23 ديسمبر، 2024 10:24 ص

مسرحية كوليرا / غياب أم حضور؟

مسرحية كوليرا / غياب أم حضور؟

قراءة بنيوية تكوينية
للوهلة الأولى، تبدو مسرحية كوليرا لمؤلفها ومخرجها سعد هدابي صرخة بوجه السماء متهمة الخالق بالتخلي عن مخلوقاته. ولعل هذه الصرخة – إذاما سلمنا بوجهتها – كانت قديمة ابتدأها الينسينيون في القرن السادس عشر الميلادي حينما قالوا بتخلي الرب عن الخلق بعد يأسه من صلاح الإنسان. ثم إن لوسيان غولدمان قد اعتمد في القرن العشرين على فكر الينسينيين كمبدأ فكري من مبادئ البنيوية التوليدية (التكوينية) فضلاً عن اعتماده على أفكار لوكاش وباختين. وقد تمثل ذلك بعنوان كتابه: (الإله الخفي) الذي درس فيه تسع مسرحيات لراسين قارنها مع مقولات باسكال الفلسفية من حيث تراجيديا الرفض وثلاثية (الله ، الإنسان ، العالم). وقد توصل غولدمان إلى أن راسين وباسكال رافضان للعالم بسبب يأسهما من صلاحه الذي أدى إلى إختفاء الإله.

فهل قالت (كوليرا) ذلك أم أنها كانت تريد شيئاً آخر؟

في بداية الإجابة على هذا السؤال أود أن أشير إلى أن مسرحية (كوليرا) قلبت ما جاء في الموروث الديني والتاريخي عن أن المرأة جزء من الرجل، فقد ظهرت المرأة خالقاً والرجل مخلوقاً من طين علي هيئة زوجها الذي فقدته في إحدى الحروب، ثم نفخت فيه روحها. وهذا يدعونا إلى موضوع آخر هو تعلق المسرحية بفكرة الأم الإله.

أما من حيث رفض الإنسان للعالم فلم يكن بسبب تخلي الرب بل بسبب فساد العالم، حيث نجد أن المسرحية التزمت بحضور الإله فكرياً وفنياً؛ فالمرأة الإله حاضرة على مستوى السيناريو والحوار وحاضرة في فكر الإنسان. وهو في حالة صراع معها ليقنعها بعدم جدوى الخلق متمثلاً دور الملائكة في اعتراضهم على خلق الإنسان في الموروث الديني العالمي.

ثم إن طلب الإنسان للموت لم يكن بسبب غياب الرب بل بسبب مأساته هو التي أورثها له العالم الممزق، مما دعا الرب إلى أن يتوسل الإنسان ليبقي إنساناً: (ولك كافي).

لعل ما أراد سعد هدابي قوله هو أن انتحار الإنسان لم يكن بسبب غياب الرب بل بسبب حضوره السطحي الدائم في العقل الجمعي، ذلك الحضور الذي أدى إلى غياب حقيقته؛ لذلك أستطيع القول إن المسرحية سارت في خطين متوازيين، كان كل خط منهما معادلاً موضوعياً للأخر، هما الخط المحلي العراقي والخط العالمي.