السؤال الكبير الذي اضعه أمام قناة (العراقية) هو: لماذا تركزَ انتاجها وانتاج شبكة الاعلام العراقي على (كمٍ) غير اعتيادي من الدراما التلفزيونية لتضعها على ارضية محاكاة (العنف) في عدد غير قليل من مسلسلاتها المحتاجة ، أولاً وقبل كل شيء، الى سيناريوهات تنتبه الى وعي مفجع، منسجم، عالي المستوى ،والى مواجهات سيكولوجية ، والى نظريات اجتماعية، والى مقتضيات فنية تكنيكية متطورة ..؟
لا شك أن إدانة (العنف) درامياً محاولة تستحق التقدير لأن قلوب العراقيين قلقة جدا في حياتها اليومية في هذا الزمان، وأنها منشغلة بــ(الخوف) من افعال وجرائم مختلف العصابات، المتطرفة، البليدة، المتخلفة، التي تنتظم في خلايا، نائمة او مستيقظة، مقيدة نفسها بمنهجية ارهابية – اجرامية. لكن افلام ومسلسلات العنف تحتاج الى وعي فني – اجتماعي يضع علاقة (الاحساس الاخلاقي) بــ(سيادة القانون) في موضع صحيح ودقيق . لا ننسى، في هذا الصدد، ان الكثير من البحوث العلمية والسيكولوجية في هولندا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تظهر ان (العنف التلفزيوني) يعلـّم نمطاً من السلوك العدواني، ويقلل حساسية الناس، ويعوّدهم عليه، كما يقول الباحث الأمريكي البرت باندورا في كتابه (الآليات النفسية للعدوان). أنا شخصياً لست مع رأي باندورا مؤكداً ان محاولة فارس طعمة في المسلسل التلفزيوني ( البنفسج الاحمر) كانت نموذج (النوايا الطيبة) في محاولة الكشف والمعالجة لما يجري في مجتمعنا. لكن هل تكفي النوايا الطيبة وحدها ان تقدم عملاً فنياً تلفزيونياً بثلاثين حلقة قادراً على إدانة بعض الافعال ،السادية العنيفة، في المجتمع، بواسطة عرض حركة شخصيات غريبة التفكير والسلوك ، تتحرك في دراما تلفزيونية متسلسلة تدور بداخلها وحولها صراعات وتناقضات لا يوجد في مخيلتها غير (العنف) ومخططات الجرائم البشعة .
رغم اعتقادي أن أبطال مسلسل ومخرج (البنفسج الأحمر) هم من انشط الكوادر في النشاط التلفزيوني العراقي المعاصر، المتميزين بقوة الأداء الفني وبراعته ، لكنني وجدتهم في هذا العمل مرهقين، مضطربين، في عطائهم التمثيلي . ربما ، كما خيل لي، انهم لم يتدربوا بما يكفي على مناقشة واستيعاب سيناريو مكتوب عن (العنف) أو انهم لم يزنوا اشياء التصوير الفكري عن العنف بالوزن المطلوب فتركوا جانباً ضرورة فهم وادراك حقيقة العمل الفني عن (العنف) وخضعوا لشهوة الظهور المجرد، المتكرر، السريع، على الشاشة الصغيرة أو أنهم اختفوا وراء (سيناريو) غريزي ، بسيط التركيب، غير مدروس بعمق، ولم تكتمل عناصره. ربما يعرفون أو لا يعرفون أنهم وقعوا في حالة (اللاوعي) حين قرأوا السيناريو متصورين انهم بلغوا (الوعي). ربما يعرفون أنه مثقل بنقاط الضعف، لكنهم يشاركون فيه لمعالجةٍ ماديةٍ ، شخصية، ربما يكابدونها في حياة قاسية صعبة بسبب العطالة الفنية أو قلّة الأجور .
فطنتُ الى المخرج فارس طعمة صاحب الانتاجات التلفزيونية المعروفة في مجال الفن والجمال في عدد وافر من المسلسلات، التي سلكها ببواعث فنية صرف، وبقدرة من نوع عالٍ من الابداع والاجلال ، محاولا أن يحقق مشاهدة ممتعة وجدارة فنية، كما يكتب ويصرّح دائماً. لكن ابداعه التلفزيوني الأخير لم يخلو من أخطاء ونواقص لم أكن أتوقعها، بل حتى أوقع نفسه بنوع من الألوان الاخراجية الكئيبة، مع الأسف . لا أقول أن أخطاء المسلسل كانت بالمئات فأخفف الوقع لأقول أنها بالعشرات . الاخطاء بالعمل الفني ليس عيبا أو يمكن تلافيها دائماً، فكثير من افلام منتجة عن روايات أجاثا كريستي كانت موضع الانتقاد من المؤلفة نفسها.. كما أن الكثير من افلام شارلوك هولمز عانت من اخطاء ، بل حتى مخرج فيلم تايتانيك شخـّص بنفسه بعض أخطائه.
بصراحة أقول أنني وجدت المخرج فارس طعمة التميمي داخلَ كونٍ تلفزيونيٍ تتلاطم كل حلقة من حلقاته في خضم من مشاعر عنيفة، وعواطف مزيفة، و افكار متصارعة حول نهب(المال العام والخاص) عجزتْ كلها ان تكون فلسفة لعامة المشاهدين، لأنها كانت (ضد) كل القيم الإنسانية. اوقع نفسه وفنه في حالة من عدم ضبط النـَفـَس الفني من دون ان يتمعن جيدا بسيناريو كُتب عن (ممارسة العنف) ليظهرها (ممارسة اجتماعية) ومن دون أن يقوم المخرج انطلاقاً من وعيه الذاتي بأي عملية (ترميم) لسيناريو (ضعيف) ، بل لسيناريو (ساذج) في كثير من حلقاته، خصوصاً في الحلقات 28و29 و30 . مع الأسف ان المخرج فارس طعمة لم يستخدم فنونه الاخراجية في اعادة صياغة هكذا سيناريو كُتب بأخطاء اجتماعية وبوليسية وتلفزيونية مريرة . كانت أغلب مشاهد الحلقات لا تملك اية ثمرة سياسية او تجربة فنية ،لا في الخلق القصصي، ولا في الابداع السينمائي، مما عرّض شخصيات المسلسل كلها للسذاجة المهوّلة وإلاّ كيف لا يحيطون بأبسط المعلومات عن الخصائص الواضحة في التعامل مع ضباط كبار في وزارة الداخلية او مع نائب برلماني أو مع مجرمين محترفين مدانين اجتماعياً فاغلب ذلك التعامل كان (سطحياً) و(لاعقلانياً) ليس غير .
بدا واضحاً في كل حلقات المسلسل ان كاتبها اعتمد على كثير من المواد الجانبية التي تنشرها الصحف اليومية يستمدها ويستوحيها محاولاً أن يردّ اصولها الى شيء من (الخيال الواقعي) مما اضعف التناول الفني في كل البناء القصصي، الناقص في تكوينه النفسي والثقافي .لا أدري ربما البناء الدرامي المرتبك أوقع المخرج نفسه وجميع الممثلين بمقامرة تلفزيونية لا ضرورة لها، أهدرتْ جهداً ومالاً غزيرين.
بإمكاني القول أن مجمل إمكانيات (التعبير الفني) و(الحوار) بهذا المسلسل كانت مرتبكة ،لكن ليس بإمكاني الاحاطة بالمسئول عن هذا الارتباك: هل هو أسلوب المخرج فارس طعمة أم هو سيناريو الكاتب ناصر طه ..؟ . وجدتُ في نهاية المسلسل أن من المستحيل على أي مشاهد أن يمتلك (حاسة فنية) أو (وعياً درامياً) عن مسلسل ليس فيه مشاهد غبطة ،بل هو عالم يفيض بالعنف ،والقتل، والنصب ،والاحتيال، والخطف، والغدر، والانتقام . كل بطل من أبطال المسلسل يبحث عن مبرر قوي لمواقفه الطاعنة بالأخلاق الانسانية . ليس في هذا المسلسل أي بطل واعٍ او اي انسان إيجابي يبشر بفكرة جديدة او يدعو الى مجتمع جديد يسوده التفاهم، والأخوة ، والتقارب الانساني. هنا مسئولية كاتب السيناريو حتماً . في ما عدا رائد الشرطة (كريم) والمقدم ( سعد ) واللواء ( مصطفى ) فأننا نجد أغلب الشخصيات مستوحاة من عالم الجريمة وتتطلع الى اهداف مضادة لأهداف الانسان العراقي الاعتيادي، بما فيها شخصية العقيد عنان الموظف بمركز مهم في وزارة الداخلية ، لكن من دون ان يعرف المشاهدون مرجعيته الوظيفية ولا حتى لم نتعرف على اطار وظيفته وحجمها ومسئوليتها في وزارة ،مهمة ، مسئولة عن أمن الناس وحياتهم، لكنه في المسلسل ظهر لنا انه ينتمي لعالم الجريمة والميليشيا ، مما ادخل المشاهدين الى أنفاق القلق والتيه حين افقد السيناريو وحدة اناس المجتمع وتصرفهم في الحياة القلقة الصعبة.
لقد كنتُ اسأل نفسي طوال مشاهداتي لحلقات المسلسل: هل هؤلاء الاشخاص المتصارعين في أحداثه عراقيين حقاً..؟ هل يحدث كل هذا (العنف) في حياة العراقيين لأن اطار (العنف) تكوّن كما يريد كاتب المسلسل او مخرجه يعود الى واقع الحروب التي اشعلها ، في الماضي، صدام حسين فتتلمذ عليها الجنود المضطهدون في المعسكرات..؟ كنت أظن أن المخرج المثقف، البارع، فارس طعمة سيقدم إجابة واقعية، علمية، سيكولوجية ، معمقة. لكن خاب ظني منذ الحلقات الأولى. كان المفروض ان يثبت المخرج في مسلسله ان اصل (العنف) هو ا(لغضب) وان فصله هو (التطرف) في المواقف بل أن (العنف) هو قوة فعل يحرّك ردود فعل، ايضاً، تعبر عن استجابات ذاكرة عن احداث وقعت في الماضي.
ربما يكون من الصحيح جداً ان ممارسة العنف بعد عام 2003 كانت وثيقة الصلة بوقائع ونتائج حروب صدام حسين. لكن في اعتقادي أنه ليس هذا هو العامل الوحيد، بل هناك عوامل واسباب جديدة في مقدمتها انتشار الجشع الرأسمالي في مجتمعنا خلال السنوات العشرة الماضية وترسيخ اقدام الفاسدين في مؤسسات الدولة وبين دعاة التطرف الديني والمذهبي وفي تشتت العقل السياسي وفي الغلو العشائري والايديولوجي. كان المفروض ان يهتم كاتب المسلسل ومخرجه بهذا الجانب الواقعي وذلك من خلال العناية الدقيقة بتركيز (الحبكة الدرامية) على (الصدمة السيكولوجية) الناتجة عن حالتي الغضب والعنف وردود افعالهما العائلية والاجتماعية. .
البيئة الاولى الجديدة بعد عام 2003 هي بيئة الاحتلال الامريكي وأخطائه وممارساته الكثيرة ، التي حملت انطباعات مهدت الى تغيير نظرات الكثير من العراقيين الى الحياة الجديدة. كما أن هذه البيئة نفسها تغلـّب عليها الطابع الديني والعشائري، الحزبي والسياسي، وهو الطابع الذي تصدر الانتساب للسلطة الجديدة الناشئة بعد الاحتلال وبعد سقوط نظام دكتاتوري ساهم في انتشار المزاج الحساس، ومشاعر القلق الدائم ،وعدم الاستقرار، وطغيان الهجرة الى خارج الوطن، والهجرة الداخلية، بسبب العنف الطائفي 2006 -2009 ومن ثم عنف الميليشيا وآخرها عنف الدولة الاسلامية (داعش) المسيطرة على ربع مساحة العراق حالياً.
كل هذه الظروف وتفاصيلها اليومية اوجدت (بيئة مغلقة) لا تسمح ببناء مجتمع مدني، ونشر علاقات محبة، ومسالمة، وتوافق بين الناس، او على الاصح بين الطوائف المختلفة ، وبين العشائر المختلفة. هذا الواقع أوجد للعنف ملجأ وملاذاً وممارسة يومية يتناوب عليها أفراد او عصابات او ميليشيات طائفية.
كان تصوير مختلف أنواع (العنف) هو النشاط المركزي للمخرج فارس التميمي والمؤلف ناصر طه. يرسمانه للممثلين حكيم جاسم ومناضل داود بوصفهما من ضحايا حروب صدام حسين قبل عام 2003 كانا قد تكيفا ،سيكولوجياً وثقافياً، على أصوات المدافع والمورترز ورصاص القناص، مما جعل اعماقهما تتذكر مشاهد مريعة وجسديهما مشوهين متعفنين بتراب الحروب. كانت محاولة فنية جادة من داخل الوسط الفني العراقي لنبذ وإدانة تلك الحروب، التي حملت اسم قائد المجتمع ورئيس الدولة، وشجبها ، لكن من دون ضبط نتائجها على علاقة المواطنين مع المجتمع والدولة بعد عام 2003 . في الحالين كان بطلا المسلسل (حسن) و(جبار) يواجهان حساسية الاخلاقية العراقية ،التي جلبتها حالات (الرعب) و(الحرب) في الزمن الماضي ونتائجها على نزعتهما الاجرامية في الزمن الحاضر. هنا أراد ،الكاتب والمخرج، ان يفلسفا (العنف الفردي) و(العنف بالجملة) كنتيجة لرد فعل مشكلات المجتمع السابق ومواقف نظام الدولة السابقة.
ربما كان هذا الربط بين الافعال وردودها صحيحاً ،نسبياً. لكنهما اوضحاه بالمسلسل بحالة قاطعة من التلاؤم البنيوي المتلاصق من دون الارتباط بالوضع السياسي- الطائفي الحالي. بالأحرى انهما استخدما المؤثرات الفاعلة لبعض مظاهر الوضع الجديد بعد سقوط الدكتاتورية والصراعات الفوضوية بين المسئولين الحكوميين وبعض التجار و مطامع بعض النواب استخداماً مباشراً ، خاصة في ظل غياب (سلطة القانون) غياباً تاماً. حيث احتلت المشاهد والحلقات كافة، أفكاراً مطلقة تؤكد ان السلطة المسيطرة على بغداد ليست الحكومة ومؤسسات الدولة انما هي (سلطة العصابات).. سلطة عصابات الجريمة ، الفردية والمنظمة، بشكل اظهر انتشار وسعة الفاعلين والموالين والمناصرين لهذه العصابات ،في كل مكان من بغداد وكردستان، داخل أجهزة الدولة بما فيها وزارة الداخلية ،حتى صارت حروب هذه العصابات وريثة النظام السابق في نهب الثروة وصناعة الجريمة.
مع الأسف أن المخرج والمؤلف لم يفكرا في ايجاد اجابة اخرى عن اسباب العنف في سوريا وفي سيناء واليمن وفي ليبيا ومالي وفي احداث باريس وبلجيكا يوم 7 – 1 – 2015 هذه كلها اعمال عنيفة لم تأتِ من الحرب العراقية – الايرانية او من الحرب العراقية – الامريكية، بل هي أساساً من نتائج وافرازات التطرف الديني لدى منظمات واحزاب وميليشيا دينية ، محلية وعالمية، فقدت آلية التوازن العقائدي متجهة نحو (الغلو) في المواقف ومعاداة جميع اشكال التطور المدني والتكنولوجي في حياة الناس المعاصرين. هذا التوجه أوجد حالة من اخلاقية عنفية متباينة داخل المجتمع – اي مجتمع – ويمكن القول ان تطرف داعش وامثاله يثير الذعر الشديد في العواصم الاوربية ايضا كما كان اسبينوزا وهيجل قد افترضا على كل نوع من انواع التطرف الديني قبل قرنين من الزمان.
أعتقد أن أول شيء على مخططي انتاج مسلسل (البنفسج الاحمر) أن يكونوا شهوداً بفنهم التلفزيوني وان يكونوا رواد صحوة فكرية – تلفزيونية على واقع العنف في العراق من جميع جوانبه ومسبباته استنادا الى نظرة ديالكتيكية لمعرفة اصول وفصول انواع العنف المعادي للـ (المدنية) و(العقد الاجتماعي) . من تلك الأصول والفصول الواهمة جاءت اعمال العنف والوحشية والجشع والرعب والبغضاء والكراهية . لا بد لي من تذكيرهم ان ميزة الفن الأساسية هي استباق الحوادث بشيء من بعد النظر . أما الفن المعتمد على بشاعة اللفظ والجرائم فهو لا يثير الوعي عند المشاهدين ،بل يثير الاشمئزاز فقط.
من الواضح ان المؤلف لم يكن يريد مغادرة نفسه ورؤيته. لذلك كرر الافكار والاوضاع والطبائع في اغلب مشاهده المكتوبة ، مما املى – كما يبدو – على المخرج أيضا نفس الموقف، إذ راح فارس طعمة (يصوّر) اكثر مما (يطوّر) . لذلك فاته ان (الانسان المتطرف) اكبر مخرّب لنفسه اولاً، ولمجتمعه ثانيا . لم يبتدع الفنان فارس طعمة شيئا فنياً مميزاً بتجربته في هذا المسلسل كي يحمله قيمة جديدة في الدراما العراقية. كنت أظن أنه قادر حتما على ذلك حسبما راقبته في اعماله السابقة . اعتقد ان جهوده كانت محدودة لصقل سيناريو البنفسج الأحمر لكي يجعله اكثر إحكاما واقناعاً.
أقدّم له مثلاً واحداً: كانت هناك الممثلة بتول عزيز هي المرأة الوحيدة التي قامت بدور المرأة العراقية المدافعة عن الحقوق المدنية للإنسان العراقي، المطالب بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية . لكن بعد مشهد او مشهدين توقف دور هذه المرأة لانشغالها بأوضاع ابنها المصاب بطلق ناري وبأمور عائلية أخرى انتهت بطلاقها من زوجها العميد عدنان ، لكن لا المؤلف ولا المخرج، سمح لنفسه ان يجد امرأة بديلة لتعبر عن موقف النساء العراقيات في ميادين العمل في المجتمع المدني والثقافي والسياسي لإيصال صوت المرأة من قاعدة المجتمع الى قمته ، ومن اعماق الناس الى بصائر العالم المتنور، بل ضاع وقت المسلسل في سماع بعض النقاشات السطحية المملة لغالبية الممثلات في المسلسل. بذلك ضاعت الفرصة لمنتجيه ان يعرفوا ويتعرفوا على حاجات الناس العراقيين الحقيقية . بتول عزيز كان يمكن ان تكون شخصية رئيسية بالمسلسل لتمثل موقفا صلبا امام زوجها المتقلب الوجوه والذي تبين لاحقاً أنه من ممارسي العنف مستغلا وظيفته كعقيد شرطة بوزارة الداخلية. أخفق المسلسل في تجسيد الدور المطلوب من المرأة العراقية في الوضع الجديد خصصه المخرج للممثلة بتول عزيز لتكشف حقيقة اسباب عدم فهم زوجها لها وهو الذي لا يريد ان يساعدها بمشاركتها الايجابية في تحمل المسئولية الوطنية الملقاة عليها بفعل شخصيتها الواعية والانسانية، خاصة وان كاتب السيناريو لم يقدم في مسلسله غير المرأة الطيّعة، والمرأة الدمية ،والمرأة الجشعة، والمرأة المنافقة ، والمرأة اللعوب. بصراحة اقول ان هذا المسلسل أذنب بحق المرأة فقد كان المؤلف أولاً والمخرج ثانياً قد اتفقا ، من دون دراية، مع الذين ينكرون على المرأة حقوقها الاجتماعية والمدنية والسياسية، بينما كان عليهما ان يصورا المجال الخصيب في حياة المرأة بظل الحرية والديمقراطية ، الناشئتين بصعوبة بالغة في بلدنا حديثا، ، لتسهم هي ايضا في الصراع ضد (العنف) من خلال مشاركتها الجريئة الفاعلة في الصراع بين الحقيقة والزيف .
ان المخرج – كل مخرج – ينبغي ان لا يخضع الى الآلية الانتاجية فحسب لأن ذلك يؤدي الى فتوره في تقديم ابداع متميز. الفن التلفزيوني، هو بلا شك، فن المخرج في تقديم الذهول والانجذاب في عيون المشاهدين. كما تهيأ لي مراقبة تجارب الممثلين ايضا كانوا جميعا يتصارعون مع انفسهم امام الكاميرا عدا اغلب مشاهد حكيم جاسم ومناضل داود وبعض مشاهد اسيا كمال فقد كانوا متقنين. اما الممثلون الاخرون فلم يستطيعوا ان يتغلبوا على انفسهم رغم انهم جميعا يمتلكون مواهب وتجارب غزيرة مثل حسين عجاج وتمارا جمال وزهور علاء.
كنت اتوقع من موهبة المخرج فارس طعمة ان تنصرف الى معالجة مشاكل التصوير كي يفلح في تغطية شخصيته الابداعية على المسلسل كله بأصالة وبراعة . لاحظت ان تبسيط المشاكل في المسلسل أدّى الى تبسيط ادوار الممثلين ،ايضا ، فالطابع (البوليسي) في البنفسج الاحمر كان يتطلب من جميع الممثلين دوراً متقناً يعتمد على (اللغة الجسدية) وعلى (الفعل الجسدي) من اجل تحقيق النجاح لأدوارهم عن طريق بناء الشخصية من خلال مشاهد المسلسل، الذي لم أجد فيه تصرفاً على هذا المنوال الا عند حكيم جاسم ومناضل داود والى حد ما لدى اسيا كمال. اما اغلب الممثلين الآخرين فلم يكونوا قادرين على أداء ادوارهم رغم ملكيتهم لتجارب ناجحة في العديد من المسلسلات الاخرى حيث كانوا ، بهذا المسلسل، بعيدين عن استخدام المخيلة التمثيلية بصورة جدية ،موضوعية، في مجرى احداث المسلسل ليكونوا اكثر اقناعاً للمشاهدين، خاصة بالنسبة للوجوه الجديدة التي اظن انها لم تحصل على الحرية المطلوبة لتكشف عن مواهبها وامكانياتها الفنية .
ربما شبكة الاعلام العراقي قدرتْ قبل عرض المسلسل في 1 – 1 – 2015 ان المسلسل قد لا ينجح في الاقتراب من المشاهدين، لذلك قررت انفاق مبلغ يومي قدره خمسمائة الف دينار، كجائزة للمشاهدين في محاولة لشراء مشاهدتهم لهذا المسلسل. انها طريقة ساذجة جديدة للخروج على القدرة الفنية في اجتذاب المشاهدين لم يتعود عليها المشاهد العراقي او العربي. من يدري ربما تُفسر كمحاولة في التضليل على نقاط ضعف المسلسل..
ان عملية صنع مسلسل البنفسج الاحمر استند الى المدرسة الواقعية في السينما، لكنه وقع مع الاسف في نوع من اللخبطة الفنية المبهمة. التكنيك كان فيه ضعف واضح في مشاهد ومواقف كان فيه (الطلسم) بديلا (للحبكة) وكان القفز في مونتاج المشاهد قد جعل من احداث المسلسل يتصاعد او يتنازل حلزونيا ،خاصة مع كثرة استخدام اسلوب (الفلاش باك) الذي هدم بعضه العديد من مضامين وقوالب البناء الدرامي .
كنت اظن ان الفنان فارس طعمة سيعمد الى تنقيح أدواته ورؤيته في بعض انتاجاته السابقة، التي اجدها ،حقا وصدقاً، أنها اكثر كفاءة فنية من البنفسج الاحمر. لذلك في رأيي ان هذا المسلسل لم يستطع شق طريقه الى التاريخ الدرامي العراقي ،خاصة وانني لم اجد اي نسق او اضافة (مع) او (الى) اعماله السابقة .هذا المسلسل لم يكن قادراً على ان يكون (وثيقة) في تاريخ الدراما العراقية . كنت اعتقد من مشاهدة الحلقات الاولى للمسلسل ان ثقافة المخرج فارس طعمة ستدفعه الى التنبؤ بحياة جديدة النوع للشبان العراقيين في الوقت الحاضر بعد ان كان أقرانهم في العقود السابقة وقوداً لحروب صدام حسين او قابعين في سجونه، لكن ظلت الحلقات قاحلة او عاجزة عن كشف مهارات شبابنا، فقد تجولت مشاهد الحلقات في عرض بعض الغرائز الشبابية المركزة على الوسائل العدوانية السقيمة في نهب المال والعدوان على الناس.
المسلسل في نهاية المطاف أخذ المشاهدين الى مزيد من اعمال العنف والقتل والتدمير يقوم بها بعض ابطال المسلسل حتى صارت مشاهد القتل تتعاقب في الحلقة الاخيرة بلقطات لا تحمل طبيعة فنية – سينمائية متقدمة أو متطورة. من الصعب ان اقتنع أو اتخيل لقطة مقتل البطل الاخرس جبار التي تمت المراهنة على اغتياله من الشاب عصام (ابن رجل بهيمي التصرف وابن ام مهووسة بالمال).. تم الاغتيال في احد الشوارع العريضة بمحلة شعبية لكن من دون ان ينتعش هذا الشارع بحركة الناس ولا حتى بحركة سيارة او عربة او اطفال مدرسة .كان المشهد مجرد ارضاء للسيناريو حيث لم يسمع أحد صدى الاطلاقتين القاتلتين غير نجلة (زهور علاء) التي حولت دموعها الى ذروة من ذروات الحب والعشق لإعادة اذهان المواطنين الى روميو وجوليت او قيس وليلى..!
ملاحظة أخيرة عن تكنيك التصوير الذي كان ضعيفا بصورة غريبة. حركة الكاميرا المتكررة على بعض (أقدام) الممثلين كانت تقليداً بلا معنى. كما أن الكاميرا عجزت عن تصوير التعبير على (وجوه) الممثلين . اضافة الى ان الصورة التلفزيونية في هذا المسلسل كانت نزعة من نزعات الكاميرا السينمائية العراقية العادية في انتاج ستينات القرن الماضي حيث الصورة غير واضحة واللون الاسود كثيراً ما يؤطرها أو يفرض نفسه على بعض أجزاء المشهد المصور أو كله. كان محرك الكاميرا مفتوناً بتصوير عربدة الممثلين ،والمطاعم الفخمة، والشوارع الضخمة والسيارات الفارهة ،والبيوت الكبيرة، والموبايلات الحديثة. اما واجب المشاهدين فكان عليهم ان يصبروا صبر الكرام .
أرجو من المؤلف ناصر طه والمخرج فارس طعمة أن يسمحا لي بالقول ان عالم المسلسل لم يتغير خلال 30 حلقة. ربما التغير كان جزئيا في (الأشكال) وفي (المواقف الغريبة) وفي (الملابس الأنيقة) وفي (الصالات) و(السيارات) لكنه لم يتمكن من ان يذهلني – كمشاهد – او يفاجئني فكرياً في أي حلقة من حلقاته، بسبب اضطراب السيناريو اضطراباً كبيرًا وبسبب ان ادوار مخلوقات المسلسل لم تستطع غير ايقاع المشاهدين بمزيد من الحيرة والاستغراب والسذاجة في ما يقع من أحداث تلفزيونية تجريبية حرقت نفسها بنفسها قبل ان يحرقها رأي المشاهد .
لا بد من القول أخيرا أن اغلب مسلسلات قناة العراقية وأغلب انتاج شبكة الاعلام ، التي تستهدف محاربة العنف والجريمة لم تحقق الصدمة النفسية – الأخلاقية في مجتمع المشاهدين. هذا يجعلها بحاجة الى ضرورة تأمين سيناريوهات موثوق بها ،خاضعة لمراجعة واشراف اختصاصيين في علم النفس، كي تكون الدراما عنصراً مهما من عناصر استعادة الانسجام والتوازن بين المواطن المشاهد والمجتمع كله.