18 ديسمبر، 2024 6:57 م

 مسرحية التكنوقراط وسرقة التظاهرات

 مسرحية التكنوقراط وسرقة التظاهرات

ننتظر من التظاهرات في العراق التغيير لنظام الحكم الفاسد من دستور وقوانين وبرلمان ومؤسسات حكم وأحزاب ، وكنا ننتظر أن يستمر الوعي نتيجة أزمة الحكومات المتعاقبة وكذبها على الناس وفشلها وفسادها ، وننتظر من الشعب أن يهب بغالبيته لمقارعة الظالمين ، وأن تتم محاسبة السراق والفاسدين ممن إنتمى لهذه الكتل السياسية ، بعد أن يأس الشعب منهم ، وتوصل إلى أنهم جميعاً يتحملون عملية تمزيق العراق ونهب ثرواته ، وفي هذه الأوقات التي بدأ فيها الشعب بالضغط وخشية من إنفجار الناس جاء المنقذ للفاسدين من أرض النجف ، ولم يكن هذه المرة المنقذ صمام أمان الفاسدين سيستاني السراديب ، بل كان هناك اختيار دقيق من قبل اللاعب الأكبر والأذكى وأدخل مقتدى في هذه اللعبة عازفاً على وتر الغباء المفرط الذي يتميز به ، وحبه للظهور والبروز ، ورغبته في المحافظة على منافعه من النظام السياسي الفاسد بعد الإحتلال ، وكذلك سعيه للتنصل من المحاسبة والمعاقبة لمسؤوليته عن الفساد بإعتباره أحد أركان الحكومات الفاسدة ، وقد تحقق له ما يريد ، وفي المقابل حققت الجهات الأخرى المحركة له أغراضها وأهدافها به من حيث يدري أو لا يدري ، فكان إبعاد التظاهرات عن هدفها وطريقها في التغيير وتحقيق الدولة المدنية إلى العودة إلى الإستعانة بالمرجعية ورجال الدين وترميزهم وعبادتهم واستغلال الجهلة عن طريقهم ، و يمكن القول أن مقتدى بفعله هذا قد وجه ضربة للتظاهرات بسبب تدخله فيها ، ومن الأهداف المتوخاة من هذه اللعبة هو محاولة إقصاء الجهات الوطنية والمدنية التي تنامى نفوذها في الساحة بسبب الفشل المستمر للأحزاب السياسية وخصوصاً الدينية ، وكذلك السعي لإبعاد شخصيات معينة تمثل جهة دولية منافسة على الساحة العراقية واستبدالها بشخصيات موالية لها ، بالإضافة إلى كونها تمثل مرحلة من مراحل المخطط المرسوم للحال العراقي والمنطقة ، وهي حتماً لن تنتي بهذا المشهد وإنما سوف تأتي بعدها فصولاً أخرى لإستكمال المسرحية ، والسؤال المطروح ما هو الفصل القادم من هذه المسرحية ؟ ونحن هنا نحاول أن نضع بعض المؤشرات التي يمكن أن تساهم في توقع بعضاً من أحداث المشهد القادم ، فهناك مرجعية السيستاني التي انسحبت من الواجهة السياسية ، وهناك مقتدى الذي أظهرته المخططات بأنه المنقذ للعراق والمخلص للشعب ، وهناك الحكومة التي لن تتمكن من حل مشاكل العراقيين سواء كانت تكنوقراط أو عمائم ولحى لأنها تمثل النظام الفاسد ، وهناك المليشيات التي تعمل وفق النهج الطائفي ، وهناك داعش التي ما زالت تعمل على الأرض بقوة ، وهناك التدخلات الخارجية متمثلة بأكثر من جهة منها الجانب الأميركي المحتل وهو الأذكى والأقوى ، ومنها النظام الإيراني الذي يملك عدة أذرع للعمل بها في العراق ، ومنها دول الخليج العربي التي تتصدرها السعودية وكونت التحالف الإسلامي ، إضافة إلى قوى أخرى تتصارع على الساحة العراقية ، ومنها القوى الوطنية التي يتم إقصائها ومحاربتها بشكل مستمر لأنها تمثل مصالح الشعب وهذا أمر غير مرغوب فيه من قبل القوى المسيطرة ، وهنا نسأل ما هو السيناريو القادم ؟ ومتى تحترق أوراقاً قد لعبت فيها القوى المتصارعة كثيراً ؟ متى تحترق ورقة مقتدى ؟ وهل هذه الزوبعة الإعلامية والتعظيم والتأليه لمقتدى سوف يكون في المستقبل القريب لصالحه أم ضده ؟ وهل سيكون القادم على مقتدى لحرق ورقته وقتله بعد أن يتم ترميزه كقائد وطني شيعي من أجل إشعال نار الفتنة وتدمير الشعب العراقي وكذلك تفكيك ما يسمى بالتحالف الشيعي وإيقاع الصراع والتقاتل فيما بينهم لدخول مرحلة جديدة من المخطط الإجرامي المُعد للعراق وشعبه ؟ أم أن ورقة مقتدى ما زالت صالحة للعمل بها وأن وقت إحراقها لم يحن بعد ؟ إن أفضل من يجيب على هذه الأسئلة هو كاتب السيناريو والمخطط لتنفيذه وكذلك من يستطيع أن يستقرأ الأحداث رغم تشابكها ، ولكن قطعاً فإن مقتدى ليس منهما ، بل سيبقى إلى ما شاء الله حجراً في رُقعة الشطرنج إلى حلول الوقت الذي يستدعي استخراجه من اللعبة ، وسوف تكون التضحية به من أجل حماية الملك أو الوزير أو الفيل أو الحصان أو القلعة ، وسننتظر الأحداث المتسارعة لنرى ماذا سيحل بمقتدى نتيجة البله والطمع ، ولكن من أهم النتائج التي ظهرت الآن وستظهر بوضوح أكثر هي أن مقتدى كان أحد أرباب الحكومة الفاسدة وأن لعبته هذه لن تجعله قائداً وطنياً إلا في نظر أتباعه الجهلة ، وأنه إذا مات لن يموت شهيداً بل سيرحل إلى قبره غير مأسوف عليه .وهكذا تمكن مقتدى من الحفاظ على مكتسبات الفاسدين وحمايتهم من المحاسبة والإقتصاص ولكن هذا لن يدوم طويلاً .