23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

الموضوع لا يتعلق بأحزاب فاسدة، ولا تغيير رئيس مجلس الوزراء، ولا تواجد ايراني في العراق أو حل الحشد الشعبي، ولا سنة وشيعة أو عرب وأكراد، ولا هو موضوع إلحاد أو إيمان أو حريات أو اباحية.

الموضوع يتعلق بمسخ هويتنا بالكامل، انكار أن هناك شخص اسمه محمداً، سواءاً كان نبياً أو غير نبي، وانكار وجود قرآن عربي، والقران الذين بين أيدينا معضمه سرياني وعبري، ومكة ليس لها وجود وما نتصوره مكة اليوم في السابق كانت البتراء في الأردن!

وكل هذا المشروع يُأطَر تحت يافطة العلم، وأنا والكل يعرفني ممن يعشق العلم، وأتابع تفاصيله ليل نهار، ولكن إذا كان علم يبحث عن الحقيقة ويسعى لإسعاد الانسانية، وليس تدمير أمة وطمس هويتها وستئصالها من جذورها، من أجل أن يسعد الغرب والصهاينة، وتشقى شعوبنا ويصور لها اننا تحت الصفر ولا فائدة من كل تراثنا غثه وسمينه، أدبه ومعارفه وشخوصه وانجازاته واسهاماته.

وأنا لا أريد الرد على هذه التخرّصات وإن ابتلع الطعم الكثير من أدعياء الثقافة والعلم ولكنها تبقى ترّهات، فجميعنا يعلم أن في القرآن كلمات أعجمية، وهذا لايخل بعروبته, ومكة تَقاتَل العلويون والأمويون والعباسيون والخوارج وغيرهم، وما سمعنا أحد منهم ادعى أن هذه ليست مكة، بل كان الجميع يقدسها ويسعى للسيطرة عليها حتى تكسبه الشرعية الدينية.

والمشروع إبتدأه دان جيبسون – مستشرق أمريكي، مختص بدراسة تاريخ العرب والمسلمين، يقول في نظريته: إن مكة ليست قبلة للمسلمين وإن مكان مكة هو البتراء الواقعة جنوب الاردن وليست في السعودية.

وليقل جيبسون مايشاء، ولكن السؤال هو أين المعالم الأثرية لمسيرة الرسالة الإسلامية؟ أين منزل الرسول ودور أصحابه أين دار الأرقم وحتى أعدائه كأبي جهل ودار الندوة؟ أين قبورهم أين قبر أمنا خديجة أين قبر أبي طالب؟ إن من ساعد على اندثار هذه المعالم، هو من اعطى هؤلاء المشككين ثغرات ليبنوا عليها اهدافهم المشينة؟

والمشورع في حقيقته منذ عام 1803م، بدأ بحملات مكثفة في السعودية يقودها علماء الدين تضمنت هدم الإرث التاريخي لرسول الله (ص) لحقبتي البعثة والهجرة، بحجة منع البدع، ولا أريد أن أقول بتآمرهم، ولكن الجهل بمعنى البدعة سوغ تلك الحملات، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، يجري اجتثاثها من الجذور ويبنى بدلاً منها أبراج شاهقة تكاد تخنق الكعبة، وكأنه لا يوجد مكان في الأرض لبناء هذه الأبراج إلا على أنقاض تاريخ العرب والمسلمين.
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي يحرمون فيه بقاء الآثار الإسلامية في مكة والمدينة بدعوى سد ذرائع البدع، نجدهم لا يجدون حرجاً من بناء متاحف تحوي ممتلكات العائلة المالكة في السعودية، مثل حذاء الملك عبد العزيز وعصاه وعباءته وسريره، والحفاظ على بيت البيعة بحالة ممتازة، المكان الذي شهد بيعة أهالي الأحساء للملك عبد العزيز، هذا البيت أحد أبرز المتاحف المصانة في المملكة، في حين تم هدم مسجد بيعة الرضوان، وإخفاء ملفات وخرائط المسجد التي تثبت تاريخية من أرشيف وكالة الأوقاف السعودية.

هذا المشروع يراد له أن يمتد للعراق بطريقة أو بأخرى، واصحابه ذاتهم مصدر التمويل لشاشات القنوات المشبوهة، وحلقات على “اليوتيوب” ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعمل جاهدة ليل نهارعلى تزيف الحقائق، هم تمامًا عصابات بلا أي مبدأ، تريد لمشروعها الخاص النجاح بقوة الرصاص والأرهاب، وتنسب لنفسها العلمية والحداثوية والتقدمية وشتى النعوت التي تحط من تراثنا العريق.