22 ديسمبر، 2024 10:47 م

مستقبل سوريا في ظل التصعيد العسكري الإيراني الإسرائيلي

مستقبل سوريا في ظل التصعيد العسكري الإيراني الإسرائيلي

في تطور جديد، هدد وزير الطاقة والموارد المائية الإسرائيلي “يوفال شتاينتس” بأن أي حرب ستُشن على إسرائيل من الأراضي السورية ستجلب تداعيات فتاكة على حكومة دمشق والرئيس السوري بشار الأسد شخصيًا..

وقال يوفال، وهو من الوزراء الكبار المقربين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في حديث لصحيفة “يديعوت أحرونوت” واسعة الانتشار في 23 أبريل 2018م أنه إذا سمح الأسد كزعيم سوري لأحد.. إيران أو أي طرف آخر.. بإعلان حرب على إسرائيل من سوريا، فإنه مسؤول عن حياته.

وكان إعلان الجيش الإسرائيلي في 10 فبراير 2018م، اسقاطه طائره إيرانية بدون طيار، مؤشرًا على حالة التصعيد بين إيران وإسرائيل، وهو ما يؤكد أن العديد من القوى التي تتصارع فوق الأراضي السورية يمكن أن تتقاطع وتسهم في اندلاع مواجهة كبيرة في الداخل السوري.

وعليه قامت إسرائيل بقصف العديد من المناطق والمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، حيث استهدفت مطار التيفور العسكري في 9 أبريل 2018م، والذي أدى إلى مقتل أفراد الحرس الثوري الإيراني، في حين أصابت نيران من داخل سوريا مقاتلة أف 16 إسرائيلية وأسقطتها، بعد أن قصفت أهدافًا إيرانية في سوريا.

كما توالت الدعوات الإسرائيلية للمجتمع الدولي بالتصدي لمساعي إيران في المنطقة، وزعزعة الاستقرار، في إعلان منها عزمها منع إيران من إقامة قواعد عسكرية أخرى يمكن من خلالها تهديد إسرائيل ومهاجمتها، من خلال محاولة ترسيخ وجودها العسكري في سوريا أو بناء مصانع للصواريخ في لبنان.

على الجانب الآخر، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها سترد على الهجمات الإسرائيلية في الوقت المناسب، والتي استهدفت الدفاعات الجوية الإيرانية التي كانت موجودة في المطار العسكري.

ويأتي التصعيد الإسرائيلي تجاه إيران مؤشرًا على التخوفات الإسرائيلية إزاء قدرات الطائرات الإيرانية والحضور الإيراني القوي والمساند للنظام السوري المناهض لإسرائيل، وتوجه إسرائيل اتهامات لإيران بأنها لا تسعى إلى توسيع النفوذ الشيعي فحسب، بل تريد فتح طريق للإمدادات من إيران لحزب الله اللبناني.

وتشن إسرائيل منذ سنوات سابقة غارات جوية على مخازن للأسلحة ومنشآت أخرى بهدف منع وصول الصواريخ الإيرانية إلى حزب الله اللبناني، حيث شنت إسرائيل 11 غارة جوية على سوريا منذ أواخر يناير 2013م وحتى أوائل فبراير 2018م.

سوريا ساحة الصراع الجديدة

جاءت الأحداث الأخيرة والتي شهدت تصعيدًا متبادلًا من الجانبين رغبة إسرائيل في مواجهة الحضور الإيراني داخل سوريا، حيث تسعى إسرائيل للمشاركة في رسم الصورة النهائية لخريطة الأوضاع في سوريا.

يذكر أن سوريا شهدت مزيدًا من الحضور الإيراني القوي، والمساند لسوريا في المحافل الدولية ورسم خريطة التفاعلات والمشاركة في مخرجات كافة العمليات السياسية والعسكرية، وهو ما يؤرق إسرائيل خاصة في ظل وجود حليف إيران الأكبر في لبنان؛ حزب الله والذي يعد أكبر المهددين لأمن إسرائيل، وفي ظل الحضور الإيراني بجانب حلفاءها، تهدف إسرائيل إلى مواجهة إيران وحلفاءها عسكريًا وسياسيًا على الأراضي السورية.

ووفق إسرائيل؛ فإن الحضور الإيراني في سوريا في ظل موازين القوي الإقليمية، أكثر تأثيرًا بحكم التقارب الأيديولوجي والعسكري بينهم، وهو ما تتخوفه إسرائيل من كون سوريا معبرًا للشحنات الإيرانية من الأسلحة لحزب الله اللبناني.

عوضًا عن حالة التوجس والخوف من جانب إسرائيل فيما يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا، في ظل إقامة إيران العديد من القواعد العسكرية الإيرانية، وإنشاء مصانع للصواريخ والتي أصبح من الصعب منع وصول الأسلحة الإيرانية لحزب الله مسألة معقدة بالنسبة لإسرائيل، لأن إيران لها دور مباشر في الأزمة على حدودها.

وانطلاقًا من شعور إسرائيل بالقلق من إمكانية استخدام إيران غطاء الحرب لتقوية حلفائها في سوريا، شنت غارات جوية متكررة على ما اعتقدت أنها قوافل أسلحة متجهة إلى حزب الله الذي قاتل إسرائيل وقادها إلى طريق مسدود في حرب استمرت أكثر من شهر في العام 2006م.

إن الهجمات الإسرائيلية تهدف إلى تدمير ما تبقى لدي سوريا من قدرات دفاعية، وإجبارها على القبول بإملاءات إسرائيلية، وكذلك إيران، للرد على تصريحات مسؤوليها، وإبلاغها الإصرار على التصعيد العسكري، ومتابعة الاستفزاز والاستدراج إلى مواجهات عسكرية غير محدودة في ظل الوضع الراهن في المنطقة.

وعلى خلفية التصعيد الإسرائيلي، تقرع طبول الحرب بين إسرائيل وإيران على خلفية التهديدات الإيرانية بالرد على إسرائيل بكل قوة حال المواجهة المسلحة بينهم، وفي هذا الشأن؛ لا يمكن فصل العمق الاستراتيجي للصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا عن بلورة المواقف الحاسمة للقوى الدولية الكبرى لواشنطن وموسكو، والتي قد تصل إلى مخاطر نزاع عالمي بسبب حرب إقليمية محتملة تلقي بتعقيداتها على أوضاع الصراعات الدولية.

إن فسحة المواجهات العسكرية المباشرة اتسعت، خصوصًا بعدما قررت اسرائيل مواصلة هجماتها ضد قواعد تنتشر فيها قوات فيلق القدس الإيراني، برئاسة الجنرال قاسم سليماني، وأن إيران قد تنتهج موقفًا أكثر عدائية، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات الانتقام من الضربات الجوية الإسرائيلية الجديدة.

حرب عالمية بأطراف إقليمية

إن استمرار المأساة السورية واستمرار الأوضاع السياسية والعسكرية المعقدة في ظل التشابك الإقليمي والدولي، وانخراط العديد من الدول في المستنقع السوري مثل تركيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وإنه من الممكن في ظل هذا التصعيد المتبادل من الجانبين الإيراني والإسرائيلي، والذي يزيد من احتماليات حدوث مواجهة بين الأثنين قد تمتد لمناوشات دولية بين القطبين الكبيرين روسيا والولايات المتحدة خاصة في ظل التحالف والتقارب الروسي الإيراني من جانب، والأمريكي الإسرائيلي من جانب آخر، خصوصًا أن إيران بدأت توزع التهديدات يمينًا ويسارًا… وهذا تطور جديد من نوعه يفرض حذرًا شديدًا حيال ما يبدو أن المنطقة مقبلة عليه.

تأتي هذه الاحتمالات في ظل الإعلان الروسي إن إسرائيل هي التي نفذت الغارة الجوية، وأعلنت أن إسرائيل تقصف الأصول الإيرانية في سوريا، حيث قررت موسكو أن تكون القاضي وهيئة محلفين بالاصطفاف إلى جانب الأسد وحزب الله اللذين يقولان إنه كان هجومًا إسرائيليًا.

على الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة وهي حليف استراتيجي لإسرائيل، متورطة بالفعل في النزاع السوري بدعهما للمعارضة، والتي وجدت نفسها في مواجهة روسيا داخل سوريا.

وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من الهجمات على مواقع النظام السوري، الحليف المقرب لروسيا، فقامت بالهجوم على مطار الشعيرات العسكري في أبريل 2017م، والهجوم على قاعدة “النتف” مايو 2017م، ثم تطور الأمر لقيام القوات الأمريكية بإسقاط مقاتلة سورية في الرقة- يونيو 2017م، وتابع ذلك الهجوم الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي في أبريل 2018م على مركز للأبحاث والذي يُعتقد أنه تم فيه تصنيع مواد كيميائية استخدمها النظام السوري في هجومه علي مدينة دوما في الغوطة الشرقية.

ويذكر أن موسكو حذرت الولايات المتحدة من تدخل عسكري ضد حليفتها، وبعد الهجوم الثلاثي علي سوريا دعا الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على مواقع تابعة لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

إلا أن التصعيد الروسي جاء على لسان “أناتولي أنطونوف” سفير روسيا في الولايات المتحدة الأمريكية والذي اعتبر أن الهجمات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة على سوريا سيكون لها عواقب، واصفا الهجوم بأنه إهانة للرئيس الروسي وبأن ذلك أمر غير مقبول.

كما أثارت هذه الضربات استياء روسيا وداعمي نظام الأسد، في حين قامت الولايات المتحدة بالتنسيق مع الجيش السوري الحر بغرض تجنب وقوع اشتباكات بين الجيشين الأمريكي والروسي. وعلي الرغم من أن الهجمات الأمريكية لم يستهدف أي مواقع عسكرية روسية. والذي أكدت عليه وزارة الدفاع الروسية، موضحة أنه لم يسقط أي صاروخ في المناطق المحمية بشبكات الدفاع الجوي الروسية في قاعدتي طرطوس وحميميم.

مستقبل الصراع

لاشك أن المناوشات العسكرية الإسرائيلية والإيرانية قد تتطور في يومًا ما داخل الأراضي السورية، مما قد يغرق المنطقة في صراعات إقليمية يمكن أن تتطور إلي مواجهات دولية شاملة في سوريا وخارجها، وهذا قد يؤثر علي مستقبل المنطقة برمتها، خاصة في ظل غياب حل إقليمي يمكن أن تشارك فيه إيران وإسرائيل.

إن التوترات التي تشهدها المنطقة في ظل التجاذبات الإقليمية وحالة الاحتقان الموجودة بين الفاعلين الدوليين، قد تسهم في تطور هذا الصراع وتدويله، ليصبح نواه لصراعات أخري ممتدة لا تقتصر بعدها الجيوسياسي على المنطقة العربية أو الداخل السوري فقط، بل قد يمتد الصراع للعديد من المناطق في آسيا وأوروبا.

ولعل تورط العديد من القوى الإقليمية والدولية في سوريا وصراع الارادات فيما بينهم يعمل على تعقيد توافر الحلول السياسية، بل يؤدي إلى حالة من تأزم الأوضاع وتطورها في الاتجاه التصعيدي بمنحنى تصاعدي في اتجاه سلبي، كما أن التفاعلات الإقليمية في المنطقة تنذر بتصعيد عسكري محتمل في الأفق في ظل التهديد الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والذي قد يتسبب في توتر آخر يضاف إلي التوترات في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.