7 أبريل، 2024 6:09 ص
Search
Close this search box.

مسرحية الفصل الواحد حياة الخيوط الرفيعة

Facebook
Twitter
LinkedIn

المشهد الاول
( التعابير والامثال الشعبية العامة ليست حكرا على احد..احينا تصبح الخيوط الرفيعة اكثر متانة من الغليظة لانها تشكل الحد الفاصل الاخير بين الحياة او الموت او بين الامل اوالهزيمة والانكسار :يتأمل الشاب الطموح ابو الخيط : يعترض على البقاء وسط الاوضاع الفوضوية في بلده …يفكر كبقية الناس بالهجرة او الاستسلام والتعايش مع الامر الواقع..مراحل اتخاذ القرار ..خيوط رفيعة نازلة فوق رأسه)
الشاب (ابو الخيط):اشعر بدوار وصداع شديد …اشعر بحالة من الغثيان تنتابني فجأة… في مثل هذا الوقت..وقت القيلولة..
لقد تعبت من كثرة التفكير.
.لا اعرف الى اين اذهب..
ولا اقوى على عمل او فعل اي شيء…قدماي لاتساعداني على الخروج حتى الى الشارع او الذهاب الى وسط المدينة..فالمدينة كالمقبرة…
لا اعرف ماذا اصنع..
الفوضى في كل مكان…ثمة امر كبير يهز كياني كله..الاخلاق والدين…في بلادنا تغيرت كل المفاهيم والقناعات والعقائد..
الدين اصبح كالهواء في شبك
مجرد تجارة..بيع وشراء للفتن والدجل والنفاق.. واخذ ماينفع جيوب وعاظ السلاطين..
اما الاخلاق باتت كرجل عجوز او انسان مريض يستمد قوته من حقن المقويات…
لم اكن اعرف ان الحياة البسيطة اصبحت مستحيلة كالحياة المثالية ..وان الانسان الفاضل مهما عمل من خير او حصن نفسه من سهام جنود الشيطان سيبقى ضعيفا….
الكارثة اني لا اعرف طريقا اخر..
يمكن ان يساعدني للخروج من هذا المأزق …
اصبحت جميع الامور معقدة شائكة.. وشبه مغلقة…
الغرب لم يعد يقبل المهاجرين الجدد..
والوطن في حالة فوضى عارمة مفتوحة على كل الاحتمالات..
وانا بدون عمل..عاطل عن الحياة منذ مدة طويلة…
ولكنني امتلك شجاعة عدم القبول بالاستسلام..
اشعر بشجاعة وقوة داخلية..لازلت امتلك تلك الطاقة الشبابية الحية…ولكن حتما ليست كالسابق..هي في الحقيقة متباينة….تارة تتصاعد الى القمة
واحيان كثيرة تضمحل وتذوب ككرات الثلج..
ولكن لن ايأس
ولن استسلم
لا احب ولا اقبل الاستسلام
فأنا اعرف ان النهاية ستكون بين احتمالات التشرد والضياع اوالتسكع في الشوارع كمدمني المخدرات والخمور…
صحيح ان صدى التفكير بصوت عال بدأت تزعجني..
ولكنني دائما كنت اتفاعل مع الحياة بالحوار مع الاشباح بصوت عال….
فالناس متعبة وتكره الجلوس على مائدة الفلسفة
اوالتزود بزاد الثقافة والفكر..هذا هو عصر السرعة
لامجال ولاوقت للتأمل والتفكير..
عليك ان تتخذ القرار بسرعة حركة الحياة الالكترونية…
من لايلحق بقطار الحضارة اليوم كما يقولون لن يجد له مكانا في قطار الغد
سأجد ذلك الخيط الرفيع سأراه حتما…
سأتشبث به حتى النهاية
كي ارجع للحياة..
اعود للتفائل بالمستقبل…
للاماني والاحلام والامل…
لن ابقى اسير الفوضى….ولن ابقى في تلك الاوحال طويلا
سأجد ذلك الخيط الرفيع..وسأقطع بقية الخيوط….
حتما سأجد ذلك الخيط الرفيع..خيط الانقاذ من المهزلة…خيوطي اصبحت قليلة..
وهذا دليل على قرب اتخاذ القرار الحاسم…خيوط خيوط نازلة من السماء لكنها رفيعة لاتحملني…خيوط من عيون الشمس…رفيعة كالضوء الخافت وسط الظلام…لا شيء اخر غير تلك الخيوط…لا شيء وسط الضياع…لاشيء ابدا
انتهى المشهد الاول
************************************
الفصل الاول
المشهد الثاني:
(الشاب ابو الخيط: وسط فرحة سماع اخبار الهجرة الجماعية نحو اوربا.يحزم حقائبه من اجل الرحيل)
الشاب ،ابو الخيط:لامجال للتردد بعد اليوم..
لقد اتخذت القرار وانتهى الامر…
سأترك تلك الفوضى وارحل بعيدا…
صحيح اني لا اجيد السباحة
ولم ارى بحرا من قبل
الا انني مغامر…
منذ طفولتي اعيش حياة المغامرات..
الحروب والحصار والازمات السياسية
الدكتاتورية والبطالة والمشاكل الاجتماعية
حياة كلها مغامرات مرعبة….
لن يكون ركوب البحر مختلفا…
الحضارات انتقلت عبر البحار والمحيطات
ومن قبل كانت عبر الصحارى
وهي ايضا بحار رملية متحركة…
كانت قواربهم متهالكة يطلقون عليها سفن
وهي قوارب خشبية صغيرة..
اما اليوم فقد اختلفت الامور
وقراصنة التهريب لديهم سفن قوية وحديثة ومزودة بأحدث تقنيات التكنولوجيا والانقاذ…
فقد وصل الكثير من المهاجرين الى اوربا بأمان وقسم منهم اتصل بأهله..
صحيح ان قسم منهم اشتكى من الرحلة
وصعوب الهجرة واماكن ايواء المهاجرين
الا انهم يبالغون بالامر شعوبنا تحب المبالغة في كل شيء..وتريد كل شيء جاهز على طبق من ذهب..هؤلاء من قوم البطرانين سيتكيف هؤلاء ويندمجوا سريعا مع البيئة الجديدة فهم في بداية الطريق..
سمعت بعض الناس يقولون ان ابناءهم سعداء بالوطن الجديد…
التردد وكثرة التفكير لاتقدم حلولا واقعية..
بل تحطيم للارادة وللهمة والعزيمة.. وتضيف مزيد من المعاناة والانكسار..انا ارى ان الامور جيدة وتشجع على الرحيل…انا اعتقد ان اتخاذ القرار السريع احيانا يمكنه ان يكون منقذا من حالة الانهيار والجمود العقلي..
دع عنك قول البعض ان في كل الامور يجب ان يتريث الانسان العاقل كي لايخسر كثيرا..
ولكن هذا ان كنت تملك شيىا ثمينا اصلا..انا لا املك شيئا غير هذا الجسد وتلك الحقيبة الصغيرة
كل شيء اخر لايساوي عندي شيئا..
اقصد اشيائي الشخصية هي كالعدم
ليس لها ثمن يذكر…
الانسان بما يملك
وليس بما يملكه الاخرون…
الهجرة اخر واصعب واعقد وامر واتعس وابشع القرارات التي يمكن ان نتخذها…
ولكنها حلا مقبولا عند الضرورة ….تبقى اخر الحلول ولكن..اه من لكن ولو واو واخواتها التعجيزية
..ففي بلادي لاتوجد حلول
توجد
حياة الامر الواقع..
وهذا الامر لم يعد عندي اية طاقة لتحمله..
ولا املك قوة لتغييره..
ولايوجد من يتعاون لتغييره..انه اليأس الكبير
اذا ماهذا الاصرار على البقاء في دوامته المتعبة تلك…اخرج منها بسرعة الى الحرية..الى الامل..حياة الرفاهية والقوانين والنظام والمجتمع المسالم.
.الى المدنية والحضارة والرقي الانساني.
..كفى هزائم وتراجع وفشل..
اخرج لتصنع لنفسك لذاتك لمستقبلك ومستقبل ابداعاتك الفكرية والادبية شيئا..دعهم يسخرون منك ..لاتسمع من الفاشلين غير كلام الاحباط…لا اخجل من اطلاقهم تسمية ابو الخيط…..اليوم بات الجميع يردد ان الطموح.. الامل قد يأتي من التمسك بالخيط الرفيع
فهذه القرية الكونية جعلت الانسان عالمي التفكير والتواصل والحياة …لهذا هناك امل بالنجاح والخروج من المأزق…
لابد ان اخرج من هذه الفوضى…لم يعد هناك مجال للتراجع..لست انسان ثوري…او اطمح ان اكون قائدا او تاجرا او عالما…اطمح بحياة هادئة بعيدة عن المشاكل..كوخ يطل على نهر صغير…وموسيقى هادئة.وفنجان قهوة.ومكتبة…واشياء بسيطة اخرى…
هناك ماوراء البحار والمحيطات يمكن ان يتحقق شيئا من هذه الامنيات…اما هنا في تلك البقعة المباركة(يلفظ العبارة بسخرية) فالفساد سرق حتى جحور الحيوانات واعشاش العصافير وضفاف الانهار ..لن ابقى كالصخرة في هذه الارض القاحلة..سأرحل ولن التفت الى الوراء…لن اتراجع مرة اخرى
انتهى المشهد الثاني
***********************************
الفصل الاول
المشهد الاخير
(مشهد العودة بالحقيبة بعد فشل مشروع الهجرة بغرق العديد من قوارب المهاجرين )
الشاب ابو الخيط:
كان ابي يقول ان الانسان كالشجرة العالية المتجذرة بالارض
صعب جدا ان تعيش في مكان اخر
ان اقتلعت من مكانها ..
وان عاشت فلن تعطي نفس الثمار…
لم اتقبل فكرة الهجرة..لست مجنونا..ولكن اتخاذ القرارات والخيارات الصعبة تحت تأثير الضغط النفسي ليست صحيحة..هكذا يقول علماء النفس..لم اتراجع ولكن الفشل..او الاعتراف بالخطأ فضيلة حتى ابدأ من جديد..شغلتي مسألة الجذور كثيرا..
الاهل والاصدقاء والذكريات..
شعرت ان جسدي كله يرتجف قبل ان اصل اخر حدود مدينتي البائسة هذه..
بل حتى قبل باب موقف السيارات الخارجي …شعرت بخوف شديد…
فانا ذاهب الى المجهول..
الى ثقافة وشعب وحياة مختلفة…
مع اني مؤمن بالحقيقة التي تقول ان اغلب البلدان الحديثة بل حتى الامبراطوريات القديمة تكونت من الاقوام والشعوب المهاجرة..
هذا لايعني ان الامر سهل جدا
وانه بهذه البساطة ….
اذ لم تعد هناك مدينة في هذا العالم خالية من العنف..
هناك الجريمة والتوترات والنزاعات العنصرية والطائفية والعرقية..
يوميا نسمع قصص مختلفة عن الارهاب القومي والديني والراسمالي والعنصري…
الانسان يبدوا انه يسير عكس حضارة الالكترون
ليس بالضرورة ان اكون صائبا…فعالمية المجتمعات الحديثة تعني ان البشر فوق هذه الكرة الارضية دولة واحدة وان اختلفت اللهجات والعادات والاديان..
اذ من المفترض اننا نعيش في عالم انساني اخلاقي متحضر تصاعديا…الا انني تراجعت لان كل شيء في هذا العالم الافتراضي الواحد في تراجع….
لا اعرف هل سأبقي على حقيبة السفر تلك جاهزة
ام امسح من ذاكرتي ونفسي خيارات الهجرة….
ولكن هنا اشعر انني غير موجود تماما..
لا استحي ان اقول بصراحة وبكل جراة اني اصبح انسانا تافها وغبيا احيانا عندما اندمج تماما مع الحياة اليومية هنا..ولهذا يبقى اندماجي دائما متذبذب كالمد والجزر…
حتى مع الارقام البشرية المهمشة ليس لي مقعد….(ضحكة واستهزاء بعبارة المقعد)اصبحت كمقاعد الامم المتحدة الغير دائمة او كاملة العضوية لافيتو عندها ولا اي شيء اخر غير تلاوة البيانات الحماسية المنددة..مضيعة للوقت وخسارة للجهد…
قرار الهجرة صعب
بل اعلني انني فشلت في عبور عقبات الهجرة..ليس الخوف من الموت ..نعم غرقت قوارب المهاجرين..وسمعت قصص كثيرة عن معاناة مرافئ الهجرة….ولكن ليست هذه هي اسباب التراجع..قسم منها..او اجزاء صغيرة منها اثرت على قرار العودة..ولكن الاسباب الاخرى هي جذوري المغروسة في اعماق الارض..ارض اجدادي وابائي..
الهوية والثقافة والبيئة
ليست الهوية كلا..
فأنا لا اؤمن بعالم الهويات
انما ابحث عن عالم تتداخل وتتلاقح فيه الثقافات .عالم اندماج الحضارات..
قرار البقاء يحرق الاحساس والمشاعر
ويدمر الروح ويحاصر النفس
ويحطم العقل والقلب وكل شيء…
ولم تبقى عندي غير فكرة الانتحار
من هناك
من ذلك الجسر العالي الذي يشطر قلبي الى نصفين…
كان هذا الجسر مرعبا لي في الطفولة
ما ان اعبره حتى تأتي الى مخيلتي فكرة السقوط بالنهر وحالة الغرق لانني ببساطة لا اعرف السباحة….
مع اني كنت اشاهد المراهقين كيف كانوا يقفزون من اعلى عمود انارة فيه ليلا
كان لون الماء في الليل اسود مخيف جدا…ثم اصبحت متعتي في عبورذلك الجسر العتيق….
الانتحار ظاهرة عالمية
اسمع عنها كل يوم..حتى في بلادنا ازدادت نسبتها مع ان الناس هنا تتشبث بالحياة حتى وان كانت حقيرة ومليئة بالطغاة والفاسدين والظلمة والبؤس والمرض والحرمان….
الانتحار ايضا خيار صعب
بل بحاجة الى شجاعة ملحد …
مع ان نسبة الانتحار عندهم قليلة الا ان الشجاعة عندهم تكمن في ان الانسان يمكن ان يكسر اشد القيود طوقا للنفس ..قيود قبول الموروثات والعقائد والعادات والتقاليد رغما عنك وبدون مناقشة او تفكر
اي قبل ان تصل الى درجات اكتساب القناعة….
.الانتحار حل اخر سأضعه بجانب تلك الحقيبة البائسة..نعم انها حقيبة بائسة
لانها لاتحوي شيئا يمكن ان يساعدني في رحلتي البعيدة المعطلة..رحلة الى المجهول..
بقي عندي ذلك الخيط الرفيع
اما ان اتمسك به او ان اقطعه..امل المساهمة بالتغيير ..بالثورة .. .الانتفاضة الداخلية…انقلاب على كل الاشياء السلبية..
كمن يصنع من السكراب وحديد الخردة اشياء مفيدة او جميلة..يمكنني ان احول السلبيات الى امور ايجابية…ولكن كيف لا اعرف..
قد تكون شعارات.
ولكنني على معرفة واطلاع واسع على
تجارب العديد من عظماء البشرية الذين استغلوا السلبيات وجعلوا منها حافزا للنجاح وصناعة الفكر الايجابي..
الخيط الرفيع هو الامل بالحياة…
بتغيير نمط الحياة اليومية…
قد يكون كلاما مثاليا..الا ان الهجرة والانتحار ليست حلولا عقلية ..انما هي هروب من الواقع ومن تحمل اعباء المسؤولية..والهروب فشل وانهيار وتراجع…لا اعرف من اين ابدأ..
الا انني لازلت ممسكا بالخيط الرفيع…ولن ادعه يفلت من يدي او ان يقطع..ليس خيطا متينا كي اكتسب القوة منه…الا انه ينبض بالحياة..
خيط وفيه حياة..
كأوردة الجسد….
سأبقى بعيدا عن خيوط الشيطان كلها
واسير مع هذا الخيط الرفيع ..مع الانسانية..اعمل وافكر للانسانية
ولنشر ثقافة الاخلاق العالية..امر لايكلف شيئا غير الاعصاب الهادئة
والنفس الطيبة
والروح النقية الصافية…
غذاءها التأمل في جمال هذا الكون
الحياة اوسع من ان تغلق…
والمعرفة سلاح العقل..تجتث من هذا الكون الجهل والتخلف والاحباط…
مواجهة الهزيمة وابعاد شبح الانهيار والتراجع هي المنقذ للانسان..
ليست الجذور والعادات والتقاليد وجثث المهاجرين الطافية على سواحل الجزر والتي جرفتها الامواج بعيدا عن اوطانهم هي وحدها من اعادتني الى وطني…
بل هي الروح التي تأبى ان تغادر بيتها الاول…
انتهت المسرحية

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب