لم تعد طبيعة الصراع في العراق خافية على أحد, فأصل الصراع الآن هو بين القوى الاستكبارية الأمريكية وقوى التوسع الإمبراطوري الإيرانية, فكلاهما يعملان من أجل بسط النفوذ التام على بلاد الرافدين, وقد نجحت إيران ومنذ سنوات بالهيمنة على العراق سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً وفي كل النواحي الأخرى خصوصاً بعد عام 2011 أي بعد توقيع الإتفاقية الأمنية بين حكومة المجرم المالكي وحكومة الإحتلال الأمريكي, الأمر الذي أتاح لإيران بأن تتحرك بشكل أوسع وأكبر من ذي قبل, وتسلمت زمام الأمور في العراق حتى بات بمثابة محافظة أو إقليم تابع لها.
هذا الأمر لم ينل إعجاب الأمريكان, لذلك بدؤوا بالسعي لقلب الموازين السياسية في العراق وخصوصاً في الأشهر القليلة الماضية, مستغلين في ذلك فساد الحكومات العراقية وكذلك الأزمة الأمنية وتواجد تنظيم داعش الإرهابي والى جانبه التوسع الواضح لمليشيا الحشد التي تشكلت بفتوى السيستاني والتي أخذت تخدم المشروع الإيراني التوسعي بشكل معلن في العراق وحتى خارج العراق, حيث إن تلك المليشيات الآن تنفذ أوامر إيرانية في سوريا, وكذلك أصبحت لسان إيران الناطق في العراق وتبعث برسائل تهديد للدول العربية المعروفة بتوتر علاقاتها مع إيران ومن أبرزها المملكة العربية السعودية.
هذه الأمور وغيرها دعت أمريكا للتدخل بالعملية السياسية العراقية بشكل مباشر وعلى مستويين, عسكري وسياسي, من أجل استعادة هيمنتهم وإحتلالهم للعراق والتفرد به بعيداً عن غريمها التقليدي إيران, فمن الناحية العسكرية بدأت بإرسال قوات عسكرية إلى العراق كالفرقة العسكرية (101) مئة وواحد المجقولة والتي أخذت تؤدي مهام ضد عناصر مليشيا الحشد التي تشكلت بفتوى من المرجع الإيراني السيستاني المقيم في العراق, بالإضافة إلى القوات العسكرية المتواجدة في قاعدة عين الأسد وفي معسكر الحبانية والمنتشرة في المناطق الغربية وفي الموصل وكذلك في المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد, خصوصاً وإن بعض تلك القيادات السياسية هي تمثل قيادات للعديد من المليشيات الإيرانية الناشطة في العراق, بالإضافة إلى إن القوات الأمريكية – بحسب تقارير وكالات إعلامية – إنها أصدرت أوامر لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بحل مليشيا الحشد وكذلك إصدار أوامر إلقاء قبض بحق بعض قيادات تلك المليشيات.
أما من الناحية السياسية, فقد بدأت أمريكا بالعمل على تصفية الشخصيات السياسية المرتبطة بإيران والمشتركة بالعملية السياسية في العراق, حيث أصدرت قائمة بإحدى وسبعين شخصية سياسية سيتم استبعادها من المشهد السياسي, كذلك تقديم العديد منها إلى المحاكم العراقية والدولية بتهم الفساد ودعم الإرهاب, هذا من جهة ومن جهة أخرى وبحسب مصادر إستخباراتية وإعلامية مسربة تشير إلى أن حكومة البيت الأبيض الأمريكي تُعد العدة لإطلاق مشروع ” حكومة إنقاذ وطني لمدة عام ” حيث يقوم هذا المشروع على أساس حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة مؤقتة متكونة من شخصيات عراقية ذات جنسية أمريكية كعماد الخرسان وآخرين ممن عملوا تحت إدارة ” بول بريمر ” الحاكم المدني الأمريكي السابق في العراق.
ومن أجل الحصول على مقبولية جماهرية وسياسية لهذا المشروع وضمان عدم حصول أي معارضة ورفض له, لجأت أمريكا لرجلها المعتمد في العراق وهو السيستاني الذي ساندها سابقاً في عام 2003 م عندما أصدر فتوى ” حرمة مقاتلة المحتل ” وكذلك فتوى ” وجوب تسليم سلاح المقاومة لحكومة الإحتلال ” وبالفعل قام السيستاني بالترويج لهذا المشروع الأمريكي محركاً أحد أبواقه في محافظة كربلاء ” محمد الهنداوي ” ليدعي و يقول إنه سمع من مصادر موثقة ومقربة من السيستاني انه يدعم ويدعو لمشروع ” الإنقاذ الوطني”.
فهل ياترى يمكن لهذا المشروع صادر من جهات أسست للفساد والمفسدين وسياسة المحاصصة الطائفية وغيرها من إفرازات كانت سبباً في معاناة العراقيين أن يخدم العراقيين ويكون هو الحل الأمثل للأزمة السياسية التي جرت الويلات على العراق؟ خصوصاً وإنه جاء بطريقة إلتوائية ومفبركة وغير علنية وغير شجاعة !!, فبحكم العقل والمنطق ستكون نتائج هذا المشروع سلبية في العديد من النواحي وستزج البلد في متاهة أخرى, لذلك يجب أن يكون الحل الأمثل هو تبني مشروع وطني عراقي قائم على إستئصال الأسباب الرئيسية التي أوجدت تلك العملية السياسية الطائفية الفاسدة الفاشلة.
وإننا نجد إن ” مشروع خلاص ” الذي طرحه المرجع العراقي الصرخي وسبق فيه الجميع بتاريخ 9 / 6 / 2015م هو المشروع الوطني الحقيقي الذي فيه ضمان عبور العراق وشعبه إلى بر الأمن والأمان ونجاح العملية السياسية في العراق, والذي اتسم بالموضوعية ودقة التشخيص والشجاعة في الطرح من أجل إستئصال الغدد السرطانية التي نخرت بجسد العراق, ومن أبرز ما جاء في هذا المشروع الوطني …
{{… 1ـ قبل كل شيء يجب أن تتبنّى الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً شؤون العراق وأن تكون المقترحات والقرارات المشار إليها ملزمة التنفيذ والتطبيق .
2ـ إقامة مخيّمات عاجلة للنازحين قرب محافظاتهم وتكون تحت حماية الأمم المتحدة بعيدةً عن خطر الميليشيات وقوى التكفير الأخرى .
3 ـ حلّ الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة خلاص مؤقتة تدير شؤون البلاد إلى أن تصل بالبلاد إلى التحرير التام وبرّ الأمان .
4ـ يشترط أن لا تضم الحكومة أيّاً من المتسلطين السابقين من أعضاء تنفيذييّن أو برلمانييّن فإنّهم إن كانوا منتفعين فاسدين فلا يصحّ تكليفهم وتسليم مصير العباد والبلاد بأيديهم وإن كانوا جهّالاً قاصرين فنشكرهم على جهودهم ومساعيهم ولا يصحّ تكليفهم لجهلهم وقصورهم ، هذا لسدّ كل أبواب الحسد والصراع والنزاع والتدخّلات الخارجية والحرب والإقتتال .
5- يشترط في جميع أعضاء حكومة الخلاص المهنية المطلقة بعيداً عن الولاءات الخارجية ، وخالية من التحزّب والطائفية ، وغير مرتبطة ولا متعاونة ولا متعاطفة مع قوى تكفير وميليشيات وإرهاب .
6- لا يشترط أي عنوان طائفي أو قومي في أي عضو من أعضاء الحكومة من رئيسها الى وزرائها .
7- ما ذكرناه قبل قليل يشمل وزيرَيْ الداخلية والدفاع ويجب تشكيل منظومة عسكرية جديدة تمتاز بالمهنية والوطنية والولاء للعراق وشعب العراق ولا يوجد أي تحفّظ على المنتسبين لها سواء كانوا من ضباط نظام سابق أو نظام لاحق ماداموا مهنيين وطنيين شرفاء .
8- في حال قبول ما ذكرناه أعلاه فأنا على إستعداد لبذل أقصى الجهود لإنجاح المشروع من خلال حث الأبناء والأخوة الأعزّاء من رجال دين وعشائر وشيوخ كرام وعسكريين وخبراء وأكاديميين ومثقفين وكل العراقيين الباحثين عن الخلاص ، نحثّهم للإلتحاق بالمشروع واحتضانه وتقديم كل ما يمكن لإنجاحه .
9- لإنجاح المشروع لابدّ من الإستعانة بدول وخاصة من دول المنطقة والجوار ولقطع تجاذبات وتقاطعات محتملة فنقترح أن تكون الإستفادة والإستعانة من دول كالأردن ومصر والجزائر ونحوها .
10- إصدار قرار صريح وواضح وشديد اللهجة يطالب إيران بالخروج نهائيا من اللّعبة في العراق حيث أنّ إيران المحتل والمتدخّل الأكبر والأشرس والأقسى والأجرم والأفحش والأقبح .
11- في حال رفضت إيران الإنصياع للقرار فيجب على الأمم المتحدة والدول الداعمة لمشروع الخلاص أن تُجنِّب العراقيين الصراع فتؤمِّن مناطق آمنة محميّة دولياً يعيش فيها العراقيون تحت حماية ورعاية الأمم المتحدة ، ونترك جبهة قتال مفتوحة ومباشرة بين إيران والدولة الإسلامية (داعش) يتناطحان ويتقاتلان فيها ولتكن (مثلاً) محافظة ديالى وليستنزف أحدهما الآخر وننتظر نتائج القتال وفي حينها سيكون لنا قرار وفعل مع من يبقى منهما ، فنحن غير مستعدّين أن نجازف بحياة أبنائنا وأعزائنا بحثّهم على دخول حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل بل كل الخسارة والهلاك علينا فلا نرضى أن نكون حطباً لنيران صراعات قوى محتلّة غاصبة طامعة في خطف العراق واستعباد شعب العراق ..}}.
على الرغم من إن المشروع الأمريكي ومن حيث الإطار العام مستنسخ عن مشروع خلاص الذي طرحه المرجع العراقي الصرخي, لكن يبقى الخلاف في جوهر المشروع, فما يريده الأمريكان سوف يرجع العراق إلى المربع الأول والى المشهد السياسي بعد عام 2003, أما مشروع خلاص الذي طرحه المرجع الصرخي قائم على أساس استئصال كل الأطراف المشتركة بالعملية السياسية الحالية بكل توجهاتها وإنتمائها المذهبي والدولي, فلا يوجد فيه ركون للمحتل الأمريكي ولا الإيراني بل الاستعانة بمنظمة الأمم المتحدة والدول العربية, بشكل يضمن عدم عودة أي محتل أو شخصيات تدين بالولاء لهذه الدولة الاستعمارية أو تلك التوسعية.