23 ديسمبر، 2024 5:46 ص

تأليف : علي العبادي
الشخصيات:
الام:
الرجل:
تفتح الستارة … صالة في وسطها مهد وفي يسارها منضدة محاطة بكرسيين، وضع فوق المنضدة مجموعة من الورق.
(الأم تهز المهد) منذ سنوات وأنا أهز هذا الصندوق، تارة أراه مهداً وتارة نعشاً وتارة أخرى سراباً.
(الرجل جالس على الطاولة): وستهزين ما بقى من العمر.
الأم: أي عمر تتحدث عنه، ذلك الذي يتأرجح بين فكي الآه والولولة، ما جدوى أعمارنا التي تتناسل في مهب الريح؟
الرجل: أملنا بالقادم، عسى أن يكون أفضل.
الأم: اللعنة !
الرجل: على من؟
الأم: على ما يخبئه القادم.
الرجل: هذا المهد لابد أن يخرج من الدار؟
الأم: لا يمكن.
الرجل: لماذا؟
الأم: أحلامه، حرمانه، صرخاته، ضحكاته، تغوطه، كل ذلك أودعه في هذا المهد. الرجل: ألا حان الوقت لهذا الوجع المنفرد أن ينتهي؟
(الأم وهي تتأمل): حينما ولدته كان يرتل في صرخاته وبكائه.
(الرجل يكلم نفسه): يبدو أن المرأة على غير ما يرام … سأقول لكِ شيئاً.
الأم: ما جدوى أن تقول، قيل الكثير والكثير.
الرجل: إنها بشرى !
الأم: أخشى من تلك البشائر المجانية، التي دفعنا أعمارنا ثمناً لها.
الرجل: حقاً إنها بشرى.
الأم: قل ما هي؟
الرجل: يقال إن ولدك حي يرزق.
(الأم تتسمر في مكانها، لا تعرف ماذا تفعل تحاول أن تزغرد لكن تخنقها العبرة): كم أنا سافلة يا ولدي، أزغرد وترابك لم يجف بعد.
الرجل: بل زغردي، لأنه حي.
(الأم تركض باتجاه الرجل متوسلة إياه): أقسم عليك بكل مقدساتك وهذياناتك وحرمانك ووجعك أن تكون صادقا معي، وأن لا تكون هذه مزحة .
الرجل: أقسم لك بوجعك الأسطوري، إنه على قيد الانتظار.
الأم: انتظار من؟
الرجل: انتظاركِ أنتِ.
الأم: سأذهب له، أين هو؟ (تهم بالذهاب) .
(الرجل يبقى ساكناً).
الأم: لماذا لا تتحرك؟
الرجل: هو من سيأتي إليك.
الأم (فرحة): حقاً، أسأل الله أن يجعلني أقوى على لقائه ..متى متى سيأتي؟
الرجل: لا تكدّري أبنك بهذه الدموع، قال لي ذات يوم سآتي إلى أمي حينما أراها تغني وترقص فرحاً.
الأم: ألا بدَّ من جمعيهن؟
الرجل: نعم، هكذا يريد أن يراك.
الأم: لم أتعلم من الغناء سوى (الدللول) والعويل.
الرجل: حاولي.
الأم: سأحاول.
(الرجل يتحول إلى رجل دين، الام تحاول أن تغني).
الأم: تغني.
الرجل: أستغفر الله.
الأم: تستمر.
الرجل: العياذ بالله.
الأم: تستمر.
الرجل: ماذا تفعلين؟
الأم: أغني لولدي.
الرجل: حرام.
الأم: سأكتفي بسماع الموسيقى.
الرجل: حرام.
الأم: فقدتُ ولدي، هناك من قال لي: إنه مات، وهناك من قال لي: إنه حي يرزق ولا يرغب في مقابلتي إلا إذا نفذت ما يريده.
الرجل: و ما الذي يرده؟
الأم: أن أرقص وأغني.
(الرجل يقاطعها): العياذ بالله إنه فتى فاسق.
الأم (تصعق لما سمعت بحق ولدها): بل لأنه أنسان يؤمن أن الحياة جمال. أسألك ماذا قدمت لأبناء جلدتك في زحمة هذا الضياع، سوى أضاعتك للوقت في التسبيح، كيف تنام ونحن جياع إلى الفرح؟
الرجل: أخرسي يا امرأة.
الأم: ولماذا تريدني أن أكون شيطاناً أخرساً وأعوراً، وأقرب ما أكون إلى البهيمة. الرجل: أريدك أن تكوني أفضل مما أنتِ عليه.
الأم: كلما تصفحت وجوهكم أزداد استيائي وقلَّتْ شهيتي للإقبال على الحياة.
الرجل: إن العلماء ورثة الأنبياء.
الأم: في أي شيء ورثة، أصبح كل يغني على ليلاه، نحن موتى؛ لأنكم قتلتمونا بالسيف مرة وحاصرتمونا بالحياة مرة أخرى، وضعتم أحلامكم الشائكة في دروبنا. الرجل: هذا افتراء على رجال الله الصالحين.
الأم: أيها الطالحين ألا يستفزكم بكاء الأمهات الثكالى، وعويل الأطفال، واليتامى، ودموع المدن التي ضاقت أنفاسها، ومنها من لفظت أنفاسها الأخيرة، لماذا أصبحتم دمى؟ ما الذي راق لكم فيها؟
الرجل: اخرسي يا امرأة.
الأم: رتلت الوجع ترتيلاً حتى خرسْتُ، لكن لا يروق لي الخرس أمام دمى بشرية، سأغني.
(تغني لبعض الوقت) .
(يعودان كما كانا )
الأم: مجرد محاولة.
الرجل: لكنها جيدة .
الأم: أين هو؟
الرجل: سيأتي.
الأم: متى؟
الرجل: أكملي.
الأم: ماذا؟
الرجل: ما تبقى !
الأم: لا أعرف إلى الرقص سبيلا، هل بالإمكان أن ألطم.
الرجل: لا، حاولي.
الأم: سأحاول (ترقص) .
الرجل (يتحول الى متحفظ): ما هذا ؟
(الأم ترقص).
الرجل: يا له من جسد وقح!
(الأم ترقص).
الرجل: أنتِ ذات الساقين اللتين تتقافزان، على ماذا؟ تباً لك يا امرأة.
الأم: لماذا؟
الرجل: ماذا تفعلين؟
الأم: ما ترى!
الرجل: عهر.
الأم: عهر الأجساد خير من عهر العقول.
الرجل: تقولين هذا لأنك ناقصة عقل حالك حال كثيرات.
الأم: لماذا تنتمي إلى أمك التي خرجت من رحمها، وهي ناقصة عقل؟
(الرجل لا يجيب)
الأم: أحمد الله لم يهبني عقلاً كعقلك؛ لأني لا أحبذ الزينة.
الرجل: ماذا تقصدين؟
الأم: كن واحداً، ولو لمرة واحدة، ألا يكفيك تسكعاً في أتون الأقنعة.
الرجل: أرضى بعهرك لأكون واحداً، يا لي من بائس!
الأم: أنت بائس؛ لأنك لا تقوى على فعل ما تريد ولا تعرف ما تريد.
الرجل: لابد من قتلكِ.
الأم: كي تعيش أنت! أنت الذي كسب الرهان بالبقاء في عهر عقله، أنتفض كما الأحرار، مثلما انتفضتُ بجسدي من أجل ولدي.
الرجل: أتريديني أن أنتفض بصمت إزاء ترهاتك؟
الأم: أنتفض بالطريقة (الي تشوف بيه نفسك إنسان).
(يعودان كما كانا)
(الأم بحرقة): أستحلفك بالله متى يأتي؟
الرجل: ليس بعد.
الأم: لماذا؟
الرجل: لم يحن الوقت بعد.
(الأم بألم): غرسْتَ أحلاماً في أرض حرقتها شمس الانتظار.
(الرجل منكسراً): لا زلنا نتقاسم رغيف الضجيج انتظاراً.
الأم: إلى متى تبقى هذه البلاد ركاماً من الآمال.
الرجل: إلى ذلك الحين الذي نضع فيه عواطفنا المزيفة على المقصلة وننتصر.
الأم: إلى مَنْ ننتصر؟
الرجل: إلى كل شيء يستحق النصر إلى ولدكِ ودموعكِ ووجعكِ وضياعكِ.
الأم: كيف؟
(الرجل بصوت عالٍ): أن نقول.
الأم: ماذا؟
الرجل: أن نصرخ.
الأم: لماذا.
الرجل: نقول نصرخ كي نميط اللثام عن آهكِ.
الأم (وهي تبكي): لا أريد شيئاً سوى ولدي.
الرجل: إنه آتٍ إليك.
الأم: متى؟
الرجل: إنه آتٍ.
الأم: متى؟
الرجل: إنه آتٍ.
الأم: متى؟ … ومن أين سيأتي؟
الرجل: سيأتي من هنا (يشير إلى يسار المسرح) أو من هنا (يشير إلى يمين المسرح) أو من هنا (يشير إلى عمق المسرح).
(صمتت الأم)
الأم: لا شيء.
الرجل: من الذي قال؟
الأم: لوكان حياً لما تأخر على أمه.
الرجل: هو الذي قال إنه سيأتي.
(الأم تذهب إلى الطاولة من أجل قتل وقت الانتظار، تلعب بالورق، نصف الورق كتب عليه (حي) والنصف الآخر كتب عليه (ميت)، تبدأ بسحب أول ورقة، حي (ترمي الورقة على الطاولة) ميت (ترمي الورقة على الطاولة) حي (ترمي الورقة على الطاولة) ميت (ترمي الورقة على الطاولة) حي (ترمي الورقة على الطاولة) ميت (ترمي الورقة على الطاولة … حتى تصل الى أخر ورقة) ميت (تُذهَل… تحرك الورقة تسقط منها ورقة كانت لاصقة بها كتب عليها) حي (تُذهَل بفرح غامر وتركض باتجاهه وتقول له): إنه حي.
الرجل: هذا ما قلته لكِ.
الأم: إني فرحة، يا الله كم أنا سعيدة.
الرجل: سيكون ولدك أسعد حينما يراك سعيدة.
الأم: سأغني (تصمت وتتدارك الأمر) حرام.
الرجل: إلى متى؟
الام (وهي فرحة): سأرقص فرحاً (تصمت وتتدارك الامر) حرام.
الرجل: ألا يوجد انتهاء لصلاحية هذا المنتج.
الام (بألم): أبقى هكذا حزينة.
الرجل: حلال … أكثر من ثلاثين عاماً وأنت ترسمين ملامح حضارتك على جبين التأريخ الأخرق.
الأم: الانتظار يؤلمني كثيراً … لم تقل لي متى أخر مرة شاهدته.
(يهذيان فيما بينهما، ويتحركان في أرجاء المسرح)
الرجل: ذات يوم.
الأم: ذات يوم!
الرجل: ذات يوم.
الأم: ذات يوم!
الرجل: ذات يوم.
الأم: ذات يوم!
الرجل: ذات يوم.
(الرجل أثناء حركته يخرج من المسرح دون أن تراه الأم).
الأم (تفتقده لا تجد له أثراً، تتحرك في أرجاء المسرح باحثة عنه): أين أنت أيها الــ … أين ذهبت … رفقاً بي أين رحلت … لماذا تركتني؟ (تصمت لبرهة) ربما ثرثرتي المريرة أوجعته كثيراً وهرب وربما… لا على ما يبدو عليه أنه ولد ابن حلال… أيكون قد اغتيل، لكن بأي كاتم، كاتم صوت أم أنفاس؟ … حينما تبتهل دموعي في محراب مهجور لا يدخله الذي في جعبته بقايا سرور… (صمتت تفكر) ربما (تفكر) أو ربما (تفكر) أو ربما.
(يدخل الرجل حاملاً بسطال ولدها وهو كل ما تبقى منه)
(الأم تفزع لهول ما تشهد، تهجم على البسطال وتحضنه كطفل رضيع وتقبله تخنقها العبرة لكن لا تبكي، تضعه في المهد وتهزه).
الرجل: ذات يوم.
(الأم ترقص ومن ثم تعود تحضن البسطال).
الرجل: ذات يوم.
(الأم تغني جي مالي والي).
الرجل: ذات يوم.
(الأم تبكي).
الرجل: ذات يوم.
(الأم تضحك).
الرجل: ذات يوم.
(ينشب صراع بين الأم والرجل)
الأم: حلال.
الرجل: حرام.
الأم: حلال.
الرجل: حرام.
الأم: حلال.
الرجل: حرام، ذات يوم.
الأم: اليوم
الرجل: ذات يوم.
الأم: اليوم.
(الرجل ينتبه إلى ما تقوله الأم): ذات يوم.
(الأم تحاول أن تلبس بسطال ولدها): اليوم.
الرجل: ذات يوم.
الأم: اليوم.
(الرجل يُذهَل لما تفعله الأم): اليوم.
(الأم بعد أن انتهت من لبس البسطال ورتبت ملابسها وكأنها جندي، تهرول وورائها الرجل ويصرخان): اليوم ..اليوم .. اليوم .
انتهت 31/1/2015
ـــــــــــــــــــ

ملاحظة : لا يسمح بتقديم النص دون أذن مسبق من المؤلف .

الفيس الفيسبوك : علي العبادى
البريد الإلكتروني : [email protected]
رقم الهاتف : 009647809440251