ولد مسلم بن عقيل في عام 22 هجرية في المدينة المنورة ، وقد تزوج رقية بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان مسلم بن عقيل من أجلِّة بني هاشم وكان عاقلا عالماً شجاعاً ، وكان الإمام الحسين عليه السلام يلقبه بثقتي ، وهو ما اشار إليه في رسالته الى أهل الكوفة ، ولشجاعته الفائقة أختاره أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين على الرغم من صغر سنه (15 سنة) ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين عليهما السلام ، وقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه واله ) بقتله ، قال أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله (صلى الله عليه واله ) : يا رسول الله إنك لتحب عقيل ؟ قال (صلى الله عليه واله ) اي والله إني لأحبه حبين ، حباً له لحب أبي طالب له ، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه ملائكته المقربون) ، ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه واله) حتى جرت دموعه على صدره ثم قال : ( الى الله اشكو ما تلقى عترتي من بعدي) (1)
بعد ان مات معاوية وأصبحت أمور حكم المسلمين تنتقل الى يزيد أبنه المعروف بسكره وفسقه وابتعاده عن تعاليم الإسلام ، اتجهت عيون المسلمين الى الإمام الحسين عليه السلام لقيادة الأمة والعودة بهم الى تعاليم الإسلام الحنيف وقد بدأت رسائل المسلمين تتوالى على بيت ابي عبد الله الحسين عليه السلام من مواليه وشيعته وخصوصاً من مدينة الكوفة ، وبعد هذا الكم الهائل من الرسائل والمطالبات في قدوم الحسين عليه السلام الى الكوفة فارتأى الإمام الحسين عليه السلام ان يرسل مندوباً عنه لكي يهيأ له الأجواء وينقل له الأحداث وحقيقة ما يجري في الكوفة ليستطيع ان يقرر الموقف المناسب ، ولا بد لهذا السفير من صفات ومؤهلات تؤهله الى هذه المهمة الخطيرة والسفارة العظيمة ن فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل عليه السلام لما كان يتصف بالولاء الخالص والإيمان الواضح والعقل الراجح والعلم الثاقب والشجاعة الهاشمية المعروفة وقد أظهرت الأحداث تفسير وشرح كل مفردة من هذه المفردات التي سبقت في وصفه ومؤهلاته .
خرج مسلم عليه السلام من المدينة المنورة متوجهاً الى الكوفة في الخامس عشر من شهر رمضان 60 هجرية ويصحبه قيس بن مشهر مع دليلان يدلّانه على الطريق . وقد حمله الإمام الحسين عليه السلام رسالة الى أهل الكوفة ( بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى الملأ من المؤمنين أما بعد : فأن فلاناً وفلاناً قدما علي ّكتبكم وكان آخر رسلكم وفهمت مقالة جلكم : أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، وإني باعث إليكم أخي وأبن عمي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ن فإن كتب ألي أنه قد أجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى )(2 )
وصل مسلم عليه السلام الى الكوفة في الخامس من شوال عام 60 هجري فنزل في دار المختار بن عبيدة الثقفي وأقبلت الناس تختلف اليه فكلما أجتمع اليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين عليه السلام وهم يبكون وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر الفاً ، وعندما وصل العدد الى هذا الكم الهائل والظروف لا تسمح بالتأخير نتيجة أهمية عامل الوقت في ظروف التغير والثورة لهذا كتب مسلم بن عقيل الى الإمام الحسين عليه السلام جاء فيه ( أما بعد ، فأن الرائد لا يكذب أهله وأن جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً فعجل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا والسلام)(3) .
في المقابل عملاء بني أمية وأتباعهم ومحبيهم وشيعتهم لم يسكتوا على هذا الوضع والتغير لهذا كتبوا الى يزيد رسائل تخبره عن مجيء مسلم (عليه السلام) منها :_( أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فأبعث أليها رجلاً قوياً ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعَّف)(4) ، وهنا دخلت أهمية الوقت والخدع السياسية لهذا كتب يزيد بن معاوية بعد أن اشار عليه مستشاره سرجون رسالة الى واليه في البصرة عبيد الله بن زياد يطلب منه أن يذهب الى الكوفة ليسيطر على الوضع فيها ويقف أمام مسلم (عليه السلام) وتحركاته ، وبعد وصول عبيد الله بن زياد الى قصر الإمارة في الكوفة بعد ان خدع الناس وكذب عليهم أخذ يتهدد ويتوعد المعارضين والرافضين لبيعة يزيد ، وبعد ان اضطربت الأوضاع في الكوفة نتيجة وصول عبيد الله بن زياد الى الكوفة وسيطرته على قصر الإمارة ترك مسلم بن عقيل بيت المختار وذهب سراً الى بيت هاني بن عروة حتى يستقر الامر ولكن عبيد الله بن زياد قد لاحظ غياب هاني عن القدوم أليه للتحية والسلام وسأل عنه ، فقالو له انه مريض فطلب زيارته في بيته وعندما عرف هاني بالأمر فرح كثيرا حتى تكون فرصة لقتله والتخلص من شره وفساده واخبر مسلم بهذا الأمر ، وفعلا تخبأ مسلم عليه السلام وراء ستار وتهيأ لقتل عبيد الله بن زياد بعد ان تأتي الإشارة من هاني بن عروة ، وفعلاً قدم عبيد الله بن زياد الى زيارة هاني ويعد جلوسه ارسل رسالته هاني لمسلم لكي يقوم بقتل عبيد الله بن زياد ولكن مسلم لم بفعل وبعد خروج عبيد الله من بيت هاني سأل هاني بن عروة مسلماً لماذا لم تقتل عبيد الله بن زياد قال اوقفني عن القتل حديث لرسول الله (صلى الله عليه واله)( الإيمان قيد الفتك المؤمن لا يفتك) وعبيد الله ضيفك فكيف أقتله وأفتك به ؟؟ هنا يظهر الإسلام الحق وتعاليمه ومدى إيمان مسلم وعقله وحكمته وشجاعته في الله ، وهنا تظهر الصفات التي بسببها قال عنه الإمام الحسين عليه السلام ثقتي (اي ثقته في تنفيذ أحكام الله سبحانه وتعالى لأن الأمور جميعها تدار حول طاعة تعاليم الله سبحانه وتعالى ) وهنا تظهر مدرسة الإسلام الحق المتمثلة بمحمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين ومدرسة بني سفيان الجاهلية الشيطانية .
فنلاحظه بعد أن خانته الرجال التي أعطيته البيعة والمواثيق وأصبح وحيداً بعد أن اعتقلت السلطات الشخصيات المهمة كهاني بن عروة والمختار وغيرهم من قيادات الشيعة في الكوفة ، أخذ يسير في أزقة الكوفة وهو متخفياً حتى لا يقع بأيدي أعوان عبيد الله من أجل الخروج من هذه المدينة التي تغيرت ظروفها وأصبحت معادية للإمام الحسين عليه السلام حتى يوصل خبر تغيرها ويحذر الإمام الحسين عليه السلام من قدومها الى الكوفة ، ولكن ظلام الليل وعدم المعرفة الدقيقة بأزقة الكوفة لم تساعد مسلم بن عقيل عليه السلام على الخروج من هذه المدينة فأضطر الى البقاء فيها وهو عطشان وتعب ولهذا السبب طرق باب بيت لامرأة يقال لها طوعة لكي يطلب منها الماء ويستأذن هذه المرأة الضعيفة البدن العظيمة الإيمان أن يبقى في بيتها هذه الليلة وبعد معرفته رحبت به كثيراً بسبب قرابته من أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد قضى هذه اليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً قارئ للقرآن ورافعاً يديه في الدعاء فلم يترك لحظة بدون طاعة الله سبحانه وتعالى وهو العارف بخطورة صباح غد ، وهذه الأجواء التي عاشها مسلم تذكرنا بأجواء ليلة العاشر التي عاشها أصحاب الحسين عليه السلام فكيف كانوا قائمون وقاعدون وراكعون وساجدون وكان دويهم كدوي النحل في التبتل والدعاء وقراءة القرآن ، فكان مسلم عليه السلام سيد تلك الثلة التي طلقت الدنيا وتركتها خلفها واتجهت الى بارئها وربها الله سبحانه وتعالى ، وهذا يدلل على معرفة مسلم بن عقيل عليه السلام بربه وإمامه الإمام الحسين عليه السلام ، وهذه من أهم النقاط التي تم اختيار مسلم للسفارة والرسالة وهي عمق معرفته بالولاية والإمامة.
وقد جسد مسلم ين عقيل تعاليم الإسلام بحذافيرها وكان نعم الثقة والرسول والسفير للإمام الحسين عليه السلام ن فهو الشجاع الذي واجه مئات الفرسان وحده ولم يتراجع قيد أنملة عن مهمته وولائه حتى استشهاده فكان بحق ممثلاً للإمامة في اشد الفترات وأخطرها وقد كتب تعاليم وأخلاق الإسلام بأحرف من نور مطرزة بدمائه الزكية وقدم للبشرية أجمل صورة ثورية للأحرار في العالم على مر التاريخ ، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
(1) الأمالي – الشيوخ الصدوق ص191(2) الإرشاد – الشيخ المفيد ج2ص39(3) مثير الأحزان – أبن نما الحلي ص21(4) الإرشاد – الشيخ المفيد ج2ص41