23 ديسمبر، 2024 4:20 م

مستقبل سهل نينوى في ظل غياب المسيحيين منه

مستقبل سهل نينوى في ظل غياب المسيحيين منه

ثلاث سنوات من التهجير كانت قاسية على مسيحيي سهل نينوى في كل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتاريخية والثقافية حتى جاءت كالزلزال الذي هز اركان الوجود المسيحي في العراق وبالتحديد في سهل نينوى ذلك السهل الذي كان مفعما بالحركة والنشاط في كافة هذه المجالات، يعطي معنىً للحضارة والتطور والتقدم على مستوى العراق لان سكانه كانوا المبادرين دائما في ميادين الحياة المختلفة رغم قلة وجودهم العددي فتركوا بصمات واضحة في تاريخ العراق والمنطقة. هذا الوجود الذي اصبح مهددا وفق المعطيات الحالية والاحداث التي تبرز على الساحة كل يوم.

هذه الارض التي تدينت بالمسيحية منذ القرن الاول الميلادي وبقيت ملتزمة لها رغم كل الاضطهادات التي مر بها شعبها، لا تختلف وفق المقاييس الجغرافية والطوبوغرافية عن الكثير من المناطق الاخرى في العراق بل لا تمتلك من المميزات ما تمتلكه مساحات شاسعة اخرى من هذا البلد فهي منطقة شبه مضمونة الامطار مناخها حار اغلب ايام السنة، لا نهر فيها ولا جدول، لذا فليس فيها ما يميزها اقتصاديا حتى يطمع الغير فيه. اذن ما الذي يجعل هذه المنطقة محط انظار الجميع؟ قد يقول البعض “البترول”، والبترول موجود تحت ارض العراق كله. ولكن الذي يعطي الميزة لهذه الارض هو الانسان الساكن في هذه المنطقة.

الانسان هو الذي يجعل ارضها خصبة تدر الخير وتوفر الغذاء من حقولها لملايين غيرهم. وهو الذي كان من رواد التعليم في المنطقة فكانت المدارس منتشرة في كل قرى سهل نينوى بينما كانت مدن كبيرة في العراق تغط في جهل مطبق، فانتشر ابناؤها على مساحة العراق الشاسعة من شماله الى جنوبه يعلمون في مناطقه المختلفة واستمرت في ذلك حتى شاع عن المنطقة بعلو كعبها في العلم والثقافة. وكما في العلم كذلك في الاقتصاد ايضا فتفوق ابناؤها في ممارسة الانشطة الاقتصادية الجديدة وتطويرها. اما في العمران فكانت قراهم اشبه ما تكون بالمدن الصغيرة بل تتفوق عليها في بعض فقراته سواء كان قديما أو حديثا فينبهر الزائر اليها بتطورها العمراني الذي يوازيه العقل المتحضر المتقبل لكل شيء جديد فيطاوعه ليصبح ملائما لبيئته، ويعكس ذلك على باقي فقرات الحياة الاخرى كالترتيب والنظافة والنظام والالتزام بالقوانين ولهذا اصبحت هذه البلدات محط انظار الباحثين عن مثل هذه الاجواء التي تفتقدها مدن كبرى للسكن فيها. ولما كان ذلك صعبا عليهم تم اختراقها بقوانين سهّلت من السكن فيها وفقدت جزءا من خصوصيتها مما افقدها تميزها.

في هذا الجانب يحدثني ضابط شرطة عاد الى المنطقة (الحديث قبل داعش) بعد سنوات من خدمته السابقة فيها عن الأمن الذي كانت تتمتع به وتغير يقول كانت الخدمة في المنطقة بمثابة محطة استراحة لنا نحن ضباط الشرطة فلم نكن نشهد مشكلة واحدة طيلة سنوات خدمتنا فيها، ولكن الوضع قد تغير الان حتى باتت الخدمة فيها تؤرقنا لكثرة الدعاوي التي تصلنا يوميا والجو المشحون الذي تعيشه المنطقة بسبب الثقافات المختلفة التي سكنتها.

كان هناك خصوصية لكل بلدة وقرية فيها، هذه الخصوصية جعلت من المسيحي أن يبني حياته ويعيشها بحسب ما يوافق عاداته وتقاليده مما يعطيه المناخ الذي يجعله يبدع فيه وتعود الفائدة له ولمحيطه الجغرافي أيضا وكذا الحال بالنسبة لجيرانه من المكونات الاخرى.

اذن الذي كان يميز سهل نينوى هو الخصوصية التي تتمتع بها كل بلدة وكل قرية فيه، واذا ما انعدمت هذه الخصوصية سيفقدها هذا التميز وستبقى بيئة مكررة لغيرها خصوصا بعد هجرة اعداد كبيرة من مكونها الرئيسي (المسيحيين) الى خارج البلاد.

لذا يتوجب على المسؤولين في الحكومة العراقية أن يعوا خطورة انتهاء الوجود المسيحي في العراق والتحرك سريعا في سن قوانين تدعم هذا الوجود وتحافظ على الخصوصية في المناطق التي يتواجدون فيها بكثافة.