22 نوفمبر، 2024 4:06 م
Search
Close this search box.

مشاركة  خجولة في الخجل

مشاركة  خجولة في الخجل

“سأخبر الله بكلّ ما فعلوه بي”
جملة قالها طفل سوري نازح، متوعّدا جميع الشهود بعقاب سماوي ، وهو يحتضر، نطقها بفمٍ يابسٍ ، بسبب الحمّى ، وأسنان ترتجف من البرد ،والجوع
 كما نقل تقرير تلفزيوني لفضائيّة أوروبيّة بثّ مشاهد مؤلمة لعوائل سوريّة تعاني الأمرّين ، هذه الجملة استوقفتني كثيرا ، وجعلتني أشعر بالخزي ،والعار، لأنّنا ،كمثقّفين، نقف عاجزين أمام ما يجري في عالمنا المضطرب ، وهذا لن يعفينا من مسؤوليتنا الإنسانيّة، والأخلاقيّة تجاه هذه العوائل ، التي أعدادها في تزايد، وقد ذكرت الأمم المتحدة في تقرير لها نشر يوم11 نوفمبر من العام الماضي إن عدد النازحين  بسبب حروب العراق وسوريا بلغ  13.6 مليون شخص من بينهم  7.2 مليون نازح داخل سوريا  ، وذكرت بعثة  الأمم المتحدة  للمساعدة في العراق في تقرير لها  نشر في الأول من ديسمبر من العام الماضي إن أكثر من مليوني شخص نزحوا عن ديارهم بسبب أعمال العنف، وحذّرت منظمات إنسانية، من “تفاقم أوضاعهم مع بدء تساقط الثلوج في إقليم كردستان العراق الذي يستضيف القسم الأكبر منهم ويواجهون صعوبة في تحمّل صقيع الشتاء” ،  مع انخفاض درجات الحرارة ، ونزول أمطار في مناطق مختلفة من عالمنا العربي ،وتساقط الثلوج في بعض المناطق منها في سوريا الجريحة ، التي تئنّ منذ أكثر من ثلاثة أعوام ، والعراق بعد هجمة “داعش” الوحشيّة ، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا فعلنا لهم؟

فكلّ مساء ،ونحن ننعم بدفء بيوتنا ، نتابع ما تعرضه علينا نشرات الأخبار من صور ،لعوائل نازحة عن ديارها تعيش في العراء ، وإن وجدت سقفا ،فخيمة لا تصدّ بردا، ولا تمنع زخة مطر من أن تتسّرب عبر ثقوب الريح إلى الأجساد المرتعشة ، وليس تحت أقدامها سوى تراب ،ورمل بارد ،وإن وجدت بساطا ، فيكون متخما بالرطوبة، مشرّدون :أطفال بلا مدارس، ولا طفولة ، ونساء بلا أزواج ، ولا مرايا سوى مرايا الأوجاع ، وشيوخ بلا عكّازات ، ولا نظّارات طبّيّة ، موتى بلا أكفان ، حاضر بلا مستقبل ، عوائل بأكملها  تركت ممتلكاتها ، وبيوتها، هربا من الحرب الدائرة ، ولكنّها  وجدت نفسها كــ” المستجير من الرمضاء بالنار” ، فكلّ يوم ترتفع نسبة الوفيات بسبب البرد ،وسوء التغذية ،وتفشّي الأمراض ،وقلّة العناية الصحيّة ، فضلا عن انقطاع الأطفال عن المدارس، وما لهذه المشاكل ،من نتائج سلبيّة ستضع أصابعها على مستقبل منطقة عرفت بثرائها الثقافي ،والحضاري .

واليوم نتابع تقارير المنظّمات الإنسانيّة، وما تنقله وسائل الإعلام ، من أخبار هؤلاء النازحين، نشعر بالألم لأنّ مشاكل النازحين تتفاقم ، ولا نجد من يقف إلى جانبهم ، يقول  أمين عوض مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة “إن العالم لا يتحرك لتلبية حاجات اللاجئين بما يدفعنا إلى الشعور بالخجل من أنفسنا “

“وأنت تعدّ فطورك

فكّر بغيرك

لا تنس قوت الحمام”

 

قالها الشاعر محمود درويش ، ليضعنا أمام مسؤوليتنا الإنسانيّة ، ليس تجاه إخواننا من البشر الذين يفترسهم الفقر ،و الجوع ،والفيضانات ، والأوبئة ، في كلّ أصقاع المعمورة ، بل إلى ما هو أبعد من ذلك ،إلى الكائنات الأخرى  التي تشاركنا نعمة الحياة ،من طيور ، وفراشات ، ونبات ،وشجر، فنمدّ لها يد العون ، لنؤكّد إنسانيتنا ، وانتمائنا إلى الوجود، وهذا واجب ديني، وأخلاقي ،إذ أنّ كلّ الشرائع والأديان أكّدت على ذلك ،وفي الحديث الشريف ” مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَادَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ “

فهل نكتفي بالخجل؟ أم نسعى معا لنخفّف من معاناة طفل جائع، لننقذه مما هو فيه ،  قبل أن يلحق رفيق تشرّده السوري الذي توعّد بأن يشكوا ضعفنا ،وقلة حيلتنا إلى الله.

أحدث المقالات