26 نوفمبر، 2024 5:47 ص
Search
Close this search box.

مستشفى الأمراض العقلية السياسية..!

مستشفى الأمراض العقلية السياسية..!

شاهدتُ، الليلة البارحة، حلقة من مسلسل (سيلفي) على قناة أم بي سي. تمثيل الفنان السعودي المتألق ناصر القصيبي ومن إخراج الفنان العراقي المبدع (أوس الشرقي). تميزتْ الحلقة برسالةٍ فنية جديدة حملت يقظة جديدة، تجاه الصراع (المحبط) و(الغامض) بين رجل (سنّي) وآخر (شيعي) مخنوقين بجذورٍ طائفيةٍ  عميقةٍ متأصلةٍ فيهما. صارا فيها لا يفرقان بين (الطين) و(الرطب) مما جعل الطائفية متقرّحة بأمراضٍ أزعجت وتزعج المجتمع المحيط بهما . قررتْ الحلقة  الكوميدية في مشهدها الأخير أن تحيلهما ،معاً، إلى مستشفى الأمراض العقلية لأنهما يتصارعان على قضايا غير بنّاءة عمرها 1400 سنة .
جاهد كل  الفنانين العاملين بهذا المسلسل على البقاء متصلين بالواقع العربي – الاسلامي الراهن. برهنت أم بي سي وبرهن فنانون سعوديون أنهم (يتغيّرون) من الناحية الفنية مع (تغيّر) الحالات والأوضاع السياسية. إنهم مهتمون ليس بتقديم التسلية الكوميدية الممتعة للمشاهدين فحسب، بل  يشعرون بأحلام الناس المشاهدين والعيش بسلام و بلا طائفية..
تذكرتُ في الحال أولئك العراقيين المبهمين من سياسيين في برلماننا وحكومتنا وفي أحزب الأسلام السياسي ممن أصيبوا بالعصابية الطائفية بقدر كبير، جعلهم لا يتوقعون أو لا يريدون أي تغيير في عقولهم وأفكارهم ظانين أن المشكلة بين (السنّي) و(الشيعي) شاملة ،متشعبة، يتساوى كل منهما في كآبته وفي عدسة الرؤية الرتيبة الضيقة الزاوية.
كثيرون هم الناس من السياسيين العراقيين، لا يريدون رؤية التغيير في الفكر الإنساني الجاري على النطاق العالمي منذ مقتل أسامة بن لادن بالرصاص الأمريكي وبعد ضربات قواعد داعش في سوريا والعراق بالصاروخ الأمريكي .
صارت المواقف مرتبكة أزاء الحاضنة ، التي رعتْ أو ترعى (داعش). منهم من يفترض أن تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) صناعة أمريكية ومنهم من يعتقد أنها صناعة سعودية .. منهم من ينظر إلى الأمر بصورة اكثر واقعية معتبراً أن الواقع الاجتماعي – الاقتصادي –  المتدهور في الأنظمة العربية والشرق أوسطية كافة كان سبباً في هبوط وعي الجماهير العربية بعد هزيمة حزيران 1967 بصورة أساسية. تلك الهزيمة  جعلت (الساسة العرب) و(المثقفين العرب) بوضع لا تحفزهم فيه أية أهداف  تنويرية ،مما فسح المجال  كي تتحوّل البلدان العربية إلى ريفٍ متخلفٍ لزراعة (وعي ديني متطرف) ارتفع تدريجياً في مراحل ، حتى وُلد تنظيم (القاعدة) على يد المليونير السعودي  أسامة بن لادن برعاية مخابرات المملكة السعودية .. من ثم وُلد (داعش) برعاية ما يقارب من 70% من الوهابيين السعوديين.
ربما  قيل ويقال الكثير عن (تنظيم القاعدة) وربما قيل ويقال الأكثر عن (تنظيم الدولة الاسلامية الداعشية) .. ربما كله يحمل الصحيح،  أو ربما بعضه . ربما قيل الشيء الصحيح عن صانعي الأحداث، لكن ربما لا يظل الصانعون في حالٍ ثابت لا يتغيّر ، خاصة اذا ما تذكرنا احدى حقائق الحياة : ( كل شيء يتغير .. كل شيء يتحول كما من الضروري ان نتذكر مقولة الفيلسوف هيرقليدس (500 ق.م)   :  أنكَ لا تستطيع أن تسبح في مياهِ  نهرٍ مرتين.
من التغييرات الآساسية المتوقعة ، في مستقبل قريب، أن تنظيم الدولة الإسلامية يمكن ان يأكل نفسه..! فقد اشارت أنباء أمس أن  تنظيم (داعش) أقدم على اعدام 35 عنصراً من عناصره بعد القتال في اطراف مدينة الموصل . التنظيم نفّذ حكم الأعدام بحق المخالفين من اعضائه، رمياً بالرصاص، في احدى الغابات.
هناك حدس  بأن معادلة العلاقة بين الداعشيين والحاضنين لهم من السعوديين (يمكن) أو ( يُحتمل) أو ( ُيتوقع) أن ينهار في أية لحظة، تماماً ،مثلما انهار الحلف السابق بين تنظيم القاعدة الوهابي والمخابرات الامريكانية  بعد 11 سبتمبر عام 2001.
 لا شك أن من المتغيرات المنتظرة في مجموع الوضع السياسي في الشرق الأوسط وأولها احتمال تغيير موقف المملكة السعودية من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) لسببٍ رئيسيٍ واحد هو أن قيام (أبو بكر البغدادي) بإعلان نفسه (خليفة المسلمين) يعني أول ما يعني تهديداً مباشراً لوجود (الدولة) في المملكة العربية السعودية، بالرغم من أن (التنظيم) و(الدولة) يدينان برسالة الوهابية، التي على اساسها قام نظام آل سعود وقام تنظيم داعش عليها ،أيضاً.
يا تُرى هل تقوم المملكة العربية السعودية بإحالة (جميع) الطائفيين السعودين إلى مستشفى الأمراض العقلية لعلاجهم وانقاذ 70% من الشعب السعودي من مرض سيكولوجي فرويدي خطير كشفه (مسلسل سيلفي)..؟
أمنية الأماني المتوقعة أيضاً، أن يتغيّر الحال العراقي والبرلمان العراقي ونوع التشكيل الوزاري ونظام عمل المؤسسات كافة، كي يرى أبناء شعبنا بأعينهم سماء عراقية زرقاء بلا طائفية.
من دون تغيير جذري حقيقي فأن الإرادة  الشعبية العراقية سوف تحيل أغلب السادة القادة إلى مستشفى الأمراض العقلية.. عاجلاً أم آجلاً..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحدث المقالات