18 ديسمبر، 2024 7:08 م

مشاريع الخواء في عصر الادعياء

مشاريع الخواء في عصر الادعياء

كثُرَ الذين يسألون لماذا يغيب الحل عنا ونحن منتظرون ولا نعرف من ذا الذي بيده مفاتح الامر ليكشف لنا سر ما ترسخ في العقول من انه بلاء علينا عظيم بعد ان بان الاختلاف فيهم وبحت الاصوات التي شرعت لهم وأيدتهم من قبل وبعد ان سقطت حجتهم في ان يتولوا الحكم علينا بما اختلفوا في ملبسهم وفكرهم وبما مكروا لنا وبما هم اليوم ينطقون, أليس كشف الضر عنا بات اليوم عقيم مع كل هذا العديد من الاحزاب والملل والارباب ومن يتبعهم من الصاغرين, فأن رايتهم يختلفون فانما على ما يكنزون من العقار والدولار والاستثمار وليس من الذهب والفضة فذاك اصبح من زمان الاولين, فكيف يكون الفرج على ايديهم وهم من يعتاش على شعب وبلد لا نماء فيه ولا صلاح ومترفيه من الادعياء الذين اعتلوا السلطة وهم لا يفقهون علما ولا حديثا الا ان يقولوا انا كنا معارضين وها نحن اليوم على المناصب متكئين, متربعين في بروجهم ويسيرون في مواكبهم تبعا لهرطقة وزيف الديمقراطية التي اتاحت لهم الحصانة والتحصين فيشتد الهرج والمرج في الابواق والنواعق يطلقون ما يحلو لهم غير آبهين, منهم من يحلل الامور على مزاجه فيرفع من يشاء ويسقط من يشاء واجره في الحفظ والصون ومنهم من يرى نفسه اعلى من اصحابة وانه قادر على ان يخلصنا لان الطريق الذي اختاره هو الصراط المستقيم, فمن اراد الاصلاح حقا في بلاد الاجداد عليه ان يغير الحال وصولا الى الاصلاح وخلاف ذلك بات لغطاً وجهلا وتدليسا وسيكون القادم على ذلك شاهداً ويقينا .

عندما لا يستطيع شعب ما ان يحدد هويته وعندما تختلط الاصول وتتعدد الهويات التي ينسخها من اصول لا ينتمي اليها تظهر على السطح فقاقيع الادعياء بلفائفهم الهجينة وبما يدّلسون على العامة من مآثر الخدمات الجهادية والعلوم الاجتهادية وبما يرفعونه من شعارات اصبحت من فقهها ومضمونها خاوية “مظلومية- تهميش- اقصاء” وغيرها مما أفاء المكر عليهم من ادوات السلطة وتعاريفها لحفظ العروش وادامتها, فما ان يتمكنوا من غسل العقول ونشرها ويستقر امرهم حتى تظهر بواطن الامور ومكامنها فيمدوا أذرعهم ومجساتهم على كل اركان البلاد وثرواته للهيمنة عليها ثم تبدأ الماكنة السياسية بانتاج الادوات الاعلامية وهي القاعدة الاولى في التمكين والتسلط لتبحث عن اوسع شرخ يمكن النفوذ الية لتفعيل الازمات, والطائفية هي أولها التي يمكن تفعيلها فما ان يطلق حديث من هنا وحديث من هناك ولعنة من هنا ولعنة من هناك حتى يبدأ التركيز عليها من ادعياء العقيدة عبر المنابر والابواق التي اسسوها, غالبا ما تنجح تلك الميكانيكية من تفعيل الازمة وما أسهلها في مجتمعنا, فتتبعها الهمجية والسذاجة والجهالة ثم تسري كالنار في الحطب وتأخذ معها طبقات اخرى اكثر ثقافة ودراية ولكنهم اقل وعيا وتعمقا فينحرف الخطاب ويتناقض ويتجه الراي العام بذلك الاتجاه لتخلو الساحة التي تعارض السلطة تماما ويبدا منهج الاستيلاء على كل ما تصل اليه يد الادعياء لتثبيت العروش وتضعيف الشعوب وعندما يدب الاختلاف على المقدار بينهم حتى يتم تفعيل ازمة اخرى وهكذا تتوالى على العامة الازمات تبدا من الخطاب الى ازمة طائفية او دينية ثم مكوناتية وبعدها ترتفع في غيها لتنال الامن والامان, تفجيرات وعبوات وخطف وسلب في اماكن حساسة ثم تصل الى الازمة الحاسمة التي تجعل الشعوب عقيمة الانتاج تقدس جهلها وتندب حظها وهي الازمة المالية أو الاقتصادية, وعبر كل هذه الازمات يتم في الخفاء تحقيق ما يدور خلف الواجهات من مكامن السلطة ومغانمها.

وبتكاثر الازمات وسرعة تواليها يدبّ القنوط واليأس لتندب كل نفس حظها ولتؤمن بان مايجري هو من ضعفها وبلاءها وان لامناص ولا منات بالتسليم اليها, فينال الخراب من كل النفوس واراداتها الا من التي تراجع ذاكرتها وتحلل واقعها وتستقرأ قوادمها فلا ترضى بما جرى وتحتج وتتعالى اصواتها ولكنها تبقى فقط تتمنى لأنها لاتملك الامكانيات وتعمل في النيات, ولكنها على اية حال مؤثرة وما ان يصل تأثيرها الى الخطوط الحمراء التي وضعتها السلطة بعناوينها حتى تتمكن من الاندساس بينها وتفتيتها بحجة التاييد لها ومهادنة الحقوق التي تطالب بها, الى ان تخفت الاصوات وتبح وهنا يضطر اغلب العامة والقليل من الخاصة الى التصديق بان ليس هناك من حل ولا بديل يمكن ان ينطلق من بينهم وان عليهم ان ينتظروا من يخلصهم وهذا مراد السلطة وأعظم غاياتها, ولكي يتم التغطية على ما عاثت به من الفشل والفساد والخراب تقوم بمراجعة معطياتها وتعيد صياغاتها لتدور حصرا في اروقة السياسة وأدعيائها فتطرح ما يتشابه علينا من مفردات ومصطلحات قد اكل الدهر وشرب عليها “توافقية .. شراكة .. اغلبية” وكثير غيرها مما يخرجه الادعياء علينا من قواسم السلطة مترادفها ونقيضها جناسها وطباقها ومما هو قادم علينا من أسوءها من لغو السياسة وهرطقتها حتى لم نعد قادرين على ان نبحر في معانيها أو نسبر في اغوارها أو نلج في مكنوناتها لنبصر في الاتي من فعلها, كل هذا يجري والذاكرة الجمعية تتناسى وتتغافل عن اكبر مدونة من الخراب التي اطلقتُ عليها “عصر الادعياء” فما الذي قدمه ادعياء الطائفة والمذهب لمظلومية الشيعة غير الزيارات المليونية والشعائر والتفاخر بعديدها وما تبعها من خطاب المنابر وزخرف القول فيها وخرافته وسذاجته فهل هذا ما تعنيه المظلومية في أطرها ومحتواها؟ فهي لا تشمل خطوط الفقر فيهم والعاطلون عن العمل منهم والمقرف من الخرائب والعشوائيات في سكنهم فما الذي فعله الادعياء المترفين بمظلوميتهم؟ وما الذي قدمه ادعياء الطائفة والمذهب للسنة لما اطلقوا عليه تهميش واقصاء غير الخراب والتفتيت مهجرين ونازحين ودخول الارهاب بينهم وما جرى عليهم من الويلات سقيم وعظيم وما الذي تحقق في ثقافة القومية والاستقلال غير ضياع في الثروة وهدرها بافتعال التعقيدات والازمات في الوقت الذي كان بامكانهم بما استحصلوا من خزائن العراق الى ان يكونوا نواة اقتصادية ان تعاظمت امتدت الى باقي العراق لتشمل جميع اهله . هذا ما جرى علينا من تعدد للهويات الفرعية من اهوالها ومصابها القادم علينا عظيم . وكل الحلول التي يطلقها الادعياء والتي يراد لها ان تحتوي الخراب تنساق من الفعل وردة الفعل عليه وليس من منهج ثابت مستقيم ولا من فكر بين متين وهي تنطلق من محورين لا ثالث لهما اولهما.
التصفير (أمسح السبورة ولنبدأ من جديد) وثانيهما الخربطة (لو ألعب لو أخربط الملعب) والمتبصرين الذين يقرأون الحدث بما اعتلوا من فكر وثقافة يدركون ان ما يطلق من مشاريع الخواء لا تحتوي الا على صراع قادم فليس في مضامينها اي مشاريع للتنمية المستدامة ولا ثورة تربوية ولا ثقافية ولا منهجا للأصلاح الاقتصادي لأستغلال الثروات المادية والفكرية والبشرية التي ابتلعتها حيتان الادعياء واربابهم وتظل تلك المشاريع والقوانين التي تتمحور حولها تدور في مستهلكات لا تصلح للاستخدام الا لمرة واحدة ولوقت محدود ولتغليب شريحة على الاخرى وهي بالفعل لا تؤسس الى ان تطرح ما يحتوي الجميع لانها لاتملك الهوية الاصيلة فلا يخرج من قواعد الخراب الا الخراب .
المشكلة الاكبر ان الراي العام والجمعي بدأ ولغفلته لا يؤثر في الحدث وانما انعكست المعادلة ليأخذ بالتفاعل معه والاستغراق في مفرداته وتحليل معطياته فما يطلقه الادعياء اصبح الشاغل المطلق في الساحة الفكرية والثقافية وتبعا لذلك تنجر النخب من الكتاب والمفكرين الى الحدث بدون اي استدراك أو استرجاع للذاكرة التي اسست لهذا الحدث او ذاك وهذا ما يسعى اليه الادعياء وهو مرادهم وهدفهم , استدراج العقول لتكون هامشية وتستغلها في المشاغلة والتعتيم على ما جرى من احداث كارثية وما يجري خلف تلك المشاريع والقوانين التي تتباهى بواجهتها ولكنها في بواطنها تغط في العبث والخواء والتبعية لمن صنعهم وسواهم, ولنضرب مثلا عما فقدته الذاكرة فهل يعقل ان يكون هناك خمسين الف فضائي مما نعد وما مصير ملف التحقيق في سقوط الموصل وأين .. وأين الى مالا نحتملة من الاحداث, والمطلوب من الكتاب والمفكرين المحروقة قلوبهم على العراق وأهله المظلومين ان يستدركوا طويلا ويتبصروا فكرا وثقافة في أن الحقبة التاريخية في عصر الادعياء لهي اعتم مما نتصور وان يبتعدوا عن الخوض والانجرار الى الازمات والاحداث فيعطوها الشرعية وهم عنها غافلون وان يرسموا منهجا واضحا ومعقولا بان كل تلك المشاريع والتسويات هي بعيدة عن مفهموم الدولة وقوانينها ومؤسساتها وان يعملواعلى تشكيل معارضة حقيقة فكرية وتعبوية تأخذ بالانقلاب على الولادة العقيمة لما يسمى بالعملية السياسية وادعيائها وأن تنطلق بمسارات تنفيذية لا تنظيرية تمس الواقع المعاشي وتترفع عن الموروثات التي تراكمت علينا باشكالها الطائفية والايديولوجية وأن لا تستثمر في أي مشروع ياتي من خارج التأصيل الفكري والاجتماعي بغض النظر عن مؤثراته النافذة في الساحة العراقية وأعلموا ان كل ما يتمناه الصالحون في اي زمان ومكان لابد وان يدركوه حتى وان جرت الاحداث بما لا تشتهي الانفس .