6 أبريل، 2024 7:10 م
Search
Close this search box.

مسرحية حائط المبكى نموذج لعروض المسرح العراقي عام 2015

Facebook
Twitter
LinkedIn

تعاني العروض المسرحية من قلة في الكتابة النقدية ، فبعض العروض تنتهي ما ان ينتهي العرض و لا تحظى بالكتابة عنها ، و اصبحت هذه الحالة ظاهرة لدرجة يمكن القول اننا صرنا بلا نقاد تقريبا اما العروض الأخرى التي يكتب عنها فيكتب عنها صحفيون في ما يشبه النقد و هو اقرب الى التغطية من النقد ، و في تلك الكتابة الكثير من المجاملة و الحصيلة هي اللافائدة من الكتابة لذا فالنقاد و ان وجدوا فهم لا يكتبون و طبعا كل له اسبابه و نفسه يديرها كما يشاء . و لأنني لست ناقدا ايضا ، و لأنني عشت في المسرح و درست فيه ، فأن الخوض في غمار تحليل العروض المسرحية يخدم نقدها حتما خصوصا اذا جاء من مختص ، و اعتقد جازما ان الكتابة و افتراش الأفكار عن العروض تلك التي لا تشبه النقد بأي حال من الأحوال تعادل الفائدة المرجوة منه ، نظرا لأنها تصب في مصلحة العمل و بهذا يتحول ما اكتبه الى مقال او تحليل عن العمل دون ان يكون نقدا و لكنه يصب فيه ايضا .

اذن نتفق ان الساحة المسرحية الرسمية تعاني اليوم من قلة العروض المسرحية و يصل الأمر حد الأنتظار لفترة طويلة للحصول على مشاهدة عرض مسرحي . و السبب واضح فالعروض لا تحظى بالدعم المادي و لا يتوفر لها الأنتاج ، و هي قضية عامة انتجتها فكرة التقشف ، مع الأشارة ايضا الى قوانين التمويل الذاتي التي تحتاج الى ظروف وطنية مستقرة و بالتالي صار المسرح محاصر بقوانين ستدمره عاجلا ام اجلا ، المهم صرنا ننتظر طويلا لنشاهد المسرح و هذا العرض المسرحي هو احد تلك العروض القليلة .. مسرحية ( حائط المبكى ) للمخرج المعد ( مهران عبد الجبار ) عن مسرحية ( انسوا هيروسترات ) للكاتب الروسي ( غريغوري غورين ) .. مسرحية عرضت مؤخرا على قاعة المسرح الوطني .

يدور النص الأصلي في حدود عام 356 ق م (1) في زمن الأغريق حسب ملاحظات الكاتب ( غريغوري غورين) * في النص الأصلي ، و فيه يقوم تاجر سمك سوقي يدعى (هيروسترات) بأحراق معبد ارتميدا ( ارتميس ) * الذي يعتبر احد اهم رموز الديانة الوثنية لدى الأغريق و سكان

(اسيا الصغرى) * و الذي يقع في مدينة (ايفيس) * الأغريقية ، فيقرر قاضي المدينة كليون القاء القبض عليه و الحكم عليه بالأعدام و النص الأصلي يعرض للفساد الذي ينخر الدولة و لا يسمح للعدل بأن يأخذ مجراه ، فالقوة و المال تصبح تحت تصرف المتهم ، عن طريق اتصاله من سجنه و بيعه بطريقة ذكية مذكراته لمرابي يدعى ( كريسيب ) ، و هكذا صار يرمي الفتات و يلتقطه سكان المدينة املا في السيطرة عليها ، حتى عمت الفوضى في المدينة ..

و في البداية نفهم ان ( هيروسترات) يهدف الى الخلود جراء حرقه للمعبد ، و حفر اسمه في التاريخ حتى لو كانت النتيجة الموت .. و لكن نكتشف ان هذا التاجر يحلم جراء حرقه المعبد بصدم الناس و امتلاك السلطة و الحكم معا .. لكنه هو الذي يتمكن من سجنه من جلب المرابي و التعاون معه ، و الأميرة ( كليمنتينا ) ابنة الملك من اجل تخليد جمالها و اسمها كأجمل امرأة في التاريخ ، و استمالة شعراء المدينة و السكارى فيها اليه ، يقتله القاضي كليون قبل ان يتم خطته ، في اشارة لتحقق العدالة ، و بعد كل هذا تأتي المفارقة عبر اصدار حكم بحقه بعد موته ، بوجوب نسيانه و منع و تحريم ذكره ، عبرالأهمال و النسيان فهل سيفلح هذا الأمر ، و من هنا جاء اسم النص الأصلي ( انسوا هيروسترات )

و قد تأسس نص العرض على نبوءة افترضها المعد الفنان ( مهران عبد الجبار ) بحدوث حرب تقسم العالم عام 2022 وردت جزء منها على شكل خبر تذكره مذيعة اخبار على واحدة من القنوات تقول : ان ارهابيا اسرائيليا يهوديا من اصول عربية قد قام بتفجير حائط المبكى و بطريقة ما ، لم يتفجر المسجد الأقصى ، و نفهم ضمنيا ان القدر شاء ان يبقى المسجد الأقصى سالما في اشارة الى كونه اسلاميا ، بينما دمر حائط المبكى لأنه يهودي و بهذا فأن الحدث يصلنا خبرا وهو اول علامات التلقي معادلا حرق المعبد في النص الأصلي ثم يقدم لنا فيلما عن عملية التفجير .. ان الأشارة القدرية الدينية جاءت واقعية حديثة بسبب تقديمها خبرا و هذا هو شكلها ، اما المضمون الغريب هو الفرضية ( الحدث ) في الزمن الى الأمام ( تفجير حائط المبكى ) و لا نبقى هناك في ( المستقبل ) رغم ان المشكلة تبقى في الحاضر( القضية الفلسطينية ) فعلا بلا علاج و هي ، المشكلة التي لها جذور في التاريخ الحديث . و على هذا الأساس فأننا امام مدخلين الأول مستقبلي اكثر حداثة و فيه عملية تغيير شكلي نظرا للطراز المستقبلي الذي لا يملئه الا الخيال ، و الثاني مطلق ديني و يحتوي مزيجا من الأنثروبولوجيا و الميثولوجيا ، و هما مدخلين يشكلان افق التوقع في التلقي . ثم يأتي الأظلام .و من هذا التوقف بالذات ينتظر المتلقي عرضا يدخله في احد المدخلين اما المستقبلي او المطلق لكن المعد و المخرج الفنان ( مهران عبد الجبار ) يختار طريقا ثالثا هو

منطق الواقع و لا يكسره الا في الربع الأخير و بشكل مفاجيء عبر دخول مجموعة من المؤدين الى المسرح ، و قد توظيفهم بوصفهم رأي عام اسرائيلي متشدد ، و كان هذا كسرا جيدا الا انه جاء متأخرا ، سمح للعارف او القاريء للنص الأصلي خصوصا بعد خبر المذيعة الأول الى ان يعي ان ( هيروسترات ) سائر الى حتفه تماما كما يعرف ، و السبب هو نقل النص من اطاره الكلاسيكي الى اطار واقعي معاصر دون امرار تعديلات جذرية على الحوار ، كما ان المخرج المعد يدخل من باب ( غريغوري غورين ) نفسه ، السجن ، حيث يسجن المتهم ( هيروسترات ) الفنان ( طه المشهداني ) ، و نجده مستلقيا على منضدة هي نفسها سريره تتوسط المسرح ، يهدد ( هيروسترات ) السجان الفنان ( احسان هاني ) بقوله : اياك ان تلمسني . فيرد السجان بأزدراء .. تفخخ بيت الرب و تقول انسان ؟ و هي اشارة واضحة بأنه ليس سجينا عاديا ويمكن ان يكون مصيره مختلفا .

ان اساس عملية الأعداد في نص العرض اعتمدت على نقل بيئة النص من عمق التاريخ و مدينة افسوس في اسيا الوسطى الى القدس في فلسطين ، و من زمن الأغريق الى زمن مستقبلي بروحية معاصرة و الشخصيات فيه تحولت من اغريقية الى اسرائيلية . و من تراتبية اجتماعية و سياسية اغريقية الى معاصرة مثل بنت الملك الى مذيعة ، و القاضي الى وزير و الملك الى رئيس وزراء ، و قد اعتمد اسلوب النص التقديمي بالمشهد الفرنسي بدخول شخصية و خروجها يبدأ المشهد على المسرح و ينتهي ، كما اعيد تكثيف و توجيه الحوار ليخدم القصة الجديدة التي تنتهي بقتل ( هيروسترات ) على يد ( كليون ) و هي النهاية ذاتها في النص الأصلي و لكن بوصفه هنا خطر محدق بأسرائيل و عدالتها التي تختلف عن عدالة السماء ايضا .

و قد تنافر المعنى المتحصل من الأضاءة الأرضية و المشهد الواقعي على المسرح من جهة ، و من جهة اخرى المنظر المغطى بأضاءة فيضية تارة زرقاء و تارة باللون الأصفر الطبيعي ، اما الموسيقى فقد اشركت في الحدث و لا علاقة لها احيانا به ، خصوصا خلال مشهد الفنانان ( طه المشهداني ) و ( احسان هاني ) اللذان يلعبان فيه الورق ، ، و هو مشهد يلعبان الورق للفوز بالحرية او اجزاء منها مثل فك قيود يد (هيروسترات ) و افاق اوسع و تتضح اطماعه اكثرعندما صار المتهم يفكر بها علنا فهو يطلب حضور ( كريسيب) المرابي ( رجل الأعمال ) ليبيعه خفايا عملية التفجير و جريمته و ليحصل لقاء ذلك على المال ، ان تحول المشهد الى اللامكان كان يمكن له اعطاء صفة الغرابة للحدث من خلال العزل و الغرابة في مساقط الأضاءة و الحاجة الى موسيقى ملحمية يمكنها تحويل التوليد بالمشاهد الى اسلوب اكثر جمالا ، وهنا يستغل (هيروسترات) حضور مذيعة قناة تلفزيونية الى سجنه ليعقد معها صفقة هي الأخرى و ليكسب الأعلام و المال من اجل بث رسالته الى الرأي العام و تؤدي شخصية مذيعة التلفزيون الفنانة ( ميلاد سري ) دور ( كليمنتينا ) في النص الأصلي ، و هكذا يتحدث ان المسيحية هنا ستنقسم قسمين بينهما حرب بين المسلمين و اليهود و هي اشارات للنبوءة الدينية التي تشير ضمنا الى ما يتجه اليه الشرق الأوسط خصوصا و من ثم العالم . و ان النبوءة تشير الى قتالا و حرب عالمية ستحدث هي الأكبر و ان الشرق الأسلامي سيعيش احداثا صاخبة قبل توحد المسلمين .. و ما دمنا لم نستخدم فرضية المستقبل شكلا فأن مضمون الفرضية انطلاقا من الحاضر صار ضعيفا و قد يموت . و العرض

يطلق هذا على لسان ( هيروسترات ) لا بوصفه نبيا بل محللا يخب الناس برأيه عبر لقاء تلفزيوني .. و هكذا يستمر العرض ، عبر الطريق الثالث الواقعي المعاصر .

لقد ادى الفنانان ( طه المشهداني ) و ( ميلاد سري ) في مشهدهما الأول ( عكس المشهد الثاني) اداءا شابه التلوين و مستوى من الأتقان الأيقاعي للسرد الصوتي ايضا فالفنان ( طه المشهداني ) يلون على نحو ايقاعي في اسلوب استخدامه للحوار و تتمكن الفنانة ( ميلاد سري ) من فرض حضورها في اشارة الى تقاربهما حد احتمال عقد صفقة و مع طلب الفنان ( طه المشهداني ) الغاء التصوير بوصف حدث المشهد هو تصوير لبرنامج تلفزيوني ينتهي المشهد . ثم يدخل كليون الفنان ( حيدر الكناني ) و هو مشروع ممثل جيد و يحسب للمخرج الذي قدمه في شخصية على المسرح بهذا الحجم او على الأقل فأنني كأحد المشاهدين الذين لم يروه من قبل على هذا النحو حيث استطاع هذا الممثل التروي في اداءه اعتمادا على معطيات الشخصية ، و تقديم شخصية متوازنة ، مستغلا الثبات و الفخر الذين يميزان رجال العدالة المؤمنين بقضية ما ، و سرعان ما يغادر لتعود المراسلة الصحفية الفنانة ( ميلاد سري ) و تتم لقاءها التلفزيوني . و ينتهي المشهد بعرض فيلم منعكس على شاشة عن الماسونية ، نفهم منه و من الحوار المتداول ان الماسونية اليهودية بوصفها الخطر الأكبر و الصانع الحقيقي لصراع الأديان العالمي ، تقود العالم للوصول الى حرب كبرى تنهي صفحة الأسلام اما القدر فله رأي اخر حيث ستساعد الظروف المسلمين في حربهم هذه و سينقسم العالم المسيحي بين مؤيد و معارض .. و هكذا هي نبوءة العرض ، ان اسرائيل ستدمر نفسها من داخلها حتما .

و توضح المشاهد ان اسلوب اداء الممثلين اذن هو مزيج من الكلاسيكية و الواقعية النفسية و رغم ان النتيجة الحتمية لهذا الأسلوب هو سيادة السرد و الحوار نسبيا و هو ما يغيب الجانب الجمالي البصري بشكل لا يقبل الشك الا انه وفر غطاءا للممثلين بأن سمح لهم توظيف قدراتهم عبر التداعي من قبل شخصية ( هيروسترات ) الأكثر تأثيرا و الشخصيات الأخرى عبر تداخلها معه ، و لا اشير هنا الى مستوى مذهل الا ان العرض قدم جانبا جيدا ، هو اظهار لممثلين اجادوا على المسرح في الوقت الذي لم تسلط الأضواء عليهم على هذا النحو .. كما يشير ايضا الى ان العرض قدم وجه جيد لأمكانية اظهار ممثلين الفرقة الوطنية بطريقة مغايرة افضل من المعتاد ، و لا يحتاج بعضهم الا الى الفرصة . و رغم انني لن اعرض الى المساوئ في التمثيل الا ان احقاق الحق يؤكد ميل الميزان الى الجانب الأيجابي لديهم ، مثل الممثلين الفنان ( حيدر الكناني ) الذي مثل شخصية كليون ، و الفنان ( علي كاظم ) الذي مثل شخصية المرابي ( كريسيب ) الذي استفاد من حاجة الشخصية التي يؤديها الى النمطية الكوميدية و قد اداها بشكل جيد خصوصا تقارب البيئة و مواطنيها مع اشارة كريسيب المرابي كون اليهود من محبي المال ، و استحدث شخصية مثلها للفنان ( حميد عباس) تعادل السلطة العليا و الملك في النص الأصلي شخصية رئيس الوزراء الأسراثيلي . .. و قد قدم الثلاثة اداءا متميزا يمكن تصنيفه على انه اداء مدروس لشخصيات كلاسيكية قدمت على نحو معاصر ، ان ( حيدرالكناني) و (علي كاظم ) يستحقان فعلا الحصول على ادوار اكبر حجما مما قدماه نظرا لقدراتهم التي يمكن تطويرها ببساطة ، اما الفنان ( حميد عباس ) فقد قدم اداءا محايدا لممثل متمكن اصلا فلم ينجر الى الكلاسيكية في الأداء و حافظ على

هدوء الشخصية المتوقع خصوصا من خلال الأداء الذي يشير الى طباع الشخصية اليهودية الهادئة ، و ربما يتفق مع هذا الأداء اداء الفنان ( احسان هاني ) فهو يتمتع كممثل بعقلية تحليلية اصلا تقوده الى شخصياته التي يؤديها و قد كون شخصية هي خليط تتصف بالهدوء و الثقة مرتديا النظارات السوداء و اداء الحوارات من خلال التحكم بالصمت و استخدام الحواس للتأثير بالأخرين بوصفه رجل امن معاصرا .

اما الفنانة ( ميلاد سري ) بحضورها المعتاد القوي ، فقد عبرت عن قدرة تمتلكها للسيطرة على حواسها بالأشارة الى الأغراء دون ان تبتذل ، و اداء دور ثقافة الأنثى التي تمتلكها شخصية عبر القدرة على استغلال هذه القوة متى شاءت .

و قدم الفنان ( طه المشهداني ) نفسه كممثل قادر على مسك العرض كونه العمود الفقري للعرض فهو لم يغادر المسرح و كان مميزا في توزيع الجهد بما يتناسب و احتياجات كل مشهد ، شخصية كـ ( هيروسترات) مركبة نرجسية تجمع حب النفس و تقديرها ترتكب الحماقات و تبرر افعالها للعامة بطريقة غير متوقعة مما يخلق فراغا بسبب الجدل الذي يتركه لكنه في النص الجديد .. شخصية راديكالية تحمل قضية تناضل من اجلها اكثر شبها بـ (جيفارا ) من (هيروسترات) الموجود في النص الأصلي و قد ارتدى الفنان ( طه المشهداني ) زي المحكوم بالأعدام الأحمر و هي النتيجة الحتمية لأحراق و تهديم المعبد او حائط المبكى ، ان هيروسترات هو الأنسان الذي يحاول التحكم بالظروف و القدر اللذان هما اقوى منه ، و هو شخصية مزيج من البرجماتية و الراديكالية ، سريعة التنفيذ الا ان وجوده صار خطرا على اسرائيل فيقتلونه .

و هنا ينبغي الأشارة الى مساويء الحوار الطويل الذي لا يتوافق مع الأضاءة الفيضية فالحوار الطويل هو حوار تداعي يحتاج الى العزل و التركيز و الأضاءة الفيضية كما نعلم ستعيق فهم تلقيه ، لأن الأضاءة تقطع العرض و تعيد مونتاج القصة ما يؤدي الى التركيز و الأضاءة الفيضية لا توفر ذلك ، كما ان تداعي الممثل على المسرح خصوصا مع المسرحيات الواقعية لا يتواءم مع التفخيم في الصوت لأن هذا سيؤدي الى الأيحاء بالكلاسيكية . و لا بد من الأشارة هنا الى ان تشابها شاب الأداء الرجالي خصوصا في الشخصيات الأمنية الفنانين ( حيدرالكناني ) و ( حميد عباس ) و ( احسان هاني) تشابها و لم تكن الشخصيات تتمتع بأختلافات ادائية ، و هذا الأمر لم يسمح لنا بالشعور بتضاد الشخصيات بوصفها اضداد تتجادل لتقدم لنا صراع الخير و الشر ..

و كان من الواضح ان العرض و المخرج الفنان ( مهران عبد الجبار) قدم احلاما في قاعة التمارين تنازل عنها عند انتقاله الى قاعة العرض ، بسبب ضيق الوقت المحدد له على الخشبة ، و تعد عملية الأنتقال من قاعة التمارين الى خشبة المسرح مشكلة حقيقية في المسارح الرسمية العراقية ، فعلى المخرج ان يعالج العرض مرتين الأولى عند تهيئة العرض للقبول امام اللجنة الفنية و يحاول فيه اقناع اللجنة بوجود عناصر فنية محملة داخل تجربة العرض و الثانية لتطويع التجربة نفسها مع امكانيات المسرح و هكذا يصطدم المخرج القادم من وقت مفتوح لأعداد العرض و من امان قاعة التمارين المبردة و التي تتمتع بكثير من الخصوصية الى قاعة العرض التي تمنح

للمخرج عادة ضمن مدة زمنية ضيقة ، فكيف اذا استخدم المسرح بشكل مزدوج بين عمليين فنيين ، ( كنت شخصيا قد عانيت من هذه الفكرة عندما حصلت على مسرح المنتدى ليومين او اكثر في مسرحيتي ( كوميديا الأيام السبعة ) من تأليف ( علي عبد النبي الزيدي ) بسبب تصوير مسلسل لقناة الشرقية فيه . ) و لن يسئل احد عن من انجز الديكور و كيف ؟ . او كيف ظهر العرض وكيف تم تطويعه على خشبة المسرح ضمن ايام قلائل ، ان ضيق الوقت هذا يؤدي الى دفع المخرج و فريق العمل المسرحي الى التنازل عن كل ما هو مكلف ماديا من جهة و ما يحتاج الى الزمن لأنجازه و ما لا يمكنهم انجازه ان ظلوا وحدهم بدون متخصص في اعمال الديكور ، و بالتالي كثير من الأحلام و الخيالات التي هي عمود الصورة المسرحية و نكهتها ستنتهي ، و هكذا سنكون امام سلسلة من العروض المسرحية التي تفتقر الى جمالياتها المصممة لها اساسا و التي ستكون بلا تنوع تحت سيطرة سرد الممثل للحوار و ستخسر كل العروض التي ستكون تحت الضغط تنوعها . و هكذا نتيجة للظروف الفنية الأنية في بغداد و ربما في العراق كله يحتاج العرض المسرحي ( العرض المسرحي الناجح ) اما الى مخرج خبير( مبدع ) يعيد ترتيب المرئي سلفا ضمن هذه الظروف و هذا ( عبقري ) يجيد ترتيب الأدوات المحدودة في كل مرة بشكل مختلف ، او الى مخرج محظوظ تساعده الصدفة على النجاح . وسط كل هذا لا ادعي قدرتي على تصنيف انتماء هذا العرض و جودته ، وهنا لا امتلك ايضا الا اعادة تهنئة المخرج و المعد ( مهران عبد الجبار ) ، و لكن يمكنني القول ان العرض افضى الى الأستنتاجات و الأقتراحات الأتية : –

1- ان الكتابة النقدية عن العروض المسرحية قليلة او معدومة و لا احد يتابع ذلك خصوصا للعروض الرسمية كون ان قسما للأعلام الرسمي يروج لها و يتابعها .نظرا لأهمية النقد .

2- ان المسرح في العراق ( و بغداد خصوصا ) سائر الى مشكلة حقيقية ( قد تقضي عليه ) خصوصا بسبب تأثيرات التقشف و قوانين التمويل الذاتي سيئة الصيت .

3- ان فرض وظيفة ( الدراماتورج ) على بعض العروض يخدمها كما هو حال مدير المسرح خصوصا من حملة الشهادات العليا من الموظفين .

4- ان الفرقة الوطنية للتمثيل تعاني من مشكلة عدم توزيع الجهد فبعض الممثلين يقدمون اغلب العروض و غالبية ممثليها غير معروف مستواهم الحقيقي .

5- يعاني المخرجين مشكلة في توظيف عروضهم ما بين قاعة التمارين و مشاكل المدة الزمنية الضيقة في قاعة العرض .

6- تشاهد اللجان الفنية العروض في قاعة التمارين بينما يفضل مشاهدتها قبل اضافات السينوغرافيا في قاعة العرض نفسها لضمان صحة نسب الحركة ، ووضح الفكرة .. الخ

7- يحتاج الممثلين خصوصا و باقي العاملين عموما الى ورش حقيقية لتطويرهم يديرها المبدعين ممن يتفق عليهم ، و حملة الشهادات العليا من الموظفين ، ممن حققوا الأمتياز في اختصاصاتهم الدراسية .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب