19 ديسمبر، 2024 3:04 ص

كرومُ وغارُ وأرزُ المشرقِ هم نخيله وسِدراتُه هم أفنان هذه الأغراس والباسقات ممتدّةٌ نحو العَلاء شامخات جذورها في الأعماق راسخات. * دماؤهم وخلايا جسومهم موروثة من أسلافهم منذ الطوفان قبل تسعة قرون قبل عهد عادٍ وثَمود قبلَ سيلِ العرِم، وأرِم ذات العماد قبل إبراهيم أبي ألمؤمنين فهم أحفاد أحفاد السومريين وهم أعقاب أعقاب الأكديين أسلافهم آشوريون وبابليون فيهم دماءٌ وخلايا من قحطان وعدنان من نسلِ مناذرة الحيرة وقبيلة كندة من أنسال الغساسنة والعباديين من بني آرام وكنعان من بني أياد وذبيان وبني طيءٍ وشيبان وبني بكرٍ وربيعة وكانوا عهدَا من سكّان نجران ودومة الجندل منابِتُهم قبل السيلِ أصقاعُ اليمن بعد السيلِ عُمان وسهوب الجزيرة تُربتهم ربوع الهلال الخصيب مرويّةُ بالدجلة والفرات

2

والنيلِ والعاصي واليرموك والخابور والخازر والأردن والزابين وديالى والأدهم( العُظَيم). ولطف الله الرحمان الأكرم لم ينسَ الفيافي والقفار فهيأ لها سُحُبًا هُتنأ وغيثًا سَكوبًا ليملأ بالأمواهِ وادي سرحان وجداولَ حوران وآبارًا في الصحارى والواحات. * من قال عن هؤلاء، في العراق أو غيرهِ، كونَهم جالية كاذبٌ هو أو واهمٌ أو جَهول من قالوا عنهم كونَهم مُشركين مخطِئون أو مغرِضون فقانون إيمانِهم التليد خيرُ شاهدٍ يقول: ” نؤمنُ بإلهٍ واحدٍ الآبِ الضابطِ الكُل ” . * هذه حقائق جوهرية عن أصول وجذور مسيحيي المشرق في العراق والأقطار العربية،إستنادًا إلى وقائع وشواهد التاريخ والجغرافية البشريّة ومعطيات الأثنيات، وعن إيمانهم التوحيدي، وعن نفي الشِرك عن معتقدِهم الربّاني المسيحاني نفيًا باتًا.

كثر الحديث والتساؤل عن التخطيط لإعداد خارطة شرق أوسط جديد، أو مشرق عربي مقبِل ليغدو بلا مسيحيين في المستقبل القريب أو البعيد! ولا أستبعِد تحقيق هذا التفريغ المتجنّي، والإقصاء الظالم والخاطئ والضار للجميع وحتى لمهندسيه، أعداء البشرية بكل صنوفهم، لأنّ أطرافًا عِدّة ـ معادية لكنيسة السيّد المسيح ـ قد تواطأت في العقد الأخير من القرن العشرين، الزاخر بالشرور والآثام، على القيام بذلك التفريغ والتغيير الشرّير. وفي مقدّمة هذه الأطراف: المفسدون في الأرض منذ ألفي عام، وحلفاؤهم وأنصارهم أعداء الأيمان القويم بالله وبالإنسانية والتعايش والتآخي بين الأجناس البشرية ومعتنقي الديانات التوحيدية في ظل التسامح والتعاضد لبناء مستقبل تعايشي فضيل بنّاء حضاريًا وإنسانيًا، نائيًا عن الأحقاد المزمنة والعنعنات والقَبَليات،

3

وعن نزعة سفك الدماء، والكراهية والجشع والأنانية المفرطة. وهذه الخصال الحميدة تؤلّف السِمة الغالبة على خصال مسيحيي الشرق العربي الأوسطي منذ أقدم الأزمنة الني وُجدوا قيها.

في هذا الصدد يجدر تبيان أن الجاهلين والمتزمّتين والمغرضين والمناصرين للتطرّف والإرهاب، ونبذ الآخرين المخالفين، الذين يَعدّون الشعوب الغربية بكونها مسيحية قاطبةً، ثمّ يُسقطونَ سيئاتهم ومفاسدهم الأخلاقية، وسلبياتهم المادية والتسلّطية والإستعلائية على مسيحيي المشرق العربي والأوسطي، مخطِئون أولاً في حملِهم هذه النظرة الخاطئة المصحوبة غالبًا بحقد وكراهية، لأنّ جُلّهم باتوا الآن ـ ومنذ نصف قرنٍ خلا ـ غير مسيحيين حقيقيين، بل أمسوا لا دينيين أصلاً، بدليل خلوّ كنائسهم من المصلّين عدا أنفارًا قلائل كبار السن، وثانيًا إن روحانية وتقوى مسيحيي المشرق واعتدالهم السلوكي وأخلاقهم ومناهجهم في سُبل الحياة، والنظر إلى الآخربن يختلف كثيرًا عمّا هي لدى الشعوب الغربية، وأبرزها بُعدهم عن نزعة التسلّط والإستعلاء . فحرامٌ أن يتخذ المتزمّتون والمتطرّفون والإرهابيون هذه المساوئ والسلبيات والعيوب عند الشعوب الغربية كذريعة لإضطهاد مسيحيي المشرق وتهجيرهم وتدميرمعابدهم وامتهان مقدّساتهم، لأنهم بهذه المقترفات يخدمون غاياتِ أعداءٍ تاريخيين للبشرية جمعاء.

ماذا يتبقّى من بهاء المشرق وزهوه حاضرًا وسابقًا بعد تجريده من كرومه الزاهية، واقتلاعِ غارِه وأرزاته وسِدراته ونخيله السامقة التي تمثّل أتباع السيّد المسيح، وهم منذ البدء حتى الآن كانوا وما برحوا بُناةَ حضارة وعناصرَ تمدين وارتقاء ونهوض، كما هم ملح الأرض، وناشرو الإيمان بالإله الواحد، واليوم الآخر، والعمل الصالح. أجل، هل يبقى غير القتاد والفيافي والفلوات واليباب والعرَصات الجرداء؟ فليتأكّد ذوو الألباب في هذا المشرق حاضرًا، وأهل الحِجى والدراية والعرفان والعقل السليم فيه أنّ هذا ما سيبقى في المشرق العربي الأوسطي بعد اقتلاع المسيحيين من أرضهم في هذه

4

الرقعة الوسيعة المباركة، ظلمًا وجُرمًا من جرّاء نزاعات وتناحرات واقتتال فيما بين فِئاته وطوائفه، ومذاهبه وأعراقه، وبسبب فسادهم الهائل ولامبالاتهم منقطعة النظير!

5

ختامًا أقول: ليتذكّر عقلاء هذا المشرق العربي، وأهل الأمر والنهي، والحلّ والربط فيه أنّ المفسدين في الأرض سيعملون جادّين على تفريغ المشرق بأسره من مُسلميه غِبّ تفريغه من مواطنيه الأُصلاء المسيحيين، إذ إن ذلك الإخلاء منصوصٌ عليه في أدبيّات أؤلئك المفسدين في الأرض قبل عقود، وجُلُ من أسلفتُ ذكرَهم يجهلون، وقليلوهم يتجاهلون! رحم الله شاعرَنا الرصافي القائل:

إذا ما الجهلُ خيَّم في بلادٍ رأيتَ أسودَهم مُسِخت قرودا

أحدث المقالات

أحدث المقالات