من الواضح جدا ان الصراع على النفوذ الذي خاضته ايران مع القطب العربي في المنطقة تمخض بشكل واضح على قوة القطب الايراني وتفوقه في الاستحواذ على مناطق الصراع بشكل كبير ،مما رسخ عنده استراتيجية بناء الهلال الشيعي الذي يمتد من اليمن وبلاد الشام ولبنان والعراق ،وهذا جاء نتيجة حتمية لأسلوب ايران في استقطاب وتجنيد الرجال في هذه المناطق عقائديا حيث اسست الميليشيات كرديف للقوات المسلحة في هذه الدول ففي العراق مثلا اعترف رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بأنه هو من اسس الحشد الشعبي حيث كانت تجند هذه الفصائل وترسل الى ايران للتدريب قبل صدور فتوى الجهاد الكفائي التي تم الاستحواذ عليها من قبل هذه الميليشيات كما واعترف احد قادة الفصائل المسلحة بأن (تقوي )هو من اسس ودرب فصيله …ان جعل الدول مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان تعتمد على الفصائل المسلحة هي الاستراتيجية الايرانية التي لعبت دورا كبيرا في التفوق الايراني …حيث لم تستطع دول الخليج من ايجاد منافس لهذه الفصائل فهم اعتمدوا على العنصر الاجنبي في تأسيس فصائلهم المعروفة بالقاعدة والجهاد والنصرة وداعش وغيرها …لم يكن تجنيد فصائل السعودية تجنيدا عقائديا بقدر ما هو مادي فهم اباحوا لهم المدن التي استولوا عليها من النساء والاموال والارواح وكل الثروات وهذا سبب نفور عام لدى المجتمعات التي صارت تحت سيطرة هذه الفصائل وعلى عكس الفصائل التابعة لإيران حيث حددت مهامها عقائديا وابعدتهم عن الماديات فكل المحاولات التي جرت للنيل من نزاهة الحشد ذهبت ادراج الرياح واثبت انه خلاف تلك الدعاوي ،كما واضيفت له صفة القدسية خلافا للفتوى .فالفتوى لم تطلق تسمية على أي فصيل بالحشد انما جاءت التسمية من ايران وبناء على توجيهات المرشد الاعلى للساسة العراقيين والذين بدورهم تبنوا تقنين هذه الفصائل وجعلهم مؤسسة حكومية تتقاضى رواتب ومخصصات من الدولة وجعلها ضمن المؤسسة الامنية والرديف القوي للمؤسسة العسكرية ( ظاهريا) …والحقيقة هي لها مهمات اخرى غير هذه المعلنة ،فمشاركة هذه الفصائل التي اطلق عليها اسم الحشد كان محدودا والمشاركة الفاعلة كانت للمتطوعين بمقتضى الفتوى والذين قدموا التضحيات الجسام ،في حين استثمرت الاحزاب والفصائل التابعة لها هذا الانتصار بشكل كبير.
لقد اتضح لنا خلال الحرب الباردة التي تحدث الآن بين امريكا وايران ماهي الولاءات الحقيقية لهذ الفصائل فهي قد فضلت وبشكل مطلق المصلحة الايرانية على المصلحة العراقية ،فهي لا تمانع من زج العراق بحرب خاسرة اخرى ضد الولايات المتحدة الامريكية او على اقل تقدير ان يتعرض العراق لحصار كالذي تعرض له في تسعينيات القرن الماضي والذي مازالت اثار العقوبات واضحة للعيان على الاقتصاد العراقي والحالة الاجتماعية والصحية مقابل ابعاد شبح الحرب عن ايران.
ايران دولة قومية فهي تسوق الفكر الديني دون ان تعمل به فهي لا يهمها سوى المصلحة العليا للجمهورية الاسلامية ،وفي لعبة موازنة القوى بالمنطقة ومن اجل منح دور اكبر لدول الخليج في المنطقة لابد ان يتم القضاء على الاذرع الايرانية التي جعلتها متفوقة ،وعلى ايران ان تتخلى عن هذه الاذرع وتقدم كشوفات بها الى امريكا لغرض القضاء عليها واخراجها من الساحة والا فهي تعرض نفسها للتدمير …فهي امام خيارين اما ان تحافظ على نفسها وتتخلى عن هذه الفصائل وتبقى دولة قوية فاعلة في المنطقة وتشترك في صنع القرار او يتم تدميرها كدولة وبالتالي ستسقط معها كل هذه الفصائل …
اعتقد ان ايران ستتخلى عن هذه الفصائل لتبقي الداخل متماسكا وتحافظ على شكل الدولة وهو الخيار الامثل لها ….واعتقد ان الأوان قد آن لهذه الفصائل لتنأى بنفسها عن هذه اللعبة القذرة بدلا من ان تجد نفسها في مواجهة امريكا دون سند او حليف وخيار العودة الى الصف الوطني ومراعاة حق العراق والدول التي ينتمون اليها هو الافضل ما بين كل الخيارات التي تدرسها الآن .