23 ديسمبر، 2024 10:20 ص

مستقبل العراق بين الأغلبية (الوطنية ، والسياسية ، والدستورية)

مستقبل العراق بين الأغلبية (الوطنية ، والسياسية ، والدستورية)

برز في انتخابات عام 2018 مشروعان لعلاج الإخفاق السياسي والحكومي وهما :
الأغلبية السياسية
1. خصائص وتعريف الأغلبية السياسيـّة
ما نستفيده من كلمات القوم وتصريحاتهم وبياناتهم وإعلامهم عن مشروع الأغلبية السياسية : هي حكومة يتمّ تشكيلها من قبل أطراف (سنيـّة وشيعيـّة وكرديـّة) متّفقة على برنامج واحدٍ ، وبموجبه يذهبون إلى البرلمان لتشكيل الرئاسات الثلاث ، ومن ثمّ تشكيل الحكومة ، ويبقى هذا الاتفاق الحكومي ساري المفعول إلى آخر عمر الحكومة فيما بينهم ، كوثيقة عمل تتناول جميع جوانب إدارة الدولة سياسيـّا وأمنيـّاً واقتصاديـّاً وغير ذلك ، ويشترط في هذا المشروع ما يلي:
(أ). أن يكون مجموع أصوات الأطراف المتّفقة يصل إلى 165 من مجموع مقاعد البرلمان.
(ب). أن لا ينظر أيّ طرف إلى حصّته قبل النظر إلى حصّة الوطن ، التي تقرّها الوثيقة المتفق عليها ، وهي تشكّل وثيقة شرف وطنية لبرنامج حكومي ، كمشروع يُنهي الفساد المالي ، والإداري ، والمحاصصة ، والترهّل ، و التعطيل في تشكيل الدولة ويعطي كلّ ذي حقّ حقّه.
2. الأسئلة بخصوص مشروع الأغلبية السياسيـّة :

المواطن والنخب العراقية تَطرح العديد من الأسئلة حول هذا المشروع ؛ بسبب عدم وضوح الرؤية لديها في النقاط التالية :
(أ). كيف ، وما هي آلية التوصّل إلى الأغلبية السياسيـّة «عدديا» في ظلّ هذا التشظّي ، وكثرة عدد القوائم المشتركة في الانتخابات ، والانشطارات التي تحصل فيما بعد .
(ب). على فرض الوصول إليها عدديـّاً ، كيف يتمّ الوصول إليها «تفاهميـّاً» ، فهل مجرّد تحقق العدد يكفي للاتفاق على صفقة الرئاسات الثلاث ، ويكفي لتشكيل الحكومة ، والآخرون سنّةً وشيعةً وكرداً يذهبون إلى المعارضة البرلمانيـّة بكلّ سلام وتسليم أم أنّ ليـّاً للأذرع سيحصل ، ثمّ النزول إلى الشوارع ، والإرباك السياسي والمشادّات والخصومات (شيعيّ – شيعيّ)، و(سنّي- سنّي) ، و( كرديّ – كرديّ) ثم (شيعي – سنّي )و(كرديّ – شيعيّ …الخ ؟. وهكذا تعود عجلة الخلافات المعطّلة إلى كلّ الدولة والحكومة ، أم أنّ هناك آليةً تمّ الاتفاق عليها أو العمل عليها لاحقاً ؟ .
هذا ما لا نفهمه ممّن يطالبون بالأغلبية السياسية على كثرة المتابعة لكلماتهم سيّما وأنّ مشروع القوم يتّصف بالخطابية ، متمنين منهم أن يطلعوا جمهورهم إيضاح الأمر بدقةٍ ، خصوصا فيما يتعلّق بمخرجات المشروع عملياً .
(ج). مَنْ يقول إنّ هؤلاء الذين يتمّ الاتفاق معهم لتشكيل الأغلبية السياسية أنّهم منزّهون ، وسوف لا يدافعون عن أيّ فسادٍ أو أنّهم سوف لا يشكّلون أيّ عائق للحكومة في أيّ قرار من مقاطعةٍ أو تمرّد أو خلافٍ ، ولم نجد في تاريخ العراق منذ عام 2003 إلى الآن في أيّ حزب أو مكوّن هكذا توافق أفلاطوني فكيف نفترضه للحلفاء الجدد في الأغلبية السياسية ؟.
(د). مَنْ يقول إنّ التحالف الشيعي يؤهّلكم إلى تصدر الموقف الحكوميّ لتنطلقوا إلى حوار الأحزاب من المكوّنات الأخرى ؟.

ونفس الكلام ينطبق على مدّعي الأغلبية الوطنية ، ومن المؤكّد أنّ هكذا مشروع يحتاج إلى قاعدةٍ سياسيةٍ عريضةٍ ، ولا يكفي في تحققه طرفٌ من باقي أطراف خمسة في المكوّن الشيعي يمكنه النهوض به.
هـ). إنّ مدّعي الأغلبية السياسية كان في غاية قوّته السياسية يوم كان يسند ظهره إلى أكبر تحالف ، مع هذا لم يتمكّن من بناء حكومة الأغلبية السياسية ، خصوصا أنه طالب بها منذ عام 2010م وربّما ما حصل من تدهورٍ ونزولٍ إلى الشوارع ومعارضات وساحات الاعتصام من الأطراف الأخرى كانت مؤامرات لها مَنْ يحرّكها ضدّ هذا المشروع ومتبنيه ، فكيف يمكنه تبنّيه ونجاحه مع هذا التشتت الحاصل في الصّفّ الشّيعيّ؟ .
(و). لماذا لا يتّضح إلى الآن مَنْ هي الجهات والأحزاب – من جميع المكوّنات – التي تؤمن بهذا الأمر بعمقٍ ، وتؤمن بالعمل عليه كمشروع وطني منقذ للجميع ، فهل الأمر طيّ الكتمان أم أنّ الحوار فيه مؤجّل أم ماذا ، ثم ماذا ، لا ندري ، فالله تعالى أعلم وأدرى؟
ثانيا – الاغلبية الوطنية.

1. خصائص ومبررات الأغلبية الوطنية :
أيضا ما نستفيده من كلمات القوم وتصريحاتهم وبياناتهم وإعلامهم عن مشروع الأغلبية السياسية هي أنه مشروع لتشكيل الحكومة وفق برنامج تتفق عليه القوى الأساسية في الحكم والتي يشكّل دخولها القدر المتيقن من المكوّنات «عدداً وتأثيراً » ، وبطبيعة الحال ستكون الانتخاباتُ الحكمَ الفيصل في تحديد الحزب الأكبر والممثل للمكوّن ، ومن مبررات التوجّه إلى هذا المشروع ومحاسنه ، هي :
(أ). يمكن أن يكون دخول هذه القوى الأساسية على رؤية وطنية وتقارب سبباً لتخفيف التوتر ، وتسهيل ولادة الحكومة والرئاسات الثلاث ، ويسهل عمل الحكومة ، ومن المؤكّد أنّهم يشكّلون النصف زائدا واحد ، حسب المدّعى.
(ب). من الوارد أن تكون هناك محاصصات في البين ، ولكنها أمر طبيعي سيّما أنّ مدّعي الغالبية السياسية لا يدّعي تنازل أيّ مكوّن عن حصّته في الحكم ، بل غاية ما يدّعيه هو أنّ الآخر أعني متبنّي مشروع الأغلبية السياسية ، يُدخل معه في الحكم من يتفق معه على مشروعه ، بينما مدّعي الأغلبية الوطنية يحاول استيعاب الآخر ، وإنْ اختلف معه في الرؤية السياسية ؛ حتى لا يدفع به إلى المعارضة والتوتر .
2. الاسئلة بخصوص الأغلبية الوطنية
(أ). هل أنّ الحوار والتفاهم مع هؤلاء والاشتراك معهم له أُسسٌ وفق الدستور وثوابت الدولة العراقية ممّا يعني استبعاد النماذج التي ترفع من سقوف مطالبها والتي تتجه بالعملية السياسية إلى نهاياتٍ خطرةٍ ضدّ أُسس الدولة العراقية ؟. أم أنّنا نمضي إلى تأسيس دولة مترهّلة لمجرّد حصول الحدّ الأدنى من الانسجام غير الواقعي , فمدّعي الأغلبية السياسية يجعل الدستور ، والاتفاق على البرنامج السياسي مسطرةً للاتفاق بين جميع أطراف حكومة الأغلبية السياسية , وسلامة الدولة أساساً للتحالف الحكوميّ ، ويمنع أيّ مطالبات تخلّ بمشروع الدولة وثوابت العملية السياسية ، فهل أنّ مدّعي منهج الأغلبية يضع أسساً وضماناتٍ بموجبها يتمّ الاتفاق مع الأطراف الأخرى أم لأجل الاتفاق يمكن التساهل في أُمور عدّة أو إبقائها سائبة ؟ .
(ب). بعد التسليم بقبول خيار المحاصصة في كلّ الفروض : في افتراض مشروع الأغلبية السياسية ، وفي مشروع الأغلبية الوطنية ، فهل سيتمّ اشتراط المسؤول الأفضل من جميع المتحالفين ، والاتفاق على وحدة الدولة ، وعدم خرق الدستور ، والاستعداد لمحاسبة كلّ مقصّر وفاسد مهما كان ؟؟ . وهل يكون مشروع الجميع البناء للدولة وإسناد الحكومة ومواجهة الإرهاب ؟ حتّى يتمّ إنتاج حكومة بناء لا حكومة إرضاء ؟ .
(ج). كيف افترضتم أنّ القوم جادّون في الدخول في الحكومة وفق مشروع الأغلبية الوطنية ، والحال لو كانت لديهم ثمّة جدّية لدخلوا معكم في التحالف الانتخابي يوم فتحتم كلتا ذراعيكم لهم لبناء تحالف انتخابي وطني بيد أنّهم لم يدخلوا ؟.
(د). مَنْ يقول إنّ السنّة سيبقون كتلة موحّدةٍ ، وأنتم تتحالفون – حسب الفرض – مع الكتلة الكبرى عدداً والاهمّ تأثيراً – وقد عوّدتنا الأيّام السابقة والتجارب الماضية على انشطارهم بعد إعلان نتائج الانتخابات بحثاً عن مصالحهم الشخصية والحزبية أُسوة بباقي الأحزاب ؟
(هـ). في حال تفكك التحالفات السنّية – وهو أمرٌ واردٌ – فإنه من الطبيعي أن يقال قد انتهى المعيار الذي يعمل به مدّعو الأغلبية الوطنية – وهو التعامل مع الكتلة الكبرى والأهم تأثيراً – فانّ الانشطار لا يبقي أكبر ، بل يبقي أجزاء وأحزاب مفككة يصعب ايجاد الكتلة الكبرى منها ، والتي تمثّل مكوّنها ، وبهذا سوف يضطر أصحاب مشروع الأغلبية الوطنية إلى الاتفاق مع أيّ حزب من المكوّنات الأخرى صغيراً كان أم كبيراً مادام يمكنه أن يشكّل معه النصف زائد واحد ، ووفق تلك النتيجة يتساوى أصحاب الأغلبية السياسية مع أصحاب الأغلبية الوطنية في التعاطي مع المكوّنات الأخرى ، وكلاهما بالنتيجة سوف يكون سبباً لتضعيف الموقف الشيعيّ؛ لأنهم سبب لظهور تجربتين شيعيتين غير منسجمتين.
(و). إنّ مدّعي الأغلبية الوطنية يطرح المشروع وهو يبني على أنه «مشروع الإمكان»، أي المشروع الذي بموجبه يمكن تشكيل الحكومة ، وعدم تأزم المواقف ، بينما الذي يطرح مشروع الأغلبية السياسية يبني على أنه «مشروع الانسجام»، أي أنه المشروع الذي ينهض بحكومةٍ منسجمةٍ نوعاً مّا ممّا يعني أنّ كليهما بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الانضاج والحوار وتعميق التحالف وتثبيت الأسس .
ما ذكرناه هي رؤيتنا وفهمنا لكلام الطرفين وخطاباتهم ، وقد تكون رؤيتنا غير دقيقة ، غاية الأمر هي محاولة لفهم ما يُطرح في الساحة السياسية مع الأمل في أنْ يتصدّى الكتّابُ من كلا الطرفين لإيضاح المفاهيم للمواطن العراقي الذي سينتخب على أساس فهمه لهما ، وأيضا من الأهمّية بمكانٍ الإجابةُ عن الاشكالات والتساؤلات التي تتبادر إلى أذهان المواطنين التي قمنا بنقل البعض منها .

الاغلبية الدستورية.
وحسب فهمنا – كمركز بحثيّ- للغطاء الدستوري لحراك تشكيل الحكومة بعد الانتخابات نرى أنّه لابدّ من الأغلبية الدستورية . وهنا نقاط:
(أ). الأغلبية الدستورية وهي التي تعتمد أسس الدستور في تكوينها الذي ينصّ على أنّ الحكومة تشكّلها الكتلة الكبرى بعد الانتخابات – حسب تفسير المحكمة الدستورية – عام 2010 م إثر الاشكال المعروف ، وعليه ما لم تلتئم القوائم الشيعية بعد الانتخابات – حسب الرؤية الأولية لعدد المقاعد التي تحصدها كلّ قائمة من القوائم الخمس الشيعية فإنّها لا تتمكّن من تكوين كتلةٍ كبيرةٍ قادرةٍ على فتح الحوار مع المكوّنات الأخرى لإكمال النصاب .
ومن البعيد – حسب المنطق الدستوريّ – بمكان أنْ تتمكّن أيّ قائمة أو قائمتين من ذلك فلابدّ من انسجامٍ وتوحيدٍ والتئامٍ عدديٍّ لثلاث قوائم كبيرة في الحد الأدنى وحال توحّدها فإنّها تكون قد انجزت المهمّة الدستورية في تكوين العدد ، ومن الطبيعي أنّ هذا الالتئام والتوحيد للبيت الشيعي الممهد إلى إكمال النصاب يتضمّن الاتفاق على البرنامج الذي يكون وليد مطبخٍ شيعيٍّ موحّدٍ .
(ب). إنّ أيّ خيار من الخيارين المذكورين :«الأغلبية السياسية والوطنية » لا يمكن أن يرى النور ويتحقق إلّا بهذا بشرطِ دستورية العدد ، والذي يتعذّر تحصيله حال عدم الاتفاق والتوافق والتحالف بعد الانتخابات بين الفرقاء الشيعة ، وعليه يكون طرح موضوعة البرنامج متأخّراً عن موضوع العدد الشيعي ّالممهد للنصاب بموجب التفسير الدستوريّ .
(ج). وعليه فإنّ الخطوة الأولى بعد الانتخابات وقبل طرح المشاريع التي تأتي رتبة متأخّرة هي أن يتمّ بناء قاعدة تحالفيـّة شيعيــّة «عددا وبرنامجاً» ، ثمّ تنطلق هذه القوى المتحالفة المتفقة الى طرح المشروع المتفق عليه على المكوّنات الأخرى سنّيةً وشيعيةً حينها تجد المكوّنات الأخرى أنّ ثمّة واقعاً سياسياً عليهم الايمان به ، والسير خلفه والانسجام معه , أما حينما يجدون عددا من المشاريع المختلفة المتضادّة فإنهم ينشطرون بانشطارها ، وربّما منهم من ينفذ من خلالها , سيّما أنّ انشطارهم يمنع اكتمال العدد دستوريـّاً «والعاقل يفهم».
وبهذا يمكن الحكم على المشروعين : «الأغلبية السياسية والوطنية » أنهما ولدا ليُلغي بعضهما البعض ما لم يحصل اتفاق لإعادة التحالف الوطني كقاعدة عددية ممهّدة لإكمال النصاب كشرطٍ دستوريٍّ أساس ويتضمّن الاتفاقَ على مشروعٍ موحّدٍ وإلّا فإنّ تلك المشاريع لا تتوفّر لها ظروف النجاح ؛ لأن النجاح يبدأ من وحدتنا في البيت الشيعي {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [سورة يونس 10: 87].