المشروع الخدمي او الانتاجي او غيرهما ؛ كالزواج , اذ من السهل علينا كلنا اتخاذ قرار الزواج , والشروع فيه , الا انه من الصعب جدا , الحفاظ على بيت الزوجية فيما بعد , وتلبية كافة احتياجات العائلة , بما يضمن سعادتها ورقيها وتطورها ونجاحها في الحياة, واستمرارية وجودها الفعال في المجتمع , لذا باءت الكثير من الزيجات بالفشل الذريع او انتهت بالطلاق ؛ كذلك هي المشاريع والانجازات والخدمات ؛ نعم قد تكمن الصعوبة في انجاز المشاريع العملاقة او تقديم الخدمات الاستراتيجية و بناء البنى التحتية الحيوية ؛ الا ان الامر الاصعب يكمن في المحافظة عليها وحمايتها وصيانتها واستمرار ديمومتها الانتاجية او الخدمية … الخ .
وعلى الرغم من ان عدد المشاريع العملاقة والحيوية ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 والى هذه اللحظة ؛ لا يتجاوز اصابع اليدين والقدمين , قد عانت تلك المشاريع والانجازات من الاهمال وعدم المتابعة الجادة واجراء عمليات التطوير عليها فيما بعد ؛ ناهيك عن مئات المشاريع الوهمية والانجازات القشرية والشكلية , والبنى التحتية الفاشلة التي سرعان ما تتعرض للزوال والتخريب والدمار بمرور الايام … الخ .
وحديثنا في هذه المقالة الموجزة عن مشاريع الحدائق العامة والمتنزهات وساحات النافورات التي تقوم بها امانة بغداد او الدوائر البلدية في المحافظات , ففي الوقت الذي يحتاج فيه العراق الى كل دينار وكل جهد مهما بلغ حجمه ومقداره , في مجالي الزراعة والبيئة , نرى بأم العين تمدد التصحر وتجريف الاراضي الزراعية ومظاهر التلوث المناخي الذي حرق و سيحرق اليابس والاخضر , فضلا عن مشاريع التشجير الفاشلة وانجازات الامانة والمجالس البلدية الشكلية والوهمية وصفقات الفساد المستمرة …!
ان مسألة صيانة المشروع والاهتمام به ومتابعة ما يطرأ عليه ؛ حيوية ومهمة بقدر اهمية المشروع نفسه , بل تزيد عليه احيانا ؛ لان اهمال المشاريع وعدم متابعتها وصيانتها يؤدي الى استنزاف المقدرات والاموال الوطنية , مما يعرض البلاد للدمار والمشاريع للخراب وبالتالي عدم الاستفادة منها وحرمان المواطنين من التمتع بمخرجاتها ونتائجها … ؛ فالاهتمام بالمشاريع بعد انجازها ومتابعتها وصيانتها يؤدي الى إطالة العمر الافتراضي لها ؛ بشرط ان تكون صيانتها بشكل مخطط ومدروس من خلال التخطيط الصياني الممنهج المتبع بشكل دوري، في نطاق الحفاظ على ممتلكات المتنزهات والحدائق والساحات الخضراء مع ضمان خفض تكاليف الصيانة .
اينما تولي وجهك , وحيثما تسير ترى مشروعا فاشلا , او متنزها مهملا , او حديقة مهجورة , او ساحة عامة مليئة بالأزبال والقمامة , فضلا عن الفوضى والتجاوزات , فما ان يتم الاحتفال بإنشاء هذا المشروع او افتتاح تلك الحديقة او ذلك المتنزه , يدب الخراب فيه ويجري الدمار في كافة مفاصله كما يجري الدم في الشرايين , الى ان يتعطل او يهمل ولا يؤدي وظيفته المطلوبة , والمشكلة ان مواقع التواصل الاجتماعي والاعلاميين ينقلون لنا بين الفينة والاخرى , مشاريع وحدائق ومتنزهات ما ان تفتتح الا ويأتي من يعبث بها وبمرافقها ومنشاتها العامة , ويخرب كل ما موجود فيها , فهذا المشروع الجديد يتعطل بعد فترة وجيزة , وتلك الحديقة تموت كل شتلاتها بعد اشهر او ايام معدودات , وهذه النافورة لا تعمل بعد تشغيلها الاولي , وهكذا … ؛ وليت هذه الظاهرة السلبية اقتصرت على حدائق الاقضية والنواحي او المتنزهات الموجودة في الاماكن الداخلية البعيدة للمدن , بل انها وصلت الى مركز العاصمة ومراكز المحافظات الحيوية , وعليه لا تستغرب من موت النباتات والاشجار او انتشار الحشائش والادغال في الحدائق والساحات والمتنزهات القريبة من فنادق ( عشتار (شيراتون ) وفلسطين والمنصور ) او الموجودة في شارع ابي نؤاس , او قطع المرمر المتحطمة , او اعمدة الانارة والنافورات العاطلة عن العمل … الخ .
والاسباب في هذا التدهور والاهمال والفشل الذريع كثيرة ومنها :
1- زراعة الاشجار والنباتات في غير مواسم الزراعة المخصصة لها , مما يؤدي الى هلاكها وبصورة مباشرة , والانكى ان الحكومة تشتري تلك الشتلات والاشجار من القطاع الخاص وبمبالغ طائلة جدا , بينما المفروض بأمانة بغداد والمجالس البلدية للمحافظات , انشاء مشاتل ومزارع خاصة بها , لتزويد الحكومة بما تحتاجها من شتلات واشجار ونباتات ؛ والعجيب ان عمال تلك الدوائر يقومون بزراعة تلك النباتات والاشجار في شهري تموز واب وعندما تتجاوز درجة الحرارة ال 50 درجة مئوية , بينما لا يحركون ساكنا ولا يزرعون اشجارا في موسع الزراعة …؟!
2- بعد زراعة الاشجار والنباتات , يتم التغافل عن اهم عنصر من عناصر نجاح الزراعة الا وهو عنصر السقي , فمن دون الماء لا تنمو النباتات والاشجار , فالبعض يزرع النباتات في اماكن بعيدة عن انابيب الماء , مما يضطر المجالس البلدية الى استخدام الاليات ( التناكر) في سقي تلك الاشجار والنباتات , وعليه يتوقف بقاء النباتات على تلك الاليات وعمالها , وفي حال توقف تلك الاليات او عدم مجيئها الى تلك الحدائق والمتنزهات ؛ تموت كل النباتات فيها وتذهب اموال المشاريع سدى .
3- في كل الدول المتحضرة ؛ تقوم المجالس البلدية بتعيين موظف او اكثر في كل حديقة او مرفق عام للاعتناء به وحمايته من العبث ؛ بينما تترك الحدائق والمتنزهات والمرافق العامة في العراق الى رحمة الظروف وتصرفات الناس من دون حسيب ولا رقيب , مما يؤدي الى اتلاف وتخريب وتدمير تلك المشاريع وعدم الاستفادة منها .
4- عدم تشجيع المواطنين فضلا عن منظمات المجتمع المدني على الاهتمام بالجوانب البيئية والزراعية والخدمية , وتكريم المواطنين والمنظمات التي تعمل على حماية المشاريع وصيانة المرافق العامة والاعتناء بالحدائق والمتنزهات , مما يحول هذا السلوك الى ظاهرة ثقافية وسلوكية عامة , وعندها يتقاسم الشعب والحكومة الواجب والمسؤولية الوطنية في الحفاظ على مقدرات البلاد والسهر على حماية الممتلكات العامة ؛ والذي يخفف بدوره العبء عن الحكومة ودوائرها .
5- قلة اعداد العاملين والمهندسين الزراعين والفنيين في تلك المشاريع , وعدم توفر الاليات والسيارات الحوضية والقلابات ومكائن قص الثيل وغيرها .
6- تجاوز البعض على تلك المشاريع والمرافق العامة ؛ اذ يعمد اصحاب المولدات على وضع مولداتهم في داخل الحدائق ، فضلا عن ظاهرة رعي الاغنام والمواشي في الحدائق , او تحويلها الى اماكن لتجميع ( السكراب ) وبيعه … الخ .
7- ارتفاع منسوب المياه الجوفية في بعض الحدائق والمتنزهات مما سبب هلاك المزروعات داخل الحدائق مما يستدعي انشاء مبازل لغسل التربة.
8- ارتفاع نسبة الملوحة والمياه الجوفية الناتجة من مرور انابيب الصرف الصحي تحت بعض المساحات الخضراء مما أدى الى هلاك النباتات او ضعف نموها.
9- عدم دراسة المشروع قبل البدء به ؛ اذ تتطلب الزراعة الناجحة ارض خصبة وسقي مستمر ومناخ يتناسب ونوع الاشجار والنباتات التي يراد غرسها فضلا عن مراعاة المواسم الخاصة لزراعتها ؛ فضلا عن ضرورة توفير الاسمدة وغيرها ؛ فإهمال هذه العناصر يؤدي الى فشل المشاريع الزراعية والبيئية .