23 ديسمبر، 2024 7:19 م

مستقبل العراق هل تحدده إجراءات الحكومة التقشفية؟‎

مستقبل العراق هل تحدده إجراءات الحكومة التقشفية؟‎

ارتباك عالي المستوى في تفسير اجراءالحكومة بتوزيع رواتب الموظفين بين مرة كل أربعين يوما او تأخير لعشرة ايام عند الحاجة وكتاب صدر او لم يصدر وقرار اتخذ او لم يتخذ ونفي المتحدث باسم الحكومة يؤكد ما يريد نفيه حين يقول لا قرار معلن بمعنى هناك قرار غير معلن وبالتأكيد تسابق النواب للدفاع التهريجي عن مصالح الشعب ورسموا خطوطا حمراء سينكشف عمى الألوان الذي سيصيبهم عند تطبيق القرار وسوف نستمتع كثيرا بالبرامج الإخبارية ونحن نشهد سجالا كلاميا بين طرفين احدهما يسعى لتعويق الاخر وكلاهما يدعي الدفاع عن المسحوقين وسوف ننحاز لهذا وذاك ثم نكتشف في غير هذه البرامج وإنما في الواقع ان المع والضد في مأمن من اجراء الحكومة وخرجا بسلام وعادا الى قواعدهم سالمين وان مركب المستضعفين قد اصابه خرق جديد وعليهم ان يستخدموا تعويذة القناعة كنز لا يفنى والرضا بالمكتوب فضيلة والفقر مصنع الرجال.
تسريب الخبر وانزاله بشكل تدريجي و مهاجمة الاعلام لتناوله خبرا بدعوى المغرض ثم يتبن صحته والاختلاف في تفسيره يوضح الاحراج الحكومي ويؤشر لحالة سلبية وهي عدم التعاطي بصدق مع الشعب في القضايا المصيرية ويعود بِنَا الى مربع كنّا نأمل مغادرته او هكذا ظَنَنَّا.
المطلوب من رئيس الحكومة شخصيا ان يتحدث الى الشعب مباشرة وبوضوح في قضية تمس أرزاق الجزء الأكبر منه والمطلوب منه ان يبتعد عن سياسة النفي للشائعات لان الشائعات والأخبار غير الدقيقة والمفبركة تنطلق من جو الغموض واللبس الذي تتبعه الحكومة في تعاطيها مع الشأن الاقتصادي والإيهام بان ان الأمور على خير ليفاجأ كل الناس مراقبين ومحللين بوضع يمهد لإفلاس فمع تأكيدات رئيس الوزراء المتكررة بان العراق دولة غير مفلسة نصبح على حقيقة صادمة ان الحكومة غير قادرة على تسليم الإقليم الكردي ثلثي ميزانيته لغياب السيولة وتلوح بتأخير رواتب الموظفين وفي ذات اليوم يخرج وزير النفط متحدثا عن احتياطي العراق من النفط يصل إلى 200 مليار برميل  ممنيا العراقيين بثروة سمعوا كثيرا عنها ويسمعون ولكنهم لم ولا يروها وربما لن.
ان وضع البلد الاقتصادي بسبب انخفاض الصادرات النفطية المورد الرئيسي للعائدات وانخفاض الأسعار يتطلب من الحكومة القيام بحزمة إجراءات قاسية لخفض الإنفاق وهذه الإجراءات حتى تلقى تأييدا شعبيا او على الأقل تغاضيا شعبيا لانه من الأحلام الوردية توقع التأييد في اي مكان على الارض لهكذا إجراءات.
على الحكومة ان تعمد لخفض الامتيازات التي خلقت فوارق طبقية هائلة حتى بين الموظفين أنفسهم وان تعمد لغلق كثير من السفارات التي لا عمل حقيقي لها سوى كونها مكانا لتوظيف اقرباء ومتعلقي اصحاب المناصب والجاه الحكومي واذكر هنا مثالا اذ عمدت حكومة الدنمارك الى إلغاء سفارتها في العراق ( وليس إلغاء التمثيل إنما غلق المبنى وتقليل الموظفين واعتماد سفير واحد لأكثر من دولة )تقشفا بينما للعراق سفير مقيم حتى في الفاتيكان مع جيش من الملحقيات والموظفين في بقاع شتى ولا داعي للحديث عن دور هذه السفارات وخدماتها المتواضعة.
على الحكومة ان تعمد الإيقاف لسياسة الايفادات احد أوجه الفساد وعلى الحكومة ان تقلل من سفر أعضاء الكابينة غير المجدي في كثير الأحيان وعلى الحكومة إلغاء جيش الحمايات الفضائي للنواب والوزراء واصحاب الدرجات الخاصة التي اثبتت التجربة انهم غير قادرين على حماية أنفسهم فضلا عن المفترض حمايته ولكم فيما جرى للنائب المختطف المخلوع قضائيا عبرة.
أوجه الصرف الباذخ وغير المبرر كثيرة والحكومة ادرى بها من غيرها وهي اكبر بكثير حتى مما يتداوله الاعلام رغم ما يبدو من تهويل احيانا.
على الحكومة ان تختار الاصطفاف مع الشعب وان تبدأ بنفسها بقسوة التقشف لتضمن عدم تخلي الشعب عن سائر العملية السياسية في وقت حرج مصير العراق باكمله ككيان مهدد لا بصعوبات جمة بل بأصل الوجود.
هذه الحكومة هي فرصة اخيرة وجاءت كقبلة حياة لعملية اوشكت على الانهيار بسبب سياسة فاشلة لسابقتها اوشكت ان تنهي وجود بلد باكمله وعلى رئيس الحكومة ان يعي انه في موقع اكبر من كونه رئيسا لحكومة بل هو قد وضع بدون اختيار منه في موقع قائد بمنعطف في تاريخ العراق وعلى وقع خطواته سيتحدد مصير شعب و وطن لأجيال عديدة وكثيرة وسيتحدث التاريخ كثيرا عن هذه اللحظة الحاسمة التي تضعنا بين خيارين اما الهزيمة امام بربرية جديدة او الوقوف على منصة الصعود الحضاري والايام ستحكم بما اختاره لنفسه وشعبه و وطنه ونأمل بصدق له الخيار الثاني لانه يملك كثير من المؤهلات التي تضمن له ذلك ونعي جدا صعوبة الخروج من سياق فرضته طبقة واسعة من سياسيين يبحثون عن إمارات صغيرة لذواتهم ولا يبحثون عن وطن يتسع الجميع.