23 ديسمبر، 2024 11:04 ص

مسرحية عربة السلام تقوم على اللمسات السريعة وتقترب من التفاصيل الواقعية

مسرحية عربة السلام تقوم على اللمسات السريعة وتقترب من التفاصيل الواقعية

مجموعة من عشاق المسرح المبدعين من الهواة والمحترفين ، والذين لم يصيبهم العجز لما يحيط من حولهم بسبب الاوضاع الاقتصاية المزرية ، وتردي الأوضاع الثقافية ،و إنتشار المظاهر الدينية لمعظم المؤسسات العربية ، من حسينيات وجوامع مزركشة باللطم والنواح طوال السنة ، جاءوا ليقدموا عملهم المسرحي الثاني المعنون ” عربة السلام ” بجهودهم الفردية بالرغم من  رعاية منتدى الرافدين للفنون والثقافة ، و لا شك أن كل من يُقدم على تقديم عمل مسرحي يجب أن نقدم له كل وسائل التشجيع والعون والمساعدة ، سواء  كانت مادية أو معنوية ، وخاصة من لدن المشتغلين في المسرح العراقي أوالمتابعين له والمهتمين  به،وذلك بسسبب التصحر المسرحي والفني العربي الذي يلفنا جميعا ً هنا في المهجرالأمريكي ،وهؤلاء الأخوة يقودهم الفنان العراقي المعروف بحبه لخشبة المسرح الاستاذ والفنان ” حيدر الشلال ” صاحب المسيرة المسرحية في تاريخه المشّرف على مسارح بغداد والمحافظات ، والذي عمل على تحريك المشهد المسرحي من خلال تجربته هذه ،رافضاً توقفهم و إبتعادهم بالرغم من معاناتهم الكبيرة، قائلاً : نحن قادرون على نشر الوعي بالجمال ، والحق والخير ، في هذا الإغتراب السمفوني الهائج والمحرك لشظايا القلوب الحائرة ، فيما حولهما من البشر ، فجاءوا بعربة السلام ليفتحوا العيون المغمضة في الحياة ،وأن السلم هو المطلب الأساسي الاول ، وهو الضرورة الإخلاقية ، وهو الذي يعيد التوازن للحياة ، ويرسم دعائم المحبة والتآخي والعيش المشترك الحر الكريم لكل البشرية دون تفريق ، هي دعوة منا كما يقول ” لإيقاف كل مايبرر الحروب بدوافع دينية ومذهبية وعرقية وعنصرية وغيرها ، فالشرعية للسلم وحده ،للتعايش السلمي ، والمحبة ، والخير ، والصلاح في عالم انساني ، وهذا ليس العمل الأول لمنتدى الرافدين سبق وأن إستضاف مسرحية ” فخرية هاي لايف ” وهي من تأليف وإخرج أكرم السبع ، ويأتي عملهم الثاني المعنون ” عربة السلام ”  الذي قدم قدم على خشبة مسرح ( فوردسون ) الكائنة في مدينة ديربورن  ،والعرض المذكور جاء بمثابة رسالة  بثت فيه روح المناشدة ” حيال ما أصاب عالمنا بمجمله  فالإنسان والبيئة في خطر كبير وعلينا جميعاً أن نوحد الصوت ،فدعونا نحلم وشاركونا الأمل ، في تأكيد فلسفته الأساسية في حالة الإنسان وافلاس جميع نظم الفكر المغلقة المتجهة والموصبة الى واجهة الحروب المعلنة وغير المعلنة ، وهو بدوره يوجه أسئلته المكتظة وما تزعمه من تقديم تفسير كلي للواقع ،محاولاً ترجمة فلسفته المعاصرة الى عمل درامي عبر مجموعة بصرية تخللتها مؤئرات صورية ،تنم عن وهج الاشتعال الذي يسري في عروقه الملتهبة من جراء  ما حل بالوطن  وما صاحبه من محنٍ ،وقطع الاطراف البشرية ، والدم المراق على أرض العراق ،ولكونه خارج من بلد الحروب والدم والموت الى الأرض الواسعة ظل يعارض مستمداً فلسفته ” البيكيتية ” الساخرة من تجار الحروب ، أخذ العرض المسرحي شكل أنساق مختلفة تمظهرت على شكل لوحات منفصلة كل واحدة لديها حبكة معينة بيد أن قاسمها المشترك ( الحرب )  التي أنتجت كل تلك المشكلات التي طرحتها كل لوحة ومن هذه اللوحات لوحة ( الإعاقة ) التي ظهرت بمدلولها الرمزي منطلقة من الحوار الذي جاء على لسان الممثل ( نحن وأنتم الوقود ) مخاطبا ً الجمهور مستخدما ً آلية خطاب المسرح الملحمي ( البرشتي ) القائم على كسر الجدار الرابع أو الإيهام عبر إشراك المتفرج في خطاب العرض ، ومما يلاحظ في لغة الحوار أنها إعتمدت على حالة السرد على لسان الرواة الذين هم شخصيات العمل مما أفقد في بعض المواضع حالة الصراع الدرامي الذي ينجم بالضرورة عن حالة التصادم ونقطة الصراع ظلت كامنة في فكرة ( الحرب ) التي تشظت بأشكالها المختلفة ، ومن اللوحات التي ظهرت على هذا النسق السردي ( لوحة العجوز ، المجانين ، الإغتراب والرسام ، المتسول ) وظهرت الوثيقة الفلمية في مستهل العرض بوصفها إحدى عناصر العرض التي حفزت حالة التداعي بفعل ما حملته من مضامين تمحورت حول ( الحرب والسلم ) والحرب ظهرت من خلال صور الدبابات والآليات الحربية ، وصور لرموز التحرر والإنعتاق منهم ( غاندي ، مارتن لوثر ، نيسلون مانديلا )  وزاوج المخرج عبر هذا الإستخدام بين ( الوثيقة والدراما ) ، ( الدوك دراما ) ، وهنا لابد من الإشارة أن المخرج والمؤلف الشلال عمد إلى  إجتراح  نسق مسرحي مهجن تداخلت فيه مختلف المدارس والإتجاهات المسرحية ، ومن نقاط التميز في هذا العرض هو المشهد الذي أداه أحد ( الأطفال ) الذي حمل رسالة السلام بأداء مسرحي عفوي طفولي الأمر الذي حاز على إعجاب الجمهور ، وأخذت الموسيقى والغناء حيزا ً كبيرا ً من فضاء العرض وقد تجلى ذلك بظهور الفنان رعد بركات على خشبة المسرح وهو يشدو للسلام ، وفيما يتعلق بالإستخدامات الإخراجية ،ما لفت الانتباه عدم إستغلال المخرج لفضاء الخشبة إستغلالا ً كاملا ً وحاول حصر إستخداماته في وسط ومقدمة المسرح دون إستغلال منطقة عمق المسرح ، وكذلك فيما يتعلق بتفعيل منظومة التأويل عبر الأشكال التجريدية الموجودة على خشبة المسرح كان من الممكن تفعيلها جماليا ً لتحقيق حالة التأويل وإنتاج معان ٍ جديدة إنطلاقا ً من أن المسرح هو إعادة اللحظات المتسامية في الحدث والزمان والمكان والتاريخ عبر مجمل عناصر العرض المرئية والسمعية بوصفها ديناميكية متفاعلة ، وفيما يتعلق بإضاء العرض كان من الممكن إستخدام البقع الضوئية لإحداث العزل المشهدي لتعزيز حالة الصراع الدرامي عبر الجو النفسي العام الذي يخلقه عالم الضوء وخصوصا ً في المشاهد الإنفرادية والثنائية مثل مشاهد المرأة ومشهد الرسام ومشاهد أخرى كانت بحاجة لإضاءة على طريقة ( سبوت لايت ) فضلا ً عن أن بعض المشاهد كانت بحاجة إلى الضغط والتكثيف لاسيما ونحن نعيش تجليات عصر العولمة والإختزال ، لان الفكرة واضحة وغير معقدة ، ويبقى عمل ( عربة السلام ) رسالة سلام وإدانة للحروب وإنتصار للإنسان و البيئة حاول القائمون عليها إيصالها عبر طقس مسرحي ، ونحن إذ نسلط الضوء على تلك العروض المسرحية الإغترابية نستغرب من بعض المحسوبين على حركة المسرح الإغترابي في ( ميشيغن ) أنهم غيارى إلى درجة النرجسية المقيتة لكن ما لا أعرفه هو معنى هذا الحقد في نفوس هؤلاء وكلما حاولنا تسليط الضوء بدافع التقويم والتطور كلما ووجهنا بحملات تجريحية بينما نحن جميعا ً نطمح لتقديم ما هو جيد ومتميز .