19 ديسمبر، 2024 12:13 ص

مستقبل العراق في ظل الهيمنة الأمريكية

مستقبل العراق في ظل الهيمنة الأمريكية

أمريكا التي كانت بارعة في ابتكار مرتكزات الإرهاب في المنطقة الأكثر خطورة وحساسية على المصالح الامريكية وحلفائها، ودعمها وتشجيعها ومدّها بالسلاح والمال، وكذلك الدعم الإعلامي من خلال قنواتها العربية والعبرية، من تنظيم القاعدة، إلى التوحيد والجهاد في بلاد وادي الرافدين، إلى داعش وأخواتها، أمريكا تعي خطورة ماتفعل وما تخطط، وهي بالمقابل تضع مصالها بين كفتي ميزان، بين الأصدقاء والحلفاء والمصالح المؤقتة والمصالح الدائمة، لذلك لم تقم أمريكا بخطوة واحدة، اتجاه بغداد حين كانت كل المؤشرات تشير إلى خطورة الوضع العراقي بعد يوم 10 حزيران، حين اجتاحت عصابات داعش وحلفائها محافظة نينوى، وخلال أيام كانت تتمدد إلى محافظات اخرى، مثل كركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى حتى أصبحت قريبة من مشارف بغداد، كانت أمريكا تبدو كأنها مغيبة عن المشهد العراقي، وحينما حاولت الحكومة الإستعانة بايران وروسيا وحاولت استعادة رباطة الجأش وخصوصاً بعد الفتوى الشهيرة لسماحة المرجع الاعلى السيستاني، ظهرت أمريكا تولي بعض اهتمامها للوضع العراقي، وبدا تدخلها سافراً وبطريقة سلبية، حينما اتخذت ادارتها الكثير من المواقف المتضاربة وغير المتزنة، فهذه الإدارة مرة تلقي اللوم على المكون السني لأنه لم يكن متعاوناً مع الحكومة العراقية خلال السنوات الماضية على حد قول الرئيس اوباما، ومرة أن الحكومة لم تكن تنظر بعين العطف إلى هذا المكون، ثم بدأت بفرض حزمة شروط، على الحكومة لقاء تقديم المساعدة كان الغرض منها تحجيم الدور الإيراني والروسي في العراق، وربطت كل ما ستقدمه من مساعدة بتشكيل حكومة جامعة لأطياف الشعب العراقي، وكانت المعارك تجري على قدم وساق في أكثر من مكان، وأمريكا مازالت بموقف المتفرج، فهي الممسكة بكل حبال اللعبة، ولم يكن يهمها الخطر الذي تمثله داعش على العراق أو العاصمة بغداد، وحين بدأت قوى الحشد الشعبي والجيش الوطني يستعيد المبادرة ويمسك من جديد بالأرض، بدأت امريكا أيضاً تفكر جدياً في التدخل بالعراق، وكانت الفرصة سانحة لها بعد ان غيرت داعش بوصلة الهجوم والامتداد من الجنوب إلى الشمال، في آب 2014 وبدات تقترب من من المدن العراقية في كوردستان العراق مثل اربيل وزاخو، بعد ان اجتاحت الكثير من المدن والبلدات والقرى ذات التنوع السكاني والقومي والمذهبي في سنجار وتلعفر وشردت وقتلت الالاف، فبدأت بارسال مئات المستشارين لتقيّم الوضع، رغم مرور أكثر من شهرين على القتال، وتحركت طائراتها بضرب معاقل داعش المحيطة بالمناطق الكوردية، لتخفيف الضغط على مدن كوردستان، ونجحت في ايقاف زحف داعش على شمال العراق، لكن هذا الدور ظل هامشياً في المناطق الأخرى من العراق التي كانت تشهد القتال بين تلك العصابات والقوات الحكومية، وذلك أيضاً جزء مهم من الحسابات الأمريكية في المنطقة، فليست المصالح كلها متشابهة هنا وكذلك ليست بكل تلك القيمة التي تعرفها أمريكا، فالوضع العراقي بعد أكثر من 10 سنوات من التغيير بدا وكأنه يدور في حلقة مفرغة، بعد أن عملت أمريكا على خلط الاوراق بين الفرقاء، وأضعفت مؤسسات الدولة وجعلتها رهينة لإرادتها، من خلال مشاريعها التقسيمية، ودعم جهة وطرف على

حساب طرف آخر، وعدم الايفاء بتنفيذ عقود التسليح المبرمة بين وزارتي الدفاع الأمريكية والعراقية، وكذلك التنصل من بنود الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين الحكومتين العراقية والأمريكية، والتي تضمن من خلالها أمريكا أمن وسيادة العراق ضد أي عدوان خارجي، كل هذا لا يهم أمريكا ولا يعني لها من شيء مقابل مصالحها الحيوية، والأطراف التي تحقق لها تلك المصالح، لذلك فأمريكا إلى الان لم تحدد مع من ستكون وجهتها، وحتى حينما أراد الرئيس أوباما تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش، فأنه حرص على أن يكون حلفائه هم من نفس الأطراف التي دعمت داعش، وروّجت لمشروعها التخريبي والطائفي سواءاً في سوريا او العراق، واليوم وبعد مرور شهور طويلة من بدأ التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في العراق وسوريا، من حربه على داعش، تبدو الصورة بعيدة عن الواقع، وبوجود أكثر من 61 دولة متحالفة مع أمريكا لحرب داعش مازالت داعش تصول وتجول هنا وهناك، وتحاصر المدن في الانبار، وترتكب المجازر ضد السكان المدنين العزل، فأين هو التحالف الدولي! وأين طيرانه ومستشاريه مما يحدث على الأرض، وأين منه أيضاً تلك الطائرات مجهولة الهوية التي تخترق أجواء العراق، لتحمل المساعدات والسلاح لداعش وفي أكثر من مكان، دون أن تتعرض لها قوات التحالف أو تتعرف عليها وعلى هويتها.

إن سياسة أمريكا المتذبذبة في العراق، والتي بالتأكيد لن تضمن مستقبله ولا مصالحه، مع الدعوات المتكررة هنا وهناك، من أصوات نشاز تدعوا إلى تقسيم العراق وعزل مناطقه عن بعضها، بحاجة ماسة إلى مراجعة وإعادة تقيم، من الساسة الذين بيدهم القرار السياسي والعسكري، وإلا فأن الامور هنا ستسير من سيء إلى أسوء.