9 أبريل، 2024 12:05 م
Search
Close this search box.

مستوى قراءة الشعر المعاصر و الخريطة الثقافية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 في عقود النصف الأول من القرن العشرين نشطت القراءة بزيادة أعداد المتعلمين، ولا نبالغ إذا قلنا أن القراءة كانت الوسيلة الرئيسة لتحصيل الخبرة المعرفية، وإشباع الحاجة النفسية وإثراء مشاعر الإنسان، فضلاً عن كونها الوسيلة الشعبية الرائجة للاستمتاع واستحصال اللذة الأدبية، لدرجة أنه من النادر أن يخرج عن هذا الحكم أحد من المتعلمين. ويبدو أن الحكومات العربية المستحدثة قد حاولت تنشيط الحركة الثقافية بفتح المكتبات الحكومية حتى في القرى على ما يقول عزيز السيد جاسم مؤكداً أن الحركة الثقافية فيها نشطت بكثافة وقوة، ولكنها خسرت فيما بعد (( بفعل مؤثرات الغزو الحضاري واللعبة الإمبريالية الكثير من مكاسبها الثقافية، فأقفلت المكتبات في القرى، بعد أن كان ذلك علامة من علامات النهضة الثقافية الوطنية، ومن ثمار الاستقلال والتقدم)).
        وإلى زمن قريب كانت مدارس العراق في المدن الكبيرة والصغيرة، فيها مكتبات مدرسية تصلها الإصدارات العراقية والعربية، ويشرف عليها أحد أعضاء هيئة التدريس، وينظمون استعارات الطلبة منها، ويفرض بعض المعلمين والمدرسين الاستعارة والمراجعة على الطالب فرضاً لاسيما في دروس اللغة العربية.
        ذلك ما جعل القراءة والمطالعة طابعاً غالباً على الطلبة والمتعلمين عموماً. فهل القراءة والمطالعة طابع غالب على الطلبة والمتعلمين في هذه العقود كما كانت سابقاً؟ وهل بقي الكتاب الوسيلة الرئيسة للثقافة والمعرفة؟
        يتحدث كثيرون على أزمة أصابت القراءة والكتاب، ويصورها حسين حموي في مقالة طريفة عن الكتاب: (( أصبح يجلس بعيداً في إحدى زوايا البيت، ينتظر اليد الحانية التي تمتد إليه، بشغف واهتمام، أو خلف جامات المكتبات الخاصة والعامة، ينظر من خلف الزجاج بعيون منكسرة وجوه أولئك الزوار لعلهم يرحمون عزلته، وسجنه على رفوف تلك المكتبات خلف تلك الجامات، أجل لم يعد الكتاب ينعم بالسعدى والترحال، من يد قارئ إلى يد قارئ آخر، بل أصبح ملقياً على الأرصفة، تمطره السماء بوابل المطر، وتتعثر به الأقدام الموحلة، وهي تسير على عجل في زحام المارة )). ويقول محمد عزام: (( أصبح الكتاب هامشياً في عصر الفضائيات والمعلوماتية والتجارة، فصار المرء ينبذ الكتاب، ويتمدد على أريكته في منزله مرتاحاً، ومرتدياً منامته، يطوف العالم بالصوت والصورة، دون أن يجهد نفسه، أو يرهق عينيه وخياله بقراءة كتاب )).
        وقد ثُبّت تراجع القراءة فيالبلدان العربية بالأرقام، فالعزوف عن القراءة في أوساط المتعلمين كان بحدود 50% عما كان عليه قبل عقدين أو ثلاثة، كما ينقل حسين حموي عن نتائج مسح ميداني قام به ( غريغور فايزنغ ) الخبير بشؤون الكتاب في معرض فرانكفورت والدكتور فتحي البسّ نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب. ومسح طلبة إحدى الجامعات العربية ـ على ما نقل أشرف بكرـ فكانت النتائج ( 20% من الطلاب لا يقرؤون مطلقاً باستثناء مقرراتهم الدراسية، و 20% يقرؤون مراجع في مجال اختصاصاتهم، و26% يقرؤون أقل من ساعة يومياً، و 35% يقرؤون بين ساعة وساعتين، و2% يقرؤون أكثر من أربع ساعات يومياً ).
        وقد أجاب طلبة الجامعات العراقية، من المتخصصين باللغة العربية في استبانة   تهدف إلى تحديد موقع المطالعة والقراءة بين هوايات الطالب، وتحديد اتجاهات قراءاتهم، فأجاب الطلبة على سؤال بتحديد الهواية التي يمارسونها: بأن (92) طالباً من مجموع (200) تستهويهم المطالعة، ما يعادل نسبة (35,8%) من العينة. وهي نسبة عالية لو أخذت من عينة عشوائية من المجتمع العراقي، أما إذا كانت من طلبة الجامعات المتخصصين باللغة العربية والأدب، فهي نسبة قليلة، مع إمكان عدم تطابقها مع الواقع لاسيما إذا كان الطلبة المستفتَون يريدون بيان جديّتهم ومواظبتهم للمستفتي. أما كونها مرتفعة قليلاً عن نسبة المطالعة في البلاد العربية الأخرى، فيفسره تأخر العراقيين في الاستفادة من منجزات التكنلوجيا الحديثة لاسيما في مجال الاتصالات.
        إن النسب المذكورة تؤشر انسحاباً متدرجاً للكتاب من الحياة الثقافية للمجتمع العربي والعراقي، وقلة الإقبال على القراءة بما انعكس على دور النشر، الأمر الذي يؤكده الناشرون: (( إن مهنة النشر في البلاد العربية، تعاني من أزمة ثلاثية الأبعاد: مؤلف مبدع، وناشر محترف، وقارئ متلهف )) كما جاء في كتاب ماذا يقرأ عرب اليوم. وإذا خصصنا الحديث في أزمة القارئ، فإن الأزمة ليست أزمة نشر أو أزمة كتاب، وإنما هي أزمة أدب على ما يقول نجيب محفوظ: (( ليست هناك أزمة كتب كما يقال، فالكتب السياسية والدينية تباع بأسعار خيالية، ورغم ذلك تطبع مرتين، إذن الأزمة في كتب الأدب فقط، والسبب أن التلفزيون قد يكون منافساً للكتب الدينية والسياسية، ولكنه بالنسبة للكتب الأدبية ليس منافساً فقط بل هو بديل، ولذلك تحولت جمهرة الناس، من القراءة إلى المشاهدة )).
        إن نسبة إصدارات دور النشر العربية قياساً إلى عدد نفوس العرب هي كتاب واحد لكل مئة ألف عربي، بينما يتبين من إحصائية اليونسكو عام 1978 : أن البلاد الصناعية أصدرت 78% من مجموع الكتب الصادرة في العالم ، وأنّ (( ما تطبعـه الدول العربية مجتمعـة لا يسـاوي نصف ما تطبعـه إسرائيل )).
        وإذا كانت نسب النشر ونسب القراءة منخفضة في البلاد العربية، فإن فيها انخفاضاً آخر في مجال قراءة الكتب الأدبية عموماً والشعر بشكل خاص. ويلخص أشرف بكر الفكرة بقوله: (( الإحصاءات المتوفرة التي تقول لنا عن نسب الكتب المنشورة في العالم العربي مخجلة، ونوعية الكتب الرائجة مخجلة أكثر فأكثر، فهي تتراوح بين كتب السحر والشعوذة ونفخ البطون )) ، ويعرض نتائج إحصاءات عربية ودولية أجريت تتلخص بهيمنة الكتاب الديني، وما يتعلق بالأزياء والزينة، والموضوعات الفنية. ويؤكد النتائج حسين خمري في ما ينقله من إحصاء باختلاف فني طفيف، فالنسبة الغالبة عنده من القرّاء تركز على الصحف والمجلات، و30% للكتب الدينية والتراثية، ثم الفكرية والسياسية، وأخيراً النقدية والإبداعية.
        وأكدت استبانة مجالات القراءة للطلبة العراقيين أن عدد الذين يقرؤون الكتب الدينية بلغ ( 101 ) من مجموع عينته البالغة ( 236 ) طالباً، ما شكل نسبة حوالي ( 43% ) من العينة. وكان عدد الذين لم تتحدد توجهاتهم في القراءة ( 43 ) طالباً بنسبة ( 18% ) والذين لا يطالعون (13 ) طالباً بنسبة ( 5،5% )، وتوزعت مجالات القراءة الأخرى كما يأتي: الأدبية (32) طالباً بنسبة ( 14% )، والفكرية (16 ) طالباً بنسبة ( 6،7% )، والتاريخية (11 ) طالباً بنسبة ( 4،6% )، ولكل من العلميـة والفنيـة (10 ) طلبـة بنسبة ( 4،2% ) لكل مجال منهما.
        إن الأعداد والنسب التي انتهت إليها الاستبانة تؤكد انخفاض حظ القراءة عموماً وقراءة الأدب بين متعلمي المجتمع العراقي، لأن العينة كما ذكرنا سابقاً ليست عينة عشوائية من عامة أفراد المجتمع، وإنما هي عينة مخصوصة مقصودة أخذت من بين المتخصصين بدراسة اللغة العربية والأدب، وهم فئة من الشباب نتوقع أن يولوا جل اهتمامهم للأدب. إن الـ (14%) من الطلبة الذين أظهرت الاستبانة ميولهم في القراءة للأدب كان بينهم نسبة عالية ـ كما سوف نرى ـ  ممن أعلن عن اهتمامه بالشعر الشعبي، والنسبة العظمى منهم كانوا من المهتمين بالشعر القديم، أما المهتمون بالشعر المعاصر، فلا يشكلون نسبة ذات أهمية إطلاقاً، مما يؤشر الوضع المزري الذي عليه مكانة الشعر العربي المعاصر ومستوى تلقّيه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* يمكن مراجعة التفاصيل الدقيقة في ( تلقي الشعر العربي المعاصر في العراق ـ دراسة في مستوى الاستجابة ) .. وهو اطروحة الكاتب للدكتوراه.
 
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب