19 ديسمبر، 2024 1:00 ص

مسلم بن عقيل وإشكالات (بيضون)

مسلم بن عقيل وإشكالات (بيضون)

في قضية للنقاش طرحها الصديق الدكتور علي الفكيكي في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) استعرض بعد (مقدمة تلميعية للمؤلف) بعض إشكالات د. إبراهيم بيضون (كاتب واكاديمي لبناني) في كتابه ( ثورة الحسين .. حدثا وإشكاليات) وبغض النظر عن الكاتب وكتابه الذي اعتمد فيه ( إشكالية المنهج ونقد النص) أسلوبا للتعامل مع النص التاريخي والروائي وتحديداً الكتب التي كانت محله بحثه وموضع قراءته وهي ( الأنساب للبلاذري ، تاريخ الطبري، اخبار الدينوري ، فتوح ابن الاعثم ، والإرشاد للشيخ المفيد) .

وبيضون في كتابه غرد خارج السرب كثيرا فيما يخص شخصية الامام الحسين (ع) وأهليته للقيادة وللثورة ، وبعض بل ان بعض رؤى الكاتب عن مواقف الامام واجراءاته عبارة عن تحليلات وتصورات هزيلة ولا تنصف سيد الشهداء مطلقاً ، فهو يتصور مثلاً ان الامام كان (ضحية) لإستفزاز مروان بن الحكم دفعه للخروج من المدينة الى مكة ، وان توقيت الامام للثورة لم يكن قد حان ، أي ان الامام وقع في (فخ) مروان وسارع على الخروج وإعلان الثورة في غير محلها . (34-35) .

كما ان بيضون لا يريد تصديق واستيعاب بعض الاحداث التي وقعت بين الامام وبعض الشخصيات مثل عمر بن سعد ، ويستنكر ان يمارس الامام اسلوب شراء الذمم واسترضاء الخصوم بالمال والجاه والمنصب في تعليقه على محادثة الامام مع عمر بن سعد  (ص9) ، والتي هي في الحقيقة ان الامام قام بإلقاء الحجة عن ابن سعد وكشف زيف الذرائع التي ساقها للخروج لقتال الامام ، ولذلك كان الامام في اطار محاججته يعرض عليه تعويضه تعويضاً أخرويا (على أقل تقدير) عن وعود واغراءات بني أمية وربما كان الامام يبين له ان موقعه وقيادته لجيش الكوفة يمكن ان تغير مسار المعركة ونتائجها ضد بني أمية .

على العموم نترك إشكالات الدكتور بيضون وتصوراته الخاطئة في تحليله لمواقف الامام الحسين (ع) جانباً ونستعرض الاشكالات التي أعجب بها الصديق الفكيكي واعتبرها وفق مدعاة للتفوق على ما كتبه الشهيدين الصدرين والمطهري (قد) وعلي شريعتي (رحمه الله) ؟!!  وهذا نص ما كتبه الأخ الفكيكي (هذا المؤرخ الذكي والذي يبدع في نحت اشكاليات خطيرة حول ثورة الحسين ع بشكل يفوق ما كتبه الصدرين وشريعتي والمطهري قدس ، لأنه يكتب للنخب التي تحترف القراءة وشمّ الكتب) وطبعا هذه المبالغة في تلميع وتهويل كتابات بيضون هي اشكالية بحد ذاتها على الفكيكي الذي يبدوا ان تسرع كثيرا في إطلاق هذا (التلميع) والذي لا يمت الى الحقيقة بصلة لان ما كتبه من ذكرهم من أعلام الدين والفكر يشكل نقلة نوعياً في مجال النقد للتراث الديني الشيعي وخصوصا المطهري وملحمته الحسينية الكبرى .

نعود مرة اخرى لإشكال (بيضون) والذي يصرح فيه بانه (لم يقتنع بمسلم بن عقيل كسفيرا للحسين)؟ ، اما أسباب عدم اقتناع بيضون والتي أثنى عليها الفكيكي وصفق لها اطراءً في هذا المنشور فهي ( أنه كان مترددا في الذهاب الى الكوفة ، أنه لم يذهب الى النخبة السياسية المعارضة في الكوفة (سليمان بن صرد تحديداً) ، انه لم يغدر بابن زياد في زيارته لهانئ) .

وطبعاً اولا اود الاشارة الى بساطة هذه الإشكالات الى حد يمكن وصفها بالساذجة والعاطفية ، وبدل هذه الإشكالات يمكن  طرح العديد من الاسئلة التي لن نجد لها جوابا تاماً لأسباب كثيرة الى وقت غير معلوم ، كما ان اشكاليات بيضون بحد ذاتها لا تعتبر منجزا فكريا ، لان مسالة طرح الإشكالات على كل الموضوعات من الفنون التي يجيدها الأذكياء والاغبياء والمفكرون والجهلة في الوقت نفسه ، كما

ان اغلب الاشكالات يمكن الرد عليها ولكن مسألة قبول او قناعة صاحب الاشكالات بالردود ليست مضمونة وتكاد تكون العكس ، لأن أكثر هؤلاء يعتبرون إشكالاتهم مقدسة وحقيقة مطلقة .

ثانيا ان القضية ان أشكال (بيضون) من حيث يعلم او لا يعلم ليس موجهاً الى شخص مسلم بن عقيل وانما الحقيقة هو أشكال وتشكيك وطعن بمن اختار مسلم ليكون سفيرا وهو الامام الحسين (عليه السلام) الذي يجمع المسلمون على أنه إمام (ان قامَ وأن قعدَ) .

لذلك يكفي في رد (كل) اشكالات بيضون أن من اختار ( مسلم بن عقيل) سفيراً هو الامام الحسين (عليه السلام) والذي هو الاعرف بخصائص ومواصفات سفيره والمؤهلات التي يتمتع بها فضلا عن الاهم وهو ان الامام الحسين ( عليه السلام) كما نؤمن على الاقل نحن (الشيعة) انه امام معصوم من الزلل والخطأ .

ثالثا نأتي للرد على إشكالات (بيضون) والتي يمكن ردها مجتمعة من خلال استدلالنا بنص وصف الامام الحسين (ع) وتزكيته وإشادته بمسلم بن عقيل ومدى أهليته وجدارته للقيادة النائبة عن الامام بقوله (ع) في رسالته الى اهل الكوفة (وأنا باعث إليكم بأخي وابن عمي ، وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ليعلم لي كنه أمركم) من رسالة الامام الى اهل الكوفة ) ، ويكفي في بيان حكمته وحنكته ان استطاع توحيد صفوف الشيعة آنذاك حتى  استطاع تحشيد من (18) الى (40) الفا (باختلاف الروايات) من أهل الكوفة للثورة على بني امية قبل ان تبدأ دسائس أبن مرجانة وانقلاب الوضع على مسلم وحركته الثورية التي اضطر إليها بعد اعتقال هاني بن عروة وغيره من قادة الشيعة .

اما الرد على تلك الإشكالات بشكل فردي فيمكن ان يكون كالتالي :

1- ان مسلم لم يكن مترددا بتاتا في مهمته وسفارته وإنما سلم تسليما مطلقا وبطاعة تامة لتكليف الامام الحسين (ع) ولم ينقل عنه خلاف ذلك .

2- ان نزول مسلم في دار المختار كان باختيار الشيعة وزعمائهم في الكوفة آنذاك ولم يعترض سليمان بن صرد او غيره ، وذلك لان المختار كان شخصية معروفة على صعيد العمل السياسي والمعارضة والتأثير الجماهيري .

3- ان شخصية مسلم بن عقيل الذي كان تلميذا في مدرسة بيت النبوة وخصوصا عمه الامام علي (ع) يأبى شرعاً وعرفاً ان يمارس الغدر بعدوه ، لأن فضلا عن أنه ليس من شيم والمرؤة العربية ، وهذا ما لا يستوعبه الكثير .