22 ديسمبر، 2024 12:10 م

مسرحيات المشهد السياسي العراقي

مسرحيات المشهد السياسي العراقي

في أجواء من الاستياء الشعبي الواسع لتأخر تشكيل الحكومة بعد أكثر من ثمان أشهر على الانتخابات، وبعد إتمام قانون تجريم التطبيع الموجود أصلا في القانون العراقي وبشكل ادق واشمل وتمرير قانون الامن الغذائي الذي دار حوله لغط كثير بشأن فائدته للشعب العراقي وحصص الفاسدين الكبيرة منه، انسحب التيار الصدري من العملية السياسية بعد اختلافه على الحقائب الوزارية مع تشكيلات الاطار التنسيقي الذي تشكل لمواجهة الأحزاب الفائزة في الانتخابات وطلب من نوابه تقديم استقالاتهم الى رئيس البرلمان الذي وافق عليها لتصبح سارية المفعول، لكن وبدلا من تنفيذ قرار اعتزال العملية السياسية بشكل جدي وحقيقي، دعا مقتدى الصدر العراقيين الى “صلاة جمعة موحدة ” مستخدما تعبير والده هذا الذي اغتيل على أثره من قبل إيران التي اعتبرته شعارا مخالفا لعقيدتها وتجرؤا على حدود هيمنتها على الحوزة الدينية في العراق. وقد وصف الصدر دعوته هذه “بصلاة تعبدية ” لا علاقة لها بالسياسة لكن الوقائع كشفت عكس ذلك من وقت بدء التحشيد الى يوم الجمعة والخطبة التي ألقيت فيها إضافة الى الخطب والعديد من التغريدات والتعليمات التي نشرت وما تزال الى اليوم. بداية استخدم “رجل الإصلاح” “ومحارب الفساد” موارد الدولة لتحشيد واحضار عشرات الآلاف من الاتباع الغاضبين والهائجين من مختلف المحافظات ليستمعوا لخطبة قام بإلقائها أحد ممثلية حتى ان عددا كبيرا من المشاركين عبر عن عدم فهمه لهدف الصلاة. تبع ذلك مشهد اعطاء الصدر أوامر لاتباعه بالدخول الى المنطقة الخضراء بعدما صادقت المحكمة الدستورية العليا على استقالات نواب التيار الصدري ليحل محلهم نواب الإطار التنسيقي الخاسر للانتخابات، وهو القرار الذي دفع الصدر لتوجيه الاتهام الى المحكمة الدستورية العليا متهما إياها بالانحياز للإطار التنسيقي ورئيسه نوري المالكي ويستعرض قوته في الشارع العراقي بدعوته لنزول اتباعه وتوجههم الى المنطقة الخضراء والبرلمان للقضاء على الفساد والفاسدين مدعيا انه هو أبو الإصلاح وليس هناك احد غيره وهو الوحيد الذي يعمل للشعب وللعراق وغيره مرتبط بأجندات خارجية!
لكن الكلام عن الإصلاح وانهاء الفساد لم يكن الا مقدمة لدغدغة مشاعر الشعب العراقي الغاضب والشارع الملتهب منذ سنوات لكسبه الى الأهداف التي ظهرت فيما بعد والخطابات والتغريدات التي ادار فيها تجمع اتباعه في هذه الأيام من شهر محرم وفي ذكرى عاشوراء.
بعد مشاهد البرلمان التي تكشف ما بقي من جمهور محدود في العدد وفي النوعية من اتباع مقتدى الصدر، صدرت الأوامر بأداء صلاة “جمعة موحدة” أخرى وهذه المرة في ساحة الاحتفالات الرسمية في بغداد وهي الساحة التي تم فيها الاحتفال بالنصر في الحرب العراقية الإيرانية؟ فهل يجرؤ مقتدى الصدر او أي سياسي من سياسي العملية السياسية أن يدعو اتباعه للصلاة في هذه الساحة؟ الا يريد الصدر بهذه الدعوة ان يتلاعب بمشاعر العراقيين وان يقول لهم بأنه عراقي وعربي ) مطالب تشرين (وهو ليس مثل الآخرين التابعين ، لجمع أكبر عدد من العراقيين في هذه الحملة وليدعي فيما بعد انها “ثورة” قادها مقتدى الصدر وانها ثورة عاشوراء كما سماها رجال الدين المحيطين به وما هي الا تظاهرات منظمة ؟ ورغم ادعائه بالزهد في السلطة فقد طلب رفع صور عائلته مع العلم العراقي في التظاهرات وهو الامر الذي رفضه ثوار تشرين الذين فرضوا رفع العلم العراقي فقط. ليس ذلك فحسب بل انه ذهب لأبعد من ذلك فقد محى ثورة تشرين وسقوط أكثر من 800 شهيد وسقوط أكثر من ثلاثين ألف جريح بالقول ان الثورة بدأت صدرية متجاهلا تماما انها كانت ثورة شعبية مطالب ثوارها هي مطالب الشعب العراقي الذي كان وما يزال معها من شماله الى جنوبه. لكن ألم يكن الصدر وسرايا دفاعة احد الأطراف التي قمعت وذبحت الثوار بطلب من قاسم سليماني قائد الحرس الثوري ؟ هل ان تحركات الصدر هدفها القضاء على الفساد وتنفيذ مشروع للإصلاح ام ان كل هذه الأفعال هي تحركات استباقية لقمع موجة تشرينية قادمة واحياء العملية السياسية الميتة التي سأمها العراقيون ليس من اجل العراق بل تنفيذا لخطط الولايات المتحدة وإيران ؟ بعد كل انتخابات كانت عملية تشكيل الحكومة العراقية تتم بالتوافق بين سفيري البلدين وليس وفقا لنتائج الصناديق وقد تأخر هذا التوافق بسبب المفاوضات الامريكية -الإيرانية حول الملف النووي. في هذه الاثناء تحولت الساحة العراقية ومشهدها السياسي معتركا لاتباع الفقيه مرة في محاولة مقتدى الصدر لتصدر المشهد السياسي وجلب جميع الأحزاب تحت عباءته وابعاد خصمه نوري المالكي – كأنه الفاسد الوحيد والقبول بالفاسدين الآخرين- وأخرى للإطار التنسيقي لإبعاد رئيس الوزراء مصطفي الكاظمي الذي تعتبره إيران مشاركا في اغتيال قاسم سليماني وقريبا من الولايات المتحدة. تبدو كل هذه المناوشات المحسوبة مسيطر عليها وما تدخل المبعوثة الأممية جنين بلاسخارت لدى جميع أطراف العملية السياسية أخيرا الا علامة لوضع حد لما يجري بين الطرفين لكي لا تخرج الأوضاع عن السيطرة وخاصة بعد نشر التسريبات الخطيرة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يتحدث فيها عن الذهاب لبيت الصدر وقتاله برفقة مجموعة مليشياوية لسفح الدم الذي تحتاجه هذه المرحلة، بل انها علامة على قرب التفاهم على تشكيل الحكومة العراقية واستمرار العملية السياسية ربما برتوش تجميلية مع قرب الاتفاق النووي الذي سيعلن قريبا وتفاهم واشنطن وإيران على ترحيل المشاكل الإقليمية واولها العراق الى ما بعد الانتخابات النصفية القادمة في الولايات المتحدة.
بالتوازي مع ما يحصل واستمرار اغراق البلد بالكلام عن الفساد ونشر تسريبات خطيرة ورسالة من وزير المالية المستقيل تفضح فساد كل الطبقة السياسية بضمنهم تيار مقتدى الصدر ، يعيش العراقيون منذ شهور حملات إعلامية واسعة تبشر بالتغيير الحكومي اذ انشات قنوات وظهر صحفيون جدد للحديث عن القادم الواعد وعن حكومة وطنية غير فاسدة وبدون محاصصة تعيد للعراق سيادته ومكانته، وبرزت شخصيات مختلفة المشارب منها تابعة لنظام المنطقة الخضراء ومنها شخصيات غير معروفة تتكلم ومن داخل العراق بنفس خطاب العراقيين الوطنيين وثوار تشرين الذين وقفوا ضد الغزو وضد الاحتلال والعملية السياسية دون ان يتعرضوا للقتل او المطاردة كما يتم مع الاخرين؟
لقد أظهرت التظاهرات المنظمة والمدفوعة الثمن من أطراف العملية السياسية وهتاف بعضها كلا كلا للعراق ورفع العلم الإيراني فضيحة ومحدودية جماهيرها لتظهر اقلية في المشهد العراقي يقابلها غالبية وعت بشكل كبير بما يجري في العراق، غالبية تقرأ أحزاب العملية السياسية دون استثناء وتقرأ جيدا مخططات الولايات المتحدة وإيران افضل من أي محلل سياسي، لا تخدعها مماحكات الأحزاب فيما بينها ولا حملات التخدير بالتغيير والتيئيس التي يراد بها اجبار الشعب العراقي على القبول بالعملية السياسية واحزابها وبالأخص قمع أي ثورة قادمة يمكنها هذه المرة ان لا تبقي للمنطقة الخضراء أي آثر.