23 ديسمبر، 2024 12:39 ص

مستقبل التبليغ الديني

مستقبل التبليغ الديني

مع إزدياد مساحة الفكر والسؤال؛ أزدادت مساعي التواصل والإيصال للفكرة والمعلومة والبحث والردود. فلكل جيل أسلوبهُ وطريقته في التفكير أو بالأحرى (الحاجة الى التفكير).

نشأة التبليغ كانت مزامنةً لحاجة الناس لفهم النص الديني الجديد، والبحث عن الأسئلة التي تشغل فكرهم حول تقبلهم للوضع المرتقب والتكييف مع الدين. فنشأ التبليغ بدايةً وفق “المستوى الذهني” والفكري والحاجة لمجتمع معين وهو مجتمع الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي.

المبلغون الأوائل: جعفر أبن أبي طالب، علي أبن ابي طالب، عبد الله أبن مسعود، معاذ أبن جبل وآخرون قد أستخدموا طريقة التلقين والحفظ في أيصال المعلومة الدينية وأحياناً المحاججة في حال وجود أستشكال عقلي يوجب المناظرة . ولأن الجزيرة أنذاك لم تكن على دراية كافية بفكرة التوحيد والمناجزة بالفلسفة التوحيدية لذلك لم يلجأ المبلغون الى أساليب متعددة للأقناع والمحاورة.

أستمر الحال بالتوارث للموروث كما هو التفسير والفقه والنص التاريخي أستقبل المسلمون الاول والثاني للهجرة راية التبليغ كما هي؛ وعملوا على التلقين وأزادوا في العدد والمساحة حتى شملت البحر والمحيط، ولكن هنا بدأ الحال يتغيير!

حينما وطأت اقدام العرب العراق وفارس وأرض الهند وأسبانيا بدأت الطريقة تختلف تبعاً للمكان وساكنوه .. حيث تحولت مسألة الدعوة بين اقناع الفرد لتوحيد ربه الى أقناع الجماعة للعدول على جماعة آخرى لفهم توحيد الرب! فالمسيحية بكينونتها وهيكليتها وفلسفتها ومفكريها لم تكن عاجزةً عن مناقشة الاسلام ودعواه. بل أنطلق السجال الفكري والعقلي وتفجرت الكتابة والردود والمناظرات وأنتجت تلك الحقبة أعلاماً لحركة الفكر الأسلامي أبتداءً من التوحيدي والغزالي الى أبن رشد والفارابي وآخرون.

تحول التبليغ من المعلم الملقن الأشبه بالكتاتيب الى مفكر بارع في تفسير النص والمقارنة والبحث بشتى علوم الانسان لمعالجة النص الديني فعجن الفلسفة وحاك المنطق وجرب الفيزياء ودرس الفلك كي يقدم للسائل مجموعة مستوفية من الإجابات الدامغة.

في العصر الحديث، وبعد سبات الحركة الفكرية الاسلامية واتخاذ موقف المتفرج او المدافع عن مسيرة الدين . وبعد تعطل وشلل المجتمع الفكري من ولادة مفكر جديد؛ قدمت الساحة الفكرية و (التبليغية) محاولات خجولة لأشخاص ولدوا بعد ان أحتاج الناس الى أسئلة تطورت مع تطور حياتهم وسلوكهم وحاجتهم العقلية. فمنهم من كان داعياً مسلحاً، ومنهم من نقد التراث وقدم البديل وآخر أكتفى بمجاملة الموروث..

لقد قدمت مصر نموذجاً ربما ناحجاً لرفع القدرة التبليغية لديها .. وذلك من خلال دمج الصورة الاعلامية ومع المعلومة الدينية فتخيّل ان الحديث عن التبليغ يتم بواسطة كرافيك وخدع بصرية لتشويق المتابع كي يستطيع احتجازه نصف ساعة دون هروبه الى قنوات أخرى سينمائية او دراميه، جائت هذه الفكرة بعد تصاعد الخطاب بين التيارات الفكرية في مصر والذي حصل فيها مثلما يحصل فالعراق الآن (فكرياً). ولكن لم نجد عند الأخير طريقة جديدة يتخذ من خلالها المبلغ او المفكر وسيلة لتوسيع قاعدة المتابعة والوصول الى المساحات الفارغة.