23 ديسمبر، 2024 1:32 ص

مسرحية شنكال و ميزة العرض التعبوي الملحمي

مسرحية شنكال و ميزة العرض التعبوي الملحمي

عرضت المسرحية على خشبة المسرح الوطني يومي الأربعاء و الخميس
30 – 31 / 8 / 2017 الساعة السابعة مساءا
من تأليف و اخراج عبد علي كعيد
و تمثيل
طه المشهداني جاسم محمد عمر ضياء الدين
سلوى الخياط شاهنده صفا نجم
عماد حسن صادق والي عقيل زاير
علي كاظم مكي كاظم سجاد حسين
محمد ابو العز كرار وصفي محمد لطيف
جهاد جاسم
يقدم العرض المسرحي ( شنكال ) () كما هو واضح من عنوانه ( و هو الأسم المقابل الكردي للأسم العربي سنجار ) احداثا وقعت فيها و تلك هي الأحداث المأساوية التي نتجت عن احتلال داعش لهذه المدينة المسالمة ، و العرض المسرحي يوظف قصصا متفرقة غير مترابطة الا من حيث الغاية منها ، و هي ( اثبات جرائم الاحتلال الداعشي التي اقترفها ضد سكان المدينة ) و اعادة تقديمها مثل سبي النساء و قتل العوائل و تهجير السكان ، و من هذه القصص : –
( ثلاث قصص متفرقة لثلاثة من النساء اللائي تم سبيهن ) و هن : –
أ – الأولى : التي فقدت ولدها و زوجها و مثلت الشخصية الممثلة ( شاهنده ) ()
ب- الثانية : التي فقدت زوجها و اخوته و مثلت الشخصية الممثلة ( صفا نجم ) ( )
ج – الثالثة فقدت عائلتها امها و اخوتها و مثلت الشخصية الممثلة ( سلوى الخياط ) ( )
جانب من شخصية الزوج الحبيب مع المرأة الثانية و مثل الشخصية الممثل ( طه المشهداني ) ( )
احداث يومية متفرقة مارسها الدواعش على السكان و كان ابطال هذه المشاهد الممثلان ( عمر ضياء الدين ) () و ( جاسم محمد ) ()
و بهذا نرى ان النص لا يعتمد على قصة واحدة بل هي عدة قصص بمثابة دورات ايهام صغيرة متتالية ( قصص صغيرة فردية غير مكتملة + مشاهد عامة كاريكاتيرية في سوق ، مدرسة ، مجالس سمر ) ليوظفها على نحو شعبي ملحمي ( ) ممزوج بمشاهد تداعي تعبيرية ( ) .
ويعتقد الكثيرون بضرورة توحيد المناهج الإخراجية في العرض المسرحي الواحد لاختلاف سرع الإيقاع بين المشاهد التعبيرية و الملحمية عموما مع ملاحظة ان المخرج ( بريشت ) () نفسه قدم التعبيرية في بعض مشاهد مسرحياته الملحمية الا انه يكسر ايهام تلك المشاهد دائما بفعل ( راوي او موسيقى ملحمية او اي فعل غير مألوف يكسر ايهام التلقي ) ، و يذكر انه ابتدأ تعبيريا . ثم ولج مسرحه التعليمي و اخيرا تطور كل ذلك الى الملحمية ، كما انه شكك في غاية كل ذلك في ايامه الأخيرة بعد ان كان ينادي بغاية تعليمية للمسرح و اعلن ضرورة ان يقدم المسرح المتعة ايضا قبل التشكيك بالمعلومات و اضافة المعرفة .
و من المهم التنبه في العروض الى وسائل العرض التي تلجأ الى تحويل النص ايقاعيا من حال الى حال ، مثل التعبيرية كأساس للنص ، يتحول الى الملحمية كأساس للعرض ، و كان هذا توجها صائبا في شنكال ( الذي يتضح جليا تحويل المخرج اجرائيا بين نصه كمؤلف من تعبيري تاريخي يخلو من الوسائل التسجيلية ( الوثائقية ) الى الملحمية الشعبية في نص المخرج ) فالقصة هي قصة لتحرير مدينة و احتلالها و معاناة اهلها وهي ملحمة مثالية من كل الوجوه ، بالإضافة الى الإمكانات العالية للممثلين في هذا العرض و قدراتهم على التحكم بعواطفهم على المسرح ما يجعل الدخول ايهاما و كسره الى الشخصية امرا متيسرا ، و هي ميزة في العروض الملحمية ، الا ان الأداء التعبيري الموفق لوحده يعد غير موفق في حال ربطه مع المشاهد الملحمية ، و السبب وجود اختلافات ايقاعية ما بين مشاهد التداعي الحزينة ذات الإيقاع البطيء و الملحمية في نص العرض ، التي جنحت الى جو الاحتفال سريع الإيقاع ما ولد فرقا في الإيقاع غطت عليه براعة الممثلين و حنكة المخرج في العرض .
و قد حاول المخرج في نصه تضمين العرض مشاهد فرجة مباشرة في كسر للجدار الرابع و حاول مخاطبة الجمهور في البداية بمشهد فرجوي احتفالي من نوع التمثيل داخل التمثيل ( و لم يستمر هذا الخط ، اذ استخدمه المخرج في المشهد الافتتاحي فقط و ابتدأ العرض بتحديد نقطة البداية على يد مجموعة تتحدث عن تقديم عرض و اعلان احدهم ( كيو ) التي يبتدأ تصوير السينما و التلفزيون بها و لا يعود بعدها الى هذا الأسلوب الفرجوي الاحتفالي حتى النهاية )
و جاءت المشاهد بعد لحظة البداية كالتالي : –
فور الولوج الى العرض نسمع صوت مذيع الغزو الداعشي يعلن عن احتلال داعش المناطق المقصودة مع الربط مع صراخ النساء و هو اختزال للزمن على المسرح كما نعلم و دخول الى الأحداث التي رافقت عملية الاحتلال ..
تدخل السبايا ( في اختزال اخر يشبه الأنسيرتات في السينما لاختزال الزمن مع تفسير الحالة المسرحية في دورات ايهام صغيرة كل شخصية نسائية من السبايا تتحدث عن حالتها و هن ثلاثة كما اسلفت
مشهد تعبيري حركي يعبر عن عملية السبي و الاغتصاب
مشهد المدرسة التي يعلم فيها الدواعش افكارهم للعامة و هو مشهد يوضح كيفية تعامل الفكر الداعشي مع الناس
مشهد بين الزوج و زوجته يتحدثان فيها عن حبهما و طريقة قتل الزوج و سبي الزوجة و هو مشهد تعبيري شاعري
ثم تعاد قصة سبيها ووقائعها في مشهد تعبيري يدخل فيه راقصون ليؤدوا حركات سحب كأنهم يصطادون النساء حتى تسقط ، و المشهد مشابه لعملية الاغتصاب التعبيرية الأولى ثم يأتي الإظلام
في المشهد التالي نسمع موسيقى راقصة و يدخل الممثلين يؤدون الدبكة الكردية كأنهم يعملون زفاف للعشاق و هي و حبيبها حاضران هو في الجانب و هي في الوسط و كان الدخول لموسيقى راقصة بعد موسيقى تعبيرية كسرا ايقاعيا جميلا اسس على تضاد صوتي سمعي ينبه الحواس و يجعلها تتنبه لتلقي العرض .
مشهد السوق الشعبي
مشهد فيه تتداعى ام الطفل في انتظار مولودها لترضعه لكنهم يمنعونه عنها ليمارسوا الجنس معها فيذبحونه و يطعموه لأمه في جريمة بشعة لا نهاية لها الا موت الأم على نحو تعبيري .
المشاهد الأخيرة و هي مشاهد عامة عن داعشي يكذب فيها على السكان المصدقين حول بطولاته الزائفة فيهرب حال وقوع القذائف لتتضح اكاذيبه مع اعلان سقوط الولايات المتلاحق .. و ينتهي العرض بالدبكة الكردية ذاتها و هي نهاية موفقة لنهاية احتلال و فرح الأهالي بالتحرير .
و خلال هذه المشاهد
استخدم العرض الرقص و ان لم يكن باحترافية لتفعيل الشعور بالاحتفال الذي يسمح بالتفاعل مع المتلقي و تلك كانت الغاية منه هنا ايضا عبر استخدام اسلوب سهل في الرقص هو ( الدبكة الكردية ) التي يفتتح بها العرض و تعاد في داخله
فسر العرض الجرائم على انها افعال غير بشرية عبر تشويه الشكل الإنساني للراقص بوضع قماش ابيض عليه ليمنحه شكل شبحي عند تصويره مشهد ملاحقة امرأة ليغتصبها ، ثم تتداعى هذه المرأة و تتحدث عن شعورها بالخزي و انسانيتها المجروحة من عملية الاستعباد و الاغتصاب المتلاحق لجسدها و انسانيتها ، ثم تعود هذه الأشباح لتتم عملية الاغتصاب ( الجريمة ) مرة اخرى
استعار العرض من الصوفية العزف على ( الطارات ) ، اننا نرى الشخصيتان الداعشيتان اللتان يؤديهما المبدعان ( جاسم محمد ) و ( عمر ضياء الدين ) تدخلان تضربان على ( الطارات ) ، ان استخدام العرض للأسلوب الساخر اضطره لاستعارة الغناء الإيقاعي بـ ( الطارات) من الدراويش و اغنية تهكمية جميلة ( عبوة + عبوة مفخخات ثلاثة .. الخ ) و هي تشير ايضا الى درس الرياضيات في واحدة من مدارس داعش ، ثم يدخلون الى درس الوطنية و التربية الإسلامية في نفس الفصل ، و هو يستخدم اسلوب الترديد لإشاعة الإيحاء بالصف المدرسي .
اعتمد العرض على استخدام الموسيقى كفاصل زمني ممتد ما بين المشاهد لأعلام المتلقي بمرور الزمن و تغير الحالة كما في حالة الكمان الكردي و الانتقال الى مشهد الحبيب ( طه المشهداني ) و حبيبته ( الفتاة ) حيث يظهر مرتديا اللون الأبيض للدلالة على الطهارة بسبب موته شهيدا مغدورا ، و قصتهما ( الحبيبين ) ان اهله قتلوا و زوجته و النساء تم سبيهن ثم يغتالوه بعد ان عاد الى المنزل راكضا . و بقيت جثته دون دفن و يتحدث عن روحه التي ترى القتلة يصرخون الله اكبر و هو يسرد قصة بأسلوب الأيام قصص متداخلة كأمثلة من ما حدث في ارض شنكال ثم ترقص رقصا تعبيريا على وقع انغام موسيقى مسموعة في التلفزيون كثيرا .
استعار العرض السوق الشعبية البغدادية و قدمها على انها سوق في سنجار في زمن داعش
باع بائع الكتب كتب عربية في سنجار التي يتخاطب سكانها بغير العربية
ما ان يدخل وكلاء داعش يخاف الناس فتراهم يعلنان بنفس الأسلوب ( الطارات ) و الغناء منع الدجاج المشوي و الماء البارد لأن الرسول لم يحبهما كذلك ثم تم منع الموسيقى ( التي يستخدماها في هذه اللحظة و هي مفارقة ) و في هذه الأثناء يغنيان مرتين الأولى ( كلب كلب ) و الثانية ( امس و اليوم ) و اخيرا يدخل احدهم ليعلن خبر سقوط الولاية الثالثة
استخدم العرض شكل العرض الملحمي الذي يحتوي على عدة قصص و عدة دورات ايهام تنتهي ما ان تتم تأثيرها و تربطها الفكرة ، بل يقدم القصص على اساس مفهوميتها ( ارتباطها بشنكال ) و بالتالي لا يوجد زمن معلوم الا ما يحدده المتلقي للحدث . و بالتالي يحدث الربط في عقل المتلقي .
ابتدأ العرض بأسلوب الفرجة ثم دخلنا في المشاهد مباشرة دون معين درامي الذي غادرنا مع الفرجة ، و كان العرض بحاجة الى معين درامي ( راوي مثلا ) كواحد من حلول العرض الملحمي
استخدم العرض مفردات كوميدية متداولة شعبية بغدادية او عربية عراقية عامة و لم يستخدم مفردات شنكالية او ما له علاقة بشنكال
كان للموسيقى التأثير النفسي على الحدث قبل الحدث نفسه و نجاحها في نقلنا الى الشمال حيث شنكال ( روحية سنجار المفقودة و التي حصلنا عليها من خلال الموسيقى و الدبكة الكردية و المشاهد التعبيرية المؤلمة )
و في التمثيل نرى ان الممثل ( طه المشهداني ) قد ازاح عن نبره صوته اي رنين ، و رفع كل الانفعالات التي تلتصق بالصوت .. و كان لا يندفع في التداعي و يؤدي بأداء بارد ان صحت التسمية . و لا يمد بالأسلوب المسرحي و هو يؤدي اداء ممثل قادر على السيطرة على حواسه و يسيطر على هدوءه الداخلي . و كان حضورا جيدا
اما الممثلان ( جاسم محمد ) و ( عمر ضياء الدين ) اللذين التقيا في عروض كثيرة من قبل معا ، فأنهما يجيدان الغناء و العزف على الآلات الموسيقية الإيقاعية و بعض الآلات الأخرى و هي ميزة وفق الى استخدامها المخرج عبد علي كعيد ، رغم تقديمهم سابقا في عروض اخرى لشخصيات تعزف الإيقاعات اثناء العرض .
ان الممثل ( جاسم محمد ) يمتلك حضورا على المسرح و قدره على التحكم بطبقات صوته ، الأمر الذي يمكنه من اقناع المتلقي بطريقة هادئة ، الأمر الذي يسمح له بضبط و شد الأيقاع ، و هو ممثل يمتلك ذهن حاضر على المسرح يسند المشهد دائما .
اما الممثل ( عمر ضياء الدين ) فيميل الى التمثيل التقديمي لكونه قادر على استخلاص الميزات الخارجية للشخصيات على نحو سريع ، و تلك هي من ميزات الممثل الملحمي ، و هو يمتلك القدرة على التمييز بين الحالات و المطاولة على المسرح و حسن التصرف ، كما يمتلك القدرة على التحكم الناتج عن الخبرة كونه طالب اكاديمي للمسرح ، و هو يحمل شهادة الماجستير في التمثيل .
و تعد الممثلة ( سلوى الخياط ) ممثلة جيدة تمتلك القدرة على التمثيل باللهجة المحلية و اللغة العربية الفصحى و هي ميزة بين الممثلات هذه الأيام ، كما تمتلك الثبات على المسرح الأمر الذي اهلها للفت الانتباه ما ندعوه بالحضور ايضا .
اما الممثلة ( شاهندة ) التي سجلت حضورا لافتا في هذا العرض و افصح عن امكانية كبيرة في الأداء اسندها شخصية مكتوبة على نحو جيد ( شخصية الأم ) ، الا انها تميزت بالبطء في اطلاق الحوار ، مع حضور لافت على المسرح .
كما تميزت الممثلة ( صفا نجم ) في ظهورها الأول على خشبة المسرح الوطني و تمكنت من تقاسم الحضور و المشهد مع الممثل ( طه المشهداني ) ، و تمكنا معا من تقديم مشهد جميل ما يوضح امكانياتها العالية .
اما باقي الممثلين فقد ساد على اداءهم الحضور الجماعي المساند للمشاهد الجماعية الشعبية ( المدرسة ، السوق ، جلسات السمر بين الرجال ) و تميز فيها الممثل ( علي كاظم ) بائع الكتب و الممثل ( صادق والي ) بائع اللفات و الممثل ( عماد حسن ) في المدرسة
و قد اتضحت على نحو جلي في هذا العرض امكانيات المخرج ( عبد علي كعيد ) () كمؤلف ايضا ، فمن الواضح انه وضع نصا مغايرا لنص العرض الذي اشتغل عليه في بداية تمارينه بسبب من التغييرات الطارئة التي واجهها ، و امتلك في البداية نصا مؤلفا على مستوى عال و بلغة لم نعهدها من الكاتب ( عبد علي كعيد ) و بلغة عربية فصيحة لها وقع شاعري منه هو الذي تعودنا فيه اجادته للنصوص التي تكتب باللهجة الدارجة و للمسرح الشعبي على وجه الخصوص ، و يعد ( كعيد ) احد المخرجين القلائل الذين يجيدون استغلال اخطاء الممثل خصوصا في المشاهد الجماعية و توظيفها في خدمة العرض المسرحي لذا فتعاونه في اعمال سابقة مع ممثلين غير معروفين ميزهم بسبب حسن توظيفه لهم ، و افصح هذا العرض عن جرأة في التحول في المعالجة ما بين المخطط الرئيسي على الورق و الواقع على الخشبة .

الاستنتاجات
تفتقر الدراما العراقية للطراز عادة فنرى انواع الدراما من المسرح الى التلفزيون يتحدثون بلهجة واحدة في اي رقعة من العراق و هذا خطأ بينما الفنان المصري مثلا يتحدث لهجات مختلقة حسب المناطق و الأمر يشبه ذلك في البناء المختلف ما بين منطقة و اخرى و شكل المنازل و الإيقاع العام و الموسيقى و الذوق العام انت تشعر بذلك .. انه الطراز
تفتقر الفرقة الوطنية للتمثيل الى الممثلات الشابات التي يوصى بتعينهن او التعاقد معهن
استخدم العرض مفردات كوميدية متداولة شعبية بغدادية في عرض جاد
يعد المخرج ( عبد علي كعيد ) احد المخرجين الذين يجيدون توظيف الممثلين المتفاوت اداءهم لينتج مسرحيات شعبية متميزة منهم