اعادت فرقة مسرح أويت في 23 -09-2018، عرضها لمسرحية غسل العار ودرامِا العائلة. كان العرض في أحد مراكز الاحياء في مدينة لاهاي (دنهاخ) الهولندية. مركز الحي رغم حداثة البناء وجماله الا انه غير مزود بخشبة مسرح فهذا الامر خارج نطاق عمله، لذا
قدم العرض في احد القاعات العادية واضطر مؤلف العمل ومخرجه السيد ا”اكرم سليمان”، العراقي، من مواليد السلمانية، أن يناسب العمل مع الظرف المكاني، وذلك بحذف بعض إجزاء.
النص عبارة عن تسجيل لبعض يوميات الهولندين من اصول أجنبية في هولندا، والنص مكتوب بطريقة درامية محبوكة و مشوقة، يتخلله العزف والغناء وعرض الداتا شو. وتمثيل عدد من الممثلين من عدة بلدان: هولندا، العراق، سوريا، اوكرانيا.
تتناولت المسرحية الجرائم والعنف المترتبط بقضايا الشرف وغسل العار كما يطلق عليها، والتي تشهد اعدادها تزايداً واضحاً في السنوات الاخيرة. بشكل عام تشير الاحصائيات الى معدل 15 ضحية في السنة اضافة لما يقارب 500 بلاغ عن حالات كهذه، تتسم باللجوء
الى العنف ( قتل، إغتصاب، خطف، الاذاء أو الاضرار الجسدي ) في معالجة قضايا تمس “الشرف” في مجتمع مدني، حديث ومتطور كالمجتمع الهولندي، وهو امر غريب عليه. يشكل الهولنديون من اصول تركية، مغربية، عراقية، افغانية على التوالي اضافة لانحدارت
اخرى ولكن بدرجة اقل، اساساً لهذا الامر. هذا الامر يقلق الجهات الرسمية أو الشعبية.
يستند هذا النوع من المسرح الى النقاش المباشر مع الجمهور بعد أو خلال العرض، هو بذلك يستخدم المسرح لنقاش قضية حياتية محددة مأخودة من الحياة اليومية، بالتالي تسليط الضوء عليها من جوانب متعددة وربما تكون أو تبدو هذا القضايا او المشاكل عابرة
ومهملة في مجرى الحياة اليومية. هو مسرح يسعى لرفع وعي المشاهد. فالهدف محدد ومعروف ومدروس مسبقاً من جهات عديدة ومختصة، لكن الاهم في هذا العرض، اخرج الموضوع من الاطر المحددة والمغلقة لاسباب ثقافية أو دينية أو أجتماعية أو سياسية وغيرها،
وتحويله الى موضوع عام قابل للحديث والنقاش العام بدون ممنوعات.انه يسعى لرفع الحجر عنها،واغناها بالحياة من خلال تحويلها الى مادة قابلة للنقاش وبدن اشتراطات مسبقة.
في واقع العمل كان هناك مسرحين في صالة او مكان واحد ويمكن القول بوجود عرضين في ان واحد، ما يعرضه المؤلف والمخرج والممثلين وغيرهم من المساهمين بالعرض والذين سيكونون في مواجهة الجمهور، هذا العرض ، اعد له مسبقا، بشكل فني ومهني، وهناك
المسرح الثاني الذي يشكل الجمهور ادواته من تاليف واخراج وعرض وبشكل عفوي وهو مقابل لمسرح ووجوه فريق المسرح الاول. اهم رابط للمسرحين هو ليس الموضع بالدرجة الاساسية والذي هو معروف مسبقاً والكثير من الحضور لدية معلومات أو تصورات كافية أو
محدودة عنه ، ولا المخرج او المولف الذي انجز عمله في المسرح الاول. الرابط بين المسرحين هو من يدير النقاش مع الجمهور. والذي سيلعب دوراً بارزاً في تحويل الموضوع الى مادة للنقاش الحي.
أن هذا النوع من العرض ليس له نص محدد يقف عند ما يقدمه المولف وبقيه الفرقة. هذا العرض يتجدد نصه مع كل عرض فالمشاهد الذي سيتحول مع العرض الى مؤلف ومخرج ، يضف في كل مرة وفي كل عرض نصاً وافكاراً اخرى، يخرجها ويمثلها بطريقة طرحه
وبعفوية كاملة من خلال صوته أو حركة يده أو موقعه وغيرها. الحدود بين العرضين او عرض الجمهور المكمل للعرض المعد مسبقاً، غير محددة، لكن الاجابات او طرح التصورات والنقاش حول السؤال أو الاسئلة المطروحة هي التي ترسم الحدود، فانفتاح الجمهور
وحيوية نقاشه وانطلاقة من مواقع مختلفة حيث يجلس الجمهور والتي تسمح بحركة واسعة لمنظم ومحرك النقاش، هي التي ستعلب دوراً بارزاً في تحديد الحدود الهلامية والمتداخلة وبالعكس منه، فان إنكفاء النقاش ومحدودية المشاركة ستضيق الحواجز الفاصلة بين
العرضين أو العرض ونصة وتكملته.
هذه الطريقة تسمح للاخر وبالذات الفكرة أو السلوك وغيرها من المُختلف، أن يعرض نفسه بحرية ويسلط عليه الضوء، ذلك هو الاسهام الاول بان يتفهم الاخر طبيعة هذا الامر ومدى حجمه وطبيعة العوامل المتشابكة في خلقه وصيروته، كل ذلك يفتح المجال الى حللة
الامور ويفتح مسراب عديدة لتناوله وبطرق متنوعة للتاثير به. بنفس الوقت يسمح للجمهور باعتباره جزء من الهيئة الاجتماعية أو المجتمع كافراد او مؤسسات مجتمع مدني أن يمارس الرقابة الغير مباشرة على اداء مؤسسات الدولة، سواء في تصورتها أو في عدتها
للتعامل مع هذه الامور. هذا النوع من العروض يسعى للوصول تمازج للمجتمع باعتبارنا نعيش مع بعض وليس كتل تتواجد الى جنباً الى جنب. هذا يتطلب كل منا ان يكتشف معالم الاخر.
استخدم المؤلف والمخرج السيد “أكرم سلمان” والذي له خبرة في هذا النوع من العروض السينمائية، اللقاءات المسجلة والموثقة والتي تم اختيارها بشكل عشوائي ولنماذج متنوعة من المجتمع لطرح أرائها او تصوراتها عن الموضوع وبامكنة عامة، والذي تحدد بالاجابة على
أسئلة محددة، في كل مشهد كان هناك سؤال واحد فقط. لكي يبعد المشاهد عن صورة المقابلة الصحفية فقد عمد المخرج، الى اخفاء صاحب السؤال وترك المواطن يسرد رايه وتصوره بشكل عفوي. طبعا هي اراء متنوعة ومتناقضة كحياة وتصورات الناس ولا تلعب دورا بارزا
في توعية الناس ولكن ربما ستكون حافزاً للتفكير أو صاغة راي للمشاهد. زاوج ذلك بعرض مسرحي يترافق مع كل مشهد أو سؤال مطروح. قاما بهذا الدور الممثلة الاوكرانية ” كليانا كايسهكو”، والممثل العراقي “صالح حسن فارس”، اضافة للمثلة ” ايشا تيميرس”، هم
ممثلون محتروفون، ظهر ذلك بادائهم الجميل. كان التمثيل جميلاً، بسيطا، وعميقا في نفس الوقت. لم يستخدم في العرض اي اكسسوارات او ديكورات او مكياج، الممثل موجود في مكانه في حركة حرة وطبيعة وعفوية قبل او بعد اداء دوره، هذا ما يسهم في كسر الحدود
بين المسرحين والعرضين ويضفي اجواء الانسابية للحديث القادم للمشاهد، لذا تشهد ان المساهمة ستكون كبيرة وواسعة من الجمهور وكانه في تحدي اذا جاز التعبير لصياغة واخراج نصه.
أبتداء العرض باختراق المسرح وبحركة سريعة من الممثلة الاوكرانية بسؤال ( اريد حرية او مجال لكي اقول رائي ؟)، اعقبته بسؤال ملح يتردد وبشكل خاص، في مجتمع متعددة الثقافات أو مجتمع ثقافات الاقليات وهو “من اكون انا؟ ” بعدها استمع الجمهور الى لقاءات
مسجلة للاجابة عن سؤال محدد ( ما هو معنى الشرف ؟ ). بعد بعض المحفزات للنقاش، قادت السيدة كليانا كايسهكو النقاش مع الجمهور، وهنا كان روعة المسرح في تنوع الاراء وطريقة التناول والعرض وغيرها. على هذا المنوال سار العرض والذي استمر لمدة ساعة
مفعم بالحيوية.
في الختام قدم المثل القدير “صالح حسن فارس” مشهداً لشخص من عامة الناس يلعب مفهوم الشرف جزءا اساسيا من ثقافته وتكوينه ، بل هو احد مساعيه في الحياة. يكدح و يعمل بشرف ويساعد عائلته، التي زوجته من أمراءة بالطريقة التقليدية. حين تكون حفلة
العرس هي فرحة واحتفال للعائلة دون ان يلامسه داخليا ذلك الفرح. تتدخل العائلة لاحقا بالشكوك بسلوك زوجته ومطلبته بالطلاق او التخلص من العار الذي الحقتهم به ومعاناتهن. انه اصبح رجل بدون قيمة لان هناك شكوك حول زوجته حيث انها تخرج بدون علمه.
مشهد اخر لامراءة تترك البيت طلبا لامنها الشخصي او أمان اطفالها. ينتقل المخرج بعدها الى المقابلات السينمائية لياخذ رائ الناس في سؤال محدد هو ( هل تمتلك المراءة
جسدها؟ ) المقصود كما يبدوا هن النساء اللواتي لهن شريك.
يتطرق العرض في مشهد أخر الى قضية الوحدة التي تعانيها النساء الحديثات على المجتمع الهولندي ومخاوف الاختلاط والاندماج. سؤال اخر يتطرق عن عوامل التربية ودور المؤسسات والمجتمع والعائلة في تريبة الاطفال، وينتهي النقاس حول مفهوم دراما العائلة.
السرد في هذا العرض يتقاسمه ، اللقاء السينمائي وهو تسجيلي وتوثيقي، التمثيل ، الجمهور، النقاش. سعى المخرج الى تطريز العرض ببعض معزوفات العود. والتي لم يكن دورها بتقديري مقنن، لذا لم تسهم كثيرا في احياء المشاهد، ربما كان سبب ذلك افتقار الصالة الى
تقنيات العرض .
كي ياخذ عرضا كهذا فعاليته، لذا فهو بحاجة الى عرضه بلغات المهاجرين الاصلية، حيث الكثير منهم وخاصة القادمين الجدد، الذين لا يجيدوا اللغة الهولندية. ربما سكتسب العرض الوان اخرى لما يتطلب تغير في الممثلين للعرض. ملاحظة اخرى ارتسمت امامي مع
تقديري العالي لاداء الممثلة كليانا كايسهكو وقيامها بدور المحاور. فأن هذا الموضوع والاسئلة المثارة فيه، يتداخل فيه عوامل اقتصادية وثقافية ودينية واجتماعية. كلما كان المحاور يقف على قاعدة رصينة في هذا الجانب، كلما استطاع ان يغذي النقاش و يجذي شعلته
ويدفع بامواج النقاش المتلاطمة، باتجاه اغناءه.
ختم العرض بالعنوان الالكتروني للفرقة المسرحية للاضافات والاسئلة واتمنى عليهم ان يلخصوا نتائج ونقاشات كل عرض على صفحتم. لابد من الاشارة بان دائرة الصحة العامة في هولندا قامت بشراء هذا العمل، مما يشكل دعم مادي للعمل وامكانية عرضه الواسع. كل
الحب والامتنان لفرقة أويت ولعرضها المسرحي ونقاشاته الذي كان ممتعاً بكل جدارة.