29 ديسمبر، 2024 3:24 ص

مشاكل الموظفين المتقدمين للقبول في الدراسات العليا في العراق

مشاكل الموظفين المتقدمين للقبول في الدراسات العليا في العراق

ما يحصل في العراق، من أحداثٍ وتعاملاتٍ وتشريعاتٍ، وإدارة إمور العبادِ وغيرها، كُلها تُثير الإستغراب والتعجب، وكما قال صديقي الكاتب والإعلامي(اسعد عبدالله عبدعلي): نحن نعيش قصص ألف ليلة وليلة على أرض الواقع!
حكايتهم في كل عام، موظفوا الدولة، أن يُوفقوا للحصول على موافقة القبول في الدراسات العُليا، لنيل شهادة الماجستير أو الدبلوم العالي، وكل عام في الشهر السابع بالتحديد، ينتظرون صدور تعليمات وشروط وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، للقبول في الدراسات العليا، لكنها وفي كل عامٍ، تأتي مخيبة للأمال، ولا يتركوا لهم أيَّ بصيصٍ من أمل للتنافس حتى…
يقول المدرس(سعد الزاملي): المشكلة ليست فينا(نحن الراغبون في الدراسة) قطعاً، لكنها في الشروط والتعليمات، فأول شرطٍ وأهمها، شرط المعدل، فكأنما نزل فيه نص من السماء، فلا يمكن تغييره! حيثُ يشترطون: وجوب أن يكون معدل البكالوريوس العام65% فما فوق! ولا أدري لماذا؟! ألا يُمكن للإنسان أن يُطور فكره وذكاءه، في السنين التي تلت دراسته الأولية، أفلا يُمكن أن يَحصل الإنسان على درجات واطئة ثم يحسنها، في المرحلة اللاحقة أو العكس؟! ألسنا كُلنا نؤمن بأن الإنسان كائن متطور ومتغير؟! ألا يُمكن الحصول على المعدلات العالية، من خلال الغش والواسطة والرشوة؟!
لماذا لا يتم قبول التلميذ في ثانويات المتميزيين، وإن كان معدلهُ 100% حتى يتجاوز إمتحان الكفاءة الذي تقيمهُ ثانوية المتميزين؟! أفلا يجدر بالجامعات أن تحذو حذو ثانويات المتميزين في ذلك؟! فأرى من الإنصاف رفع شرط المعدل من التنافس نهائياً…
جاء بصيصٌ من أمل، بفتح القناة الخاصة للتقديم، أي الدراسة على النفقة الخاصة وبمبالغ كبيرة، فرح الكثيرون، بالرغم من ظروفهم المادية الصعبة وإعتمادهم الكُلي على رواتبهم الوظيفية… لكن كان لـ(حسن عبدالله)، المحاسب في إحدى الوزارات، وممن يحلمون بالقبول أيضاً، رأياً مهماً، حيثُ قال: هي فرصة، حيث أنهم يستثنون العمر والمعدل، ولكن المشكلة لا تقف عند الشرط الأول فقط، وإنما عند الشرط الثاني أيضاً، فلقد عَكَّرَ علينا فرحتنا، وهو أن تكون حصة المعدل 60% من درجة التنافس! ولا أدري لماذا 60%؟! ولكن لا بأس…
لكن ثمة مشكلة أُخرى بدت ملامحها واضحةً على وجه(ماهر)، المدرس في إحدى ثانويات بغداد، حينما أطلق ضحكةً حزينة، ثم قال: دخلتُ التنافس… كانت فرحتي كبيرة، لأنني إجتزتُ إمتحان اللغة الإنجليزي(التوفل)، وإمتحان الحاسوب(IC3)، وإمتحان التنافس للمادة الإختصاص، المادة المتقدمين للدراسة فيها، ولكن جائت الطامة الكُبرى، والمفاجأة العظيمة(والعراقُ أبو المفاجأت)، حين ظهرت القبولات وبان تسلسلنا، كان أفضلنا(نحن أصحاب المعدلات الاقل من 65%) في المرتبة التاسعة! ولهذا لم نُقبل، لأن خطتهم لا تقبل سوى متقدم واحد فقط، وبعد توسعة خطة القبول، أصبحوا 3 متقدمين، لكن المشكلة ليست هنا، إنما في أصحاب الحظ السعيد، والذين تم قبولهم، فهم لم يجتازوا الإمتحان التنافسي، ولا أي من الإمتحانات الأخرى! لقد كان معدلهم في الدراسة الأولية(البكالوريوس) 97%! وهو سلم الصعود بل المصعد الكهربائي للصعود بلا منازع… ولي ان اسأل المسؤول أيًّ كان: بذمتك وبضميرك، لو كان معدل هؤلاء(90% فما فوق) جاء عن كد وتعب، وجهد وإجتهاد، لماذا فشلوا في الإمتحانات التنافسية؟!
نعم… لقد تم العمل بشرط النجاح بالإمتحانات التنافسية، ولكن(الإستاذ ماهر) وغيره قد تقدم بهم العمر، ولا طاقة لهم اليوم بالدراسة وجنودها، فقرروا الإستمرار بالوظيفة، حتى مجيئ الموت الوظيفي(التقاعد) أو يحكم الله وهو خير الحاكمين.
ذهبتُ إلى كلية التربية الثانية(إبن الهيثم)/ جامعة بغداد، إلى قسم علوم الرياضيات بالتحديد، وجدت بعض الأساتذة وسلمت عليهم، فقالت إحدى إساتذة المادة الإختصاص: كنا غير راضين عن مستوى الطلبةِ فيما سبق، بالرغم من تنافسهم على قبولهم في القسم، وبالرغم من ظروفهم المعيشية الصعبة، لكنهم لم يستجدوا منا درجة واحدة، وكنا إذا أردنا ان نمنح درجة أو درجتين، نعقد إجتماعاً مع رئيس القسم، وقد يتطلب الأمر موافقة العميد! أما اليوم فأصبحنا نحن من يستجدي الطلبة! إنَّهم لا يأتون إلى قسمنا، فهو صعب عليهم، فيُجبرون على دخوله، كنا نقول لطلبتنا: إن كُنتم لا تفهمون الرياضيات فلماذا جئتم لدراسته؟! أما اليوم فنحن لا نستطيع قول ذلك، لانهم لم يأتوا عن رغبة! وكثيرٌ منهم لا ثقافة لديه، بل وكثير منهم كتابته العربية (زبالة) فكيف بالإنكَليزية!؟
ضحكت أُستاذةٌ أُخرى وقالت: يحمل بكالوريوس في الرياضيات ولا يعرف جدول الضرب!(عشنا وشفنا)، كان طلبتنا يعملون بعد دوام الكلية، لتأمين تكاليفها، وأعانة عوائلهم، بسبب الحصار الإقتصادي المفروض على العراق، وكانت الحكومة تطاردهم بشتى الوسائل، الإنتماء الى الحزب، والإلتحاق بجيش القدس، ويوم النخوة، ومطاردة الأمن لهم، في كل شاردة وواردة وغير ذلك، ونحن كنا نعرف ذلك، وبالرغم من ذلك كنا نقسو عليهم، ولكن الآن(تاهت) فالعميد يأمر رؤساء الاقسام، بزيادة نسبة النجاح، ورؤساء الأقسام بدورهم يوكلوا الأمر لنا، فأصبحت الدرجات تُبذخُ بذخاً، حتى وصل الأمر إلى الدراسات العليا، فكثيرٌ منهم لا يفقهون شيئاً…
قال أُستاذٌ آخر:
أتمنى وأرجو من وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الحضور بنفسه إلى قاعات الدرس، وإلى مناقشة الإطروحات، ليرى المهازل التي تحدث، داخل أروقة الجامعات، وأما نحنُ: فالعمر بدأ يتقدم بنا، وإنا لله وانا إليه راجعون …
خرجتُ والحزنُ يعتصرني، مما سمعتُ ورأيت، لماذا كُل العالم يحلم بالمستقبل ونحنُ نحلم بالعودة إلى الماضي؟! لماذا نسير نحو الأسوء؟! لماذا لا نتعلم من الدول الأخرى؟!
كانت محطتي الأخيرة شرب الشاي مع صديقي العائد من دولة الأمارات العربية المتحدة، مهندس الإتصلات(علي)، حيثُ بدأ يحكي لي، حكاية تعاقده مع شركة إتصالات إمارتية، والعمل معهم:
عندما قدَّمت عن طريق الأنترنت، للعمل في شركة إتصالات إمارتية، قدمتُ شهاداتي وأوراق تثبتُ خبرتي وعملي في هذا المجال، فأنا حاصل على ماجستير في هندسة الاتصالات، وعملتُ في شركة إتصالات عراقية لمدة 6سنوات، ولديَّ أبحاث وغير ذلك، وبعد أن تم الترشيح، سافرتُ إلى الإمارات وكنت أظنُ أن العقد جاهز، ولكني فوجئت بشرطهم: أن أدخل دورة تدريبية لمدة 6 أشهر، ويجب أن أجتاز إمتحان الدورة، كي يتم التعاقد معي، وبغير ذلك فلا مكان لي عندهم، وأوراقي لا إعتراف لهم بها!… الحمدلله، نجحت في الدورة، وبقيت هناك 3 سنوات، كانت لي زيادة خبرة ومكسب مالي وفني…
بقي شئ…
على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تشخيص الخلل كما بيناه، ومعالجتهِ بأسرع وقتٍ ممكن، قبل أن يدب اليأس في قلوب الباحثين الحقيقين، والمحبين للعلم، ولات حين مندم…