23 ديسمبر، 2024 1:20 م

مستقبل العملية السياسية في العراق

مستقبل العملية السياسية في العراق

انتهى مهرجان الانتخابات العراقية بنتائج أثارت ردود فعل مشككة ضد الفائز نوري المالكي وقائمته “دولة القانون”، تحت عناوين “التزوير الكاسح واستخدام المال والسلطة لجني المقاعد البرلمانية” ولعل ردود الفعل العاطفية لحظة النتائج تبدو طبيعية في جميع الانتخابات في العالم. فكيف بالحالة العراقية حيث يفتقد البلد إلى ثقافة الديمقراطية المدنية، ويختلط العشائري بالمدني، مع ضعف التيار الليبرالي العابر للطائفية رغم أنه بارقة الأمل الوحيدة للخلاص من المرض الطائفي الذي كرسته جميع القوى الناشئة بعد عام 2003.
ويبدو أن هناك مخاطر تهدد العملية السياسية التي بنى مرتكزاتها الحاكم الأميركي بريمر، والقائمة على مثلث “الشيعة والسنة والأكراد” ، وتهدد “التحالف الشيعي الكردي” الذي ظل الظهير الحقيقي لاستمرار العملية السياسية في العراق بعد الظهير الأول وهو الاحتلال الأميركي.

كان متوقعا لعمر العملية السياسية العرجاء أن يكون قصيرا، وحين حاول المخلصون الوطنيون العراقيون من خارج أسوار هذه العملية توجيه النقد لمسيرتها والسعي إلى وضع حلول إصلاحها كانوا يتلقون موجات التشكيك بمواقفهم وبدوافعها. مع أن محاور النقد الوطني كانت ترتكز حول مخاطر المحاصصة الطائفية في الحكم، وعمليات تغييب سياسة التسامح والمصالحة الوطنية والعدالة، وتغليب ثقافة الثأر الطائفي ومنهجها العملي بالإجراءات الحكومية ضد المواطنين العراقيين بحجة انتماءاتهم الفكرية المخالفة للتيار المذهبي الطائفي، وكذلك إشاعة الإقصاء والتهميش لغير المنتمين للمثلث الشيعي السني الكردي.

تفككت البنية التنظيمية للعملية السياسية خصوصا خلال الدورة الثانية لحكم المالكي 2010 – 2014 ظاهريا على وقع أزمتي الأمن والفساد، وكان مركز التفكك من داخل التحالف الشيعي رغم محاولة طرفيه (المجلس والتيار الصدري) التنصل من العملية السياسية والتبرؤ من آثامها التي لحقت بالمواطنين العراقيين، مع أن فكرة التنصل من المسؤولية غير مقنعة للجمهور العراقي ونخبه الثقافية والسياسية، فالجميع كان وما زال مستفيداً من مغانم السلطة، وقصة الفساد المالي والإداري لا تطال طواقم دولة القانون ورئيسها فحسب، بل الجميع من داخل التحالف الشيعي وخارجه. وحزمة الاتهامات والانتهاكات الخاصة بالشراكة السياسية الموجهة نحو المالكي لم تتبلور بشكل موضوعي خلال السنوات الأربع الأخيرة، والجميع يتذكر المصالحات وتبويس اللحى، بل إن السيد عمار الحكيم قاد قبل عدة أشهر مصالحة بين رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء. لكن عقدة الاختلال والتفكك نمت داخل أركان التحالف الشيعي نفسه، لأسباب داخلية تتعلق بمراكز القوى، والشعور بأن المالكي تمّرد على المرجعية السياسية لهذا التحالف الذي ظل محنّطا ولا يمتلك حتى نظاما داخليا يدير شؤونه. ويبدو أن عملية تطويع المالكي لم تنجح، وكانت الآمال معقودة على فشله الانتخابي وصعود أحد الركنين (الأحرار والمواطن) إلى الفوز في الانتخابات، إلا أن النتائج كانت مخيبة للآمال حيث لم يحافظ هذان الكيانان على مستوياتهما السابقة في المحافظات الجنوبية خاصة. فوز المالكي أربك حسابات التحالف الشيعي، وهناك مراجعة لبناء قوة لإسقاطه داخل هذا التحالف تواجه بعناد منه حيث تدعي قائمته أن ترشيح رئيس الوزراء يمكن أن يتم بالاقتراع، ويبدو أنها صيغة مرفوضة لأنها ستكرس فوز المالكي.

الإرباك الخطير هو تفكك هذا التحالف وذهاب طرف منه أو الطرفين المعارضين للمالكي إلى تحالفات خارجه من بين قوائم السنة أو الأكراد. وهذه اللعبة حتى وإن حققت نتائج عددية إلا أنها تضع التحالفات في خيمة وطنية عامة، وقد تكون خطوة نحو إجهاض القوة الشيعية حتى وإن ناورت تلك القوى السنية بأن ترشح شيعيا لرئاسة الوزراء من التحالف (باستثناء دولة القانون) إضافة إلى الأكراد حيث وضع مسعود البارزاني خطا أحمر على ترشيح المالكي.

مناورات أطراف التحالف الشيعي بالتلويح بالذهاب إلى شبكة التحالفات الوطنية ما زالت تطبخ في المطبخ الداخلي، وأمام أعين الجميع خطر انفراط عقد هذا التحالف. ومع ذلك وبغض النظر عن السياسات العامة للمالكي والأزمات الكبرى التي لم يتمكن من حلها في الأنبار وانتهاكات الفساد وغيرها، إلا أنه ما زال يمتلك أوراقا كثيرة داخل التحالف، ولا أحد يستغرب وجود حوارات داخلية لحلول وسط بين التطرف المعلن برفض الولاية الثالثة للمالكي، وبين ضبط جموحه الفردي الذي أزعج بعض القيادات الشيعية ليس لأمر يتعلق بالمواطن العراقي، وإنما لحسابات مراكز القوى السياسية واندفاع آخرين للحلم بمركز رئيس الوزراء، وقد يقبل بشروط السيد عمار الحكيم بعودة رئيس الوزراء إلى التحالف بعد أن يحولوه إلى مؤسسة ذات نظام داخلي تتحكم بمسيرة رئاسة الوزراء، وهو مشروع سيكرس الطائفية السياسية في العراق.

سيناريو الحلول الوسطية هو الذي سيسود، وإذا ما علمنا أن صناعة حاكم العراق منذ 2003 وإلى حد اليوم لم تكن عراقية، وكانت كلمة طهران هي الأولى وما زالت كذلك، إضافة إلى واشنطن المتحالفة مع طهران في الملف العراقي. أما خارج التحالف، فالعرب السنة ولأسباب تتعلق بقياداتهم السياسية لن يحصلوا على أي مكسب في شراكة الحكم، لأن من ادعوا تمثيلهم يسعون للحصول على مكاسب وزارية من هنا وهناك.