصا له ، وعليه فأني منذ وعي كتاباتي الأولى وحتى أعجابي بحكمة وفطنة موظف الخدمة في مدرستنا المرحوم ( شغاتي ) أحاول أن أتلمس المكان بأصابع السحر وليس بتلك الاصابع التي صبغها بياض الطباشير وانا ارسم لتلاميذ الصف الخامس في مدرسة تقع في مملكة ( أم شعثه ) السومرية واحدة من بقايا حلم المعدان من اجل الحياة وجواميسهم ، أرسم خارطة بلاد من زاخو الى الفاو واحلم أن أذهب بأجفانهم ابعدَ من الحدود ، وأتخيلهم مثلنا في الليل ومن فوق السوابيط يتأملون القمر المكتمل وهو يستمع الى الصياد ( مطشر ) وهو يغني في عمق الهور وقد اضاء فانوسه ليتبين سير السمكة وسط الماء ويغرس في ظهرها فالته الحديدية الحادة الأسنان.

وهكذا كنا ندرك مع غناء مطشر وهو يقود مشحوفه جمال أن تجمع الليل في حنجرة صياد وضوء القمر ، وبسبب مشحوف مطشر وغناءه تمنى احد المعلمين أن يكتشف إن كان المكان الذي يسمونه جزر القمر هو جزء من بيئة القمر أم انها مجرد دولة اعلنت استقلالها عن فرنسا حديثا ويقال انها تريد أن تنظم لجامعة الدول العربية.

لكنني وخلال استطلاع لمجلة العربي الكويتية اكتشفت أن جزر القمر لا تمت بصلة للقمر وضوئه وكما جاء في مقدمة الاستطلاع هذا التعريف :

جزر القُمُر أو (رسمياً: الاتّحاد القُمُري) هي دولة مكونة من جزر تقع في المحيط الهندي على مقربة من الساحل الشرقي لإفريقيا على النهاية الشمالية لقناة موزمبيق بين شمالي مدغشقر وشمال شرق موزمبيق. وأقرب الدول إلى جزر القمر هي موزمبيق وتانزانيا ومدغشقر والسيشل.

لا اعرف معنى القمُر ولكن الامر شكل خيبة لهذا المعلم الذي اراد أن يحمل حقائبه من الليل الذي يغني فيه مطشر وهو يدفع مشحوفه في سماء الاهوار الى تلك الجزر التي كنا نتخيل نساءها مع البحة الساحرة لسائق المشحوف عندما يلامس القصب اوتار حنجرته الرخيمة ليتحسس برودة الورق الاخضر المغطى بندى الضوء وإغفاءة الطيور المحتمية بأكمة القصب الكثيف.

وهكذا حزن المعلم وحزنت انا معه فقد جعلنا غناء مطشر وهو يغرس مرديه في الطين ليندفع مشحوفه الى امكنة يتخيلها هو وهي ضفاف تضيء بانتظار نساء جميلات يحاول جاهدا ان يصنع من الوشم المرصع على خدودهن وانوفهن سلماً موسيقياً يتصاعد فيه الحنين ويحول القمر من كتلة هائلة من الصخر الى راقصة مرحة بتنورة ملونة وقصيرة.

ذهب مطشر ، والمعلم الذي عشق جزر القمر بفضل غناء المعيدي صاحب المشحوف اخذوه في قاطع للجيش الشعبي في بداية الحرب وقتل في معارك ميناء المحمرة ، أما مطشر فقد اصابه السل بسبب التدخين والغناء حتى في اجواء الشتاء الرطبة دون أن يحتمي بملابس ثقيلة ، وأنا فقط من حقق حلم اغاني الرجل ومشحوفه والمعلم الذي سرقته الحرب عندما قررت أن ازور تلك الجزر العائمة في المحيط الهندي ، فحملتني طائرة الخطوط الجوية العُمانية من مسقط والى ذلك المكان الذي يحتضن الزرقة والخضرة بشهية خط الاستواء.