23 ديسمبر، 2024 10:09 ص

مسرحيون.. بلا مسارح ..!! 

مسرحيون.. بلا مسارح ..!! 

المسرح العراقي من اقدم الفعاليات الفنية في المنطقة العربية نتيجة الوعي الحضاري الذي يتمتع به المثقفون العراقيون من خلال التراكم المعرفي الذي يمتد الى الآف السنين..وكان له دورا كبيرا في تعميق الروح الوطنية والتبصير بالحقوق المشروعة حيث شكل اداة ثورية في كل عمليات التغيير التي حصلت في البلد .. وكادت لا تخلو محافظة أو مدينة من قاعة للمسرح حكومي أو اهلي.وكان هنالك اهتمام ملحوظ بالعمل المسرحي سواء على صعيد الحكومات أو الحركات السياسية أو النقابات او الافراد المتذوقين والمهتمين به فمن منا لايتذكر مسرحية النخلة والجيران و فلوس الدوه وترنيمة الكرسي الهزار وغيرهما. والمتتبع لتاريخ المسرح العراقي يرى بوضوع أن لبنات تأسيسه الأولى كانت رصينة وواعية وحريصة والقائمين عليه هدفهم الاسمى هو نشر الوعي الثقافي الفني الملتزم بعيدا عن الاسفاف والاستخاف بقيمته العليا.. وتشير الدراسات المختصة بتاريخ المسرح في العراق انه بدأت تظهر ملامح تشكل نتاجه كمنجز فني للمتلقي في اواخر القرن التاسع عشر ومن منطقة الموصل ( محافظة نينوى) حيث كانت الاديره المسيحية وعملية التواصل مع الآخر عن طريق الديانه المسيحية ففي البداية كانت مخطوطة حنا حبش 1880 النص الاول الغير مطبوع الذي يعد دراما اجتماعية اخلاقية متاثرة بالفكر المسرحي الفرنسي ، اما اول نص مسرحي مطبوع هو مسرحية نعوم فتح الله السحار ( لطيف وخوشابا /1893)، وجاء مؤلفون آخرون في الفتره التالية امثال يحي عبد الواحد وحنا رسام ويحى عبد الواحد تناولت نصوصهم الموضوع التاريخي ففي مسرحية عبد المجيد شوقي فتح عموريه، مثال للموضوع التاريخي..وفي سنة 1927 تشكلت الفرقة التمثيلية الوطنية، من خلال رائد المسرح العراقي الاستاذ حقي الشبلي كذلك للفترة من الاعوام (1927 ـ 1939)
تأسست بعض الفرق المسرحيه كـ(فرقة بابل للتمثيل ،والفرقة التمثيلية العربية، و جمعية انصار التمثيل) وظل هذا الامتداد في تصاعد في كل الازمنة بغض النظر عن ايدلوجية وشكل النظام السياسي . يتطور نحو الافضل والاحسن وشهد المسرح العراقي بروزا واسعا في عالم المسرح العربي والعالمي .. وايضا كان للمعاهد والكليات الفنية الدور المهم في تطوير وابراز وصقل المواهب المسرحية تمثيلا واخراجا وتأليفا فكانت تضخ دماء شابة متجددة واعية للعمل الفني في الساحة الفنية العراقية وحتى العربية والتي ساهمت في تأسيس خيرة الفرق المسرحية وعلى سبيل المثال فرقة 14 تموز والمسرح الفني الحديث ومنتدى المسرح اضافة الى الفرقة القومية للتمثيل .. كانت هنالك رعاية خاصة للمسرح والمسرحين رغم قلتها تشعر أن هنالك من يتابعك ويهتم بك اقل تقدير معنويا .. اضافة لوجود الجمهور المتذوق الذي يبحث عن العروض الهادفة الراقية.. ودخل القطاع الخاص في فترة من الفترات وبرزت ظاهرة المسرح التجاري أو بعبارة اخرى المسرح الذي يتعامل مع عبارة الجمهور عاوز كده .. لكن بقى المسرح العراقي الاصيل هو الرائد والمتصدر من خلال تجارب وعروض معهد الفنون الجميلة واكاديمية الفنون الجميلة وتلك العروض السنوية التي لاتنقطع حركة دؤبة ونشاط ملحوظ ..
بالرغم من مايسمى بفسحة الحرية التي حدثت بعد 2003 الا اننا لم نشهد تطورا نوعيا للمسرح فلازال بناء مسرح الرشيد محطما ومسرح بغداد تسكنه الفئران ومسارح السينما اصبحت محلات تجارية او مصارف تهدم كل شي رغم الوفرة المالية لكن هاجرت العقول الفنية المهمة بل همشت بشكل مقصود كما همشت الشخصيات المسرحية المعروفة . وضاع هذا التاريخ المسرحي المجيد بالرغم من جهاد المسرحين في أن يستمر ..فنحن الآن في بلد بلا بنى تحتية للمسرح . نحن مسرحيون بلا مسارح.