مثل أي مهنة، تعد مهنة ممارسة السلطة اعرافا وتقاليد سياسية، ولعل النظام الديمقراطي اصعبها، رئاسيا كان ام برلمانيا، لأسباب تتعلق بكثرة الأطراف المؤثرة عل الرأي العام وردود افعاله على السياسات العامة للحكومة.
في عراق اليوم، ووفقا لما ورد في نصوص دستورية متعددة، لم يظهر حتى اليوم ذلك السياسي القادر على إدارة الراي العام أكثر من المرجعية الدينية العليا، التي ترفض نموذج ولاية الفقيه في الحكم وتتمسك بالولاية العامة، وتحصر مهماتها في النصح والإرشاد، ومراجعة كتيب المسالة العراقية في فتاوى واراء السيد السيستاني، بوصفه المرجع الشيعي الأعلى، يمكن ملاحظة تكرار هذا التأكيد على ترك شؤون الحكم للجهات التي حددها الدستور العراقي حصرا.
السؤال: كيف يمكن مواجهة مخاطر ازمة كبرى مثل تظاهرات اليوم في بغداد ومختلف المحافظات جنوب العراق من قبل قادة الكتل البرلمانية التي تمثل هذه المحافظات ؟؟
الإجابة على هذا السؤال واسعة النطاق في منهجية مفاسد المحاصصة واليات تمثيل الكتل البرلمانية في إدارة الدولة، وربما تكون ضيقة في الرد على مطالب الشعب المنتفض في ساحات الاعتصام وما حصل من احداث اهدرت الدم العراقي رخيصا تحت ارجل كراسي السلطة ، سواء اكانت للحكومة ام مجلس النواب الذي يمثل الشعب ، ولن تشفع الحلول الترقيعية من قرارات او قوانين تصدر عن مجلس النواب عن الحكومة في طرح الحلول ، لكن مع ذلك يبدو من الممكن القول :
أولا : مهنة الديمقراطية، تغادر الاجندات الحزبية عند موافقة مجلس النواب على البرنامج الحكومي، لكن مفاسد المحاصصة قصمت ظهر هذه المغادرة بعين عوراء ، تنظر الى الاجندات الحزبية تحت عناوين المكونات الحزبية وليس الطائفية او العرقية ، فالكرد والشيعة والسنة لهم هوية واحدة هي عراق واحد وطن الجميع ، لكن اجندات هذه الأحزاب حصدت أرباح أصوات العراقيين لها في مغانم السلطة ، الامر الذي لا تستطيع اليوم الاعتراف به مباشرة امام جماهير التك تك المنتفضة بغضب على نتاج 16 عاما من الاضرار بمصالح الهوية الوطنية للعراق .
ثانيا : يفترض بأحزاب السلطة منذ تشكيل مجلس الحكم وحتى اليوم ، مغادرة نموذج مفاسد المحاصصة، وما قرار المحكمة الاتحادية التفسيري لمفهوم توزيع المناصب الخاصة وفقا للاستحقاق الانتخابي ، غير نموذج اخر لفضح هذا الاعتراف الذي ترفضه هذه الأحزاب ، وان تقف امام الجماهير وهي تعترف بذنوب مفاسد المحاصصة ، وتطرح الحلول الناجعة لإلغائها ، وليس لتقريعها بتصريحات متعددة الأطراف .
ثالثا : من المعيب جدا ان لا تجتمع القوى المؤسسة لهذه المفاسد ، مع الفارق في نسبة المسؤولية لهذا الطرف او ذلك، لكن الحقيقة المطلقة ان الجميع لهم شراكة في ذنوبها ، بدلا عن ذلك قاموا بتبادل المسجات او البيانات الإعلامية عن مواقف منها من يسعى لتبرئة نفسه من هذه الذنوب ومنها من يحاول القفز من مركبها وركوب موجة الانتفاضة ، ومنها من يحاول توظيفها لمشروع ربما يضمن له البقاء في الساحة السياسية ، لكن لم الاحظ أي اعتراف جماعي بهذه الذنوب التي انتفض الشعب في مظاهر تضامن واقعية ، ظهرت في ساحة التحرير بوجود عربات ( التك تك) وهي تنقل الماء والدواء وتسعف المصابين بقنابل الغاز ، رد الحكومة على المطالبين بأبسط حقوقهم ، جميع هذه المسجات تؤكد ان الحلول مقبلة ، لكن انتفاضة ( التك تك ) يوافقون على تلقي قنابل الغازات ، بعد ان فقدوا الثقة في تلك الحلول التي طرحت مرارا وتكرارا .
رابعا : يفترض باهل المسجات والبيانات اللجوء الى مهنة الديمقراطية، والجلوس في طاولة حوار وطني تحت مظلة مجلس النواب ، تغادر اجندات الاختلاف وتقوم على إدارة مخاطر الازمة، هذه الثقافة الغائبة عن الطبقة السياسية، فاضحت ديمقراطية ( التك تك) اكثر دراية ومعرفة بفنون إدارة الازمة في الاعتصام داخل بناية المطعم التركي ، فيما يظهر نواب الشعب في جلستهم الأخيرة كل منهم يردد ما في اجندته الحزبية دون أي اهتمام بما يطالب به الشعب ، لسبب واضح ، يتمثل في الجهل الفاضح بمهنة الديمقراطية واليات طرح معادلات الحلول الصفرية والسيناريوهات الافتراضية لهذه الحلول واحتمالاتها على ارض الواقع .
خامسا: مثل هذا الفشل في إدارة مخاطر الازمة، فان مسجات تبادل الاتهامات ستثقل الحلول الممكنة وتجعلها اكثر عرضة الى اهواء الاعتراض، فعدم الانسجام في طرح الحلول الفورية الممكنة، ستغادرها ديمقراطية ( التك تك) الى حلول أخرى تقيض لها اركان الفوضى، ولات ساعة مندم .
كلما تقدم يؤكد فرضية واحدة، ان القوى السياسية المتصدية للسلطة ان تغادر الساحة وتستبدل مفاسد المحاصصة بنظام سياسي مدني، تسمح فيه لأليات التنمية المستدامة، والنصيحة الأهم، على كل من يتصدى لأي منصب في السلطة من الدرجات الخاصة ان يمر بأكثر من دورة تأهيلية عن ممارسة مهنة الديمقراطية، عندها بإمكانه التعامل مع جمهور ديمقراطية (التك تك )!!!