22 ديسمبر، 2024 10:16 م

مستوى وعقلية المسؤولين العراقيين

مستوى وعقلية المسؤولين العراقيين

عند متابعتي لبعض الأخبار في العراق جلب إنتباهي خبر قيام أحد الوزراء ممن تم استيزارهم مؤخراً بعد مخاض عسير لمجلس النواب بزيارة تفقدية لإحدى الدوائر التابعة لوزارته للإطلاع والوقوف على سير العمل فيها لخدمة المواطنين . وقد صرح هذا الوزير أثناء تفقده الدائرة بأنه مهتم وحريص على متابعة شؤون المواطنين حيث قال ، للتأكيد على حرصه ، بأنه قام بهذه الزيارة مباشرة بعد يوم واحد من تسلمه مسؤولية الوزارة . وفي الزيارة التفقدية ، ووسط جموع غفيرة من المراجعين ، ظهر شخص يوضح للوزير معاناته في إنجاز معاملته لأن الموظف المختص طلب منه ” قرار قضائي ” في حين إن إنجاز المعاملة لا يتطلب ذلك حسب قول الشخص صاحب المعاملة ، وما كان من الوزير إلا أن وجه مسؤول الدائرة الواقف الى جانبه لإنجاز معاملة صاحب الطلب ولم يكتفي بذلك وإنما طلب نقل الموظف المسؤول بالدائرة الذي طلب ” القرار القضائي ” شرط لإنجاز المعاملة . ثم إستدارة الوزير ليرى فتاة تحمل معاملة ليسأل عن إسمها وعن طبيعة معاملتها ليوجه بإنجاز معاملة هذه الفتاة ” الحبابة ” . وفي هذه الأثناء كان هناك مواطن مراجع بزي عربي ( الدشداشة والعكال ) حاول أن يبدي رأيه بالقول وبشكل مؤدب وهادئ جداً : ” سيادة الوزير ، المشكلة بالإجراءات لو تم تبسيطها .. ” ليبادر الوزير فوراً بالقول بأنه جاء لخدمة المواطنين ولهذا قام بهذه الزيارة بعد يوم واحد من تسلمه المسؤولية دون أن يفهم أو يعي ما قصده هذا المواطن المراجع . وهنا بدا الوزير سعيداً وراضياً ومطمئناً وفخوراً بإنجازه اليومي وشعوره بالرضى والفخر بأنه أدى واجبه بمسؤولية ومهنية عالية .
هنا هي الطامة الكبرى ، ولست بصدد هذا الوزير بالذات ، فهو لا يعنيني بشئ ، وإنما بصدد العقلية التي تدار بها الدولة العراقية بقياداتها ومسؤوليها والوزير المذكور مثال لهؤلاء . فمثل هذا الوزير أو غيره في مثل هذه المواقف إما أن يكون على درجة كبيرة من الذكاء والدهاء لأنه يعلم ، بداخله ، بإن النظام السياسي عموماً فاسد إدارياً ومالياً ولا يسمح للمخلصين والنزيهين بإدارة مفاصل الدولة وعليه أن يجاريهم ويحفظ مكانته وإمتيازاته من خلال الشكليات الإستعراضية المتعارف عليها في الدول المتخلفة ، أو إنه ليس ذكياً بالدرجة الكافية وغير مؤهل لإدارة أي مرفق حاله حال البقية الذين همهم كيفية تحقيق أقصى المنافع الشخصية بإستغلال غباء وجهل المجتمع . ولكنني أشك بأن ذلك الوزير ، وكذلك غيره في الكابينة الوزارية عموماً على درجة من الذكاء لإدارة مؤسسة حكومية كوزارة مهمة مثل وزارة الداخلية . ولإثبات ذلك ببساطة فإن زيارة الوزير للدائرة عالجت مشكلة المواطن (س) وعالجت مشكلة الفتاة ” الحبابة ” من ضمن مئات المعاملات المتأخرة في ذلك اليوم ، وعليه على الوزير المذكور أن يزور ويتفقد يومياً وعلى مدار السنة للإطمئنان على إنجاز معاملة المواطن ( ص ) والإرملة ” أم الشهيد ” في تلك الدائرة فقط لكي يثبت هذا الوزير تفانيه وإخلاصه في خدمة المواطنين . تصوروا مثل هذا الوزير ومن أمثاله يمكنه أن ينجز معاملة مواطنين إثنين كل يوم ، أي (٧٢٠) معاملة سنوياً شرط أن يزور الوزير ويتواجد ويتفرغ يومياً في تلك الدائرة بالرغم من إن مجموع المعاملات المقدمة لتلك الدائرة تتجاوز عشرات الآلاف من معاملات المواطنين .
كل ما أريد التوصل اليه مسألة بسيطة جداً وبديهية وهي : لماذا لم يفهم ويستوعب هذا الوزير ” الذكي جداً ) قول هذا المواطن المراجع ذو الزِّي العربي عندما قال بالحرف الواحد : ” المشكلة هي في الإجراءات ” ليجاوبه الوزير ” الذكي جداً ” بانه جاء لخدمة المواطن ، وهي الجملة التي يقولها جميع الأغبياء من السياسيين العراقيين . كان على هذا الوزير ، ومن على شاكلته ، أن يستوعب الجملة البسيطة والمهمة جداً التي قالها ذلك المواطن بأن على الوزارة المعنية إن تراجع الإجراءات المتبعة في إنجاز معاملات المواطنين في دوائرها بالشكل الذي يحقق إنجاز المعاملات دون تأخير ودون إبتزاز مع أقصى إحترام للمواطن عند إنجاز معاملاته بحيث تكون المؤسسة في خدمة المواطنين دون تمييز أو إبتزاز . كان على الوزير ” الذكي ” أن لا يتدخل لإنجاز معاملة ذلك المواطن ألمطلوب منه قرار قضائي أو معاملة تلك الفتاة ” الحبابة ” ، وكان من المفترض أن يفهم ويستوعب ما قاله ذلك المواطن ذو الزِّي العربي بأن المشكلة هي في الإجراءات . تبسيط الإجراءات في إنجاز معاملات المواطنين ليست بالأمر الصعب ، إنها ليست بمستوى علوم غزو الفضاء أو علوم الذرة أو إكتشاف أسرار المحيطات أو تطوير أساليب التكنولوجيا في المجالات المختلفة …… ، إنها مسألة بسيطة جداً لا تتطلب سوى درجة من الذكا ء البسيط توازي ذكاء بعض المخلوقات والكانئات الأخرى في تنظيمها لأمورها الحياتية . فهل الوزير المعني وغيره في الحكومة العراقية والمسؤولين الآخرين في السلطة التشريعية والقضائية والرئاسية واعين ومدركين لمقولة ذلك المواطن : ” المشكلة في الإجراءات ” ؟ . أشك في ذلك .