ثمّة مشتركات بين الإنسان الذي يأتي أَجله وبين المواطن الذي يترك أهله ويصبح نازحاً، فالشخص الذي يتوفى كائناً من يكون فإن الناس تسميه، الجنازة، فيقال أرفعوا الجنازة، أو صلوا على الميت، أو أين ستنصب فاتحة المرحوم ؟ والأمر نفسه ينطبق على النازح فحال تركه بيته ومدينته تسقط عنه ألقابه السابقة كافة بغض النظر عن قيمتها العلمية أو الاجتماعية سواء كان طبيباً أو شيخاً أو سائقاً أو مزارعاً، ويكنى بالنازح.
الناس تنظر الى النازحين وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وربما الثالثة أو الرابعة ويرفضهم المجتمع، وقلما يتعامل معهم أو يختلط بهم، فضلاً عن أن غالبيتهم يسكن في أقفاص أشبه بأقفاص السجناء تتخذ مواقع بعيدة عن مراكز المدن، ويتعرضون لظروف قاسية جداً.
مشاهدات نقلها بعض طلبتنا في قسم الصحافة في جامعة أهل البيت لدى زيارتهم أحد أهم مواقع إيواء النازحين في محافظة كربلاء، فالمركز يفتقر إلى أبسط الخدمات التي يحتاجها الإنسان، بدءاً من افتقاره الى المراكز الصحية، والتيار الكهربائي، والبيوت عبارة عن ثكنات عسكرية تخلو من أية روح إنسانية.
والملاحظ أن أغلب النازحين هم من الأطفال والنساء وكبار السن، وأغلب النساء فقدنَ أزواجهن وبقين من دون معيل، وليس لديهن مصدر مالي يلبي بعض احتياجاتهن، ولم نجد بنايات لمدارس ابتدائية أو متوسطة، كما كانت وجوه الأطفال شاحبة جائعة تحمل بين تقاسيمها الف سؤال وسؤال بشأن مصيرهم المجهول ومستقبلهم الضائع وطفولتهم التائهة بين أزيز الرصاص وفقدان أبسط المعايير الإنسانية التي أقرها النظام العالمي لحماية الطفولة.
مشاهدات كثيرة وكثيرة التقطتها كاميرات طلبتنا لدى زيارتهم أحد مراكز نازحي المدن التي اجتاحتها داعش بعد قتلها أبنائهم وأسر الكثير من نسائهم وهروب بعضهم إلى المحافظات الآمنة في مراكز لا تتوافر فيها أبسط شروط الحياة، كما أن الحكومة لم تقدم لهم ما يكفي من الأموال اللازمة لتحسين ظروفهم المعيشية، والشيء نفسه ينسحب على الحكومات المحلية التي انشغلت بأمور أخرى ليس من بينها دعم النازحين.
الفرق الوحيد بين الموتى والنازحين يكمن في أن الله هو الذي يأمر ملك الموت بقبض أرواح الموتى، في حين أن الإرهاب العالمي المتمثل بداعش وأعوانها ومن يقف خلفها هو من يجبر الفقراء على النزوح من ديارهم ومغادرة مناطق سكناهم، كما تتحمل الجهات الحكومية جزءاً من عذاباتهم التي يتعرضون لها يومياً.