الأهوار حضارة بشرية مميزة، تعود الى نحو 6000سنة.
يسكنها نحو مليون مواطن عراقي، ينتمون الى القبائل العربية الأصيلة، وتعيش فيها كائنات حية متنوعة، كالطيور، والاسماك، والحيوانات البرية، والمواشي، وتزرع فيها محاصيل زراعية مختلفة، كالأرز، والدخن، والخضروات، وتكثر فيها النباتات المائية، بسبب تدفق مياه نهري دجلة والفرات إليها.
الأهوار، تعتبر منطقة حضانة وتفقيس، لبعض المخلوقات والطيور، التي تعتبر ذات اهمية تجارية وبيئية لقطاع كبير من الكائنات الحية، كما تساهم في التنوع الاحيائي، ودعم وهجرة الطيور والاسماك القارية الفريدة من نوعها، والتي لها بالغ الاهمية من الناحية الاقتصادية.
تقدّر اقتصادياً قيمة البردي والنشاطات الزراعية وحدها في الاهوار، بحوالي أكثر من 300 مليون دولار، ومعدّل صيد الأسماك سنوياً 1700 طن.
الاهوار كانت تشكل مصدة عازلة بين الامبراطوريتين”الفارسية والعثمانية”، وخلال الحرب العراقية الايرانية 80 – 88، ألتجأ اليها آلآف المواطنين العراقيين، ليصل عددهم عام 1990 الى 50 الف شخص خوفاً من بطش النظام العراقي القمعي السابق.
الاهوار، كانت معقل المجاهدين والمقاومين، ومنها تنطلق الحركات الجهادية ضد النظام البعثي القمعي، فمارس النظام البعثي، سياسة التجفيف التي كادت ان تمحي الاهوار من خريطة العراق والتاريخ، فرزح عشرات الآلآف من أبناء الأهوار في جنوب العراق، تحت الفقر المدقع منذ التسعينيات، بسبب سياسة التجفيف، وعلى ما أظن ان السيد الدكتور عبد الصاحب الحكيم، الذي أنشأ مؤسسة حقوق الانسان بلندن، مع السيد مهدي الحكيم عام 1982، أول من دوّل هذه القضية في منظمة حقوق الانسان الدولية، والف فيها كتابه”قتل الانسان في الأهوار”.
فكرة تجفيف الاهوار، ليست وليدة في النطام البعثي السابق، بل ان ملوك الساسانين، والنظام الملكي، ارادو تجفيف الاهوار لتكون حقول واسعة للزراعة، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، بل حتى عبد الكريم قاسم، اراد هذا الشئ لكن تردد خوفاً من ان تحدث كارثة.
النظام القمعي البعثي السابق، اراد تجفيف الاهوار بذريعة، اصلاح مناطق زراعية أخرى، لكن في الحقيقة ارادها ان تكون منطقة عسكرية، للقضاء على المقاومة والمعارضة له، كما اراد ان يعوض النقص الحاصل في المياه التركية، وقد استخدم في سياسته لتحفيف الأهوار، مواد كيماوية وبيولوجية، وقنوات لا تحصى لتصريف المياه، وأنشأ السدود الترابية عليها، وقام ايضاً بحرق القصب والبردي، فقضى على المزروعات، ومواشي التربية، وشل الحركة الاقتصادية في 46 قرية، واصبح 40 الف مواطن مهدد بالموت، وهرب الكثير صوب أيران خوفاً من القتل والبطش.
الطريقة التقليدية للحياة في الاهوار، استمرت بواسطة عرب الاهوار على هذا المنوال منذ آلآف السنين، يبنى على سطح المياه بيوتات من القصب صغيرة تسمى”اشنان”،وهي كلمة سومرية تعني التل، هذه البيوتات كما صورتها المنحوتات السومرية قبل اكثر من 5000 سنة، فوق جزر صغيرة لا تزيد مساحة الواحد فيها عن مساحة البيت”كوخ”.
التاريخ المسجل لمنطقة الاهوار، نفس تاريخ سومر، والتي وثقت بيوتات القصب، والزوارق الطويلة، كالمشحوف، والطراد، وشباك الصيد، والفآلة، فحافظ سكانها على نمط حياتهم التقليدية، منذ ما يقارب 5000 سنة، يشهد على ذلك بعض النقوش السومرية، التي يظهر باسفلها مشاهد الأهوار.
في ملحمة جلجامش، تؤكد النصوص التوراتية، ان جلجامش صنع قارباً من قصب البردي وطلاه بالقار، وهو الزورق ذاته الذي يستخدمه سكان الأهوار، ويعرف بأسم المشحوف.
هذا المشحوف الآن صوّت عليه في اليونسكو، ودخل الى لائحة التراث العالمي، بعد تاريخ طويل من الصراع والجهاد حتى نال حقه الكامل، فعلى المسؤلين المعنين الأعتناء بهذا المشحوف الصرح الحضاري، والحفاظ عليه وتطويره.
المصدر:(مجلة بيئتنا – الهيئة العامة للبيئة)، من بحث مفصّل للأستاذ”محمد داوود الأحمد”.