اصدرت دار متون المثقف للنشر والتوزيع الكتاب المعنون (مستدام دليلك العلمي لحياة أكثر وعيا) وهو باكورة اعمال الكاتب مصطفى عثمان , وبالرغم من كون هذا الكتاب هو التجربة الاولى للكاتب إلاّ انه يمكن اعتباره علامة مضافة لتلك العلامات التي تتناول موضوع الإستدامة.
ان مصطلح الإستدامة ينص على استغلال الموارد الطبيعية المتاحة بصورة معتدلة وبما لا يسبب الضرر للطبيعة وتلبية احتياجاتنا في الوقت الحاضر مع مراعاة حق الاجيال القادمة لنيل فرصة الاستفادة من هذه الموارد. وبالرغم من ضرورة تطبيق مفاهيم الاستدامة في كل مجالات الحياة وبالرغم من كل التحذيرات التي تم اطلاقها سواء من جهات رسمية عالمية مختصة بهذا الشأن او غير رسمية للوقوف ضد الاستخدام السيء لمصادر الطاقة إلاّ ان حالة التدهور مستمرة بما يسبب الضرر للطبيعة من ناحية ويزيد ويفاقم التلوث البيئي الذي لو استمر بهذه المستويات فحتما سيؤدي يوما ما الى انهيار الحياة على هذا الكوكب. ومما يثير الدهشة والتعجب انه حتى الآن هناك الكثير ممن لا يعرف معنى الإستدامة ولا يدرك ان ضرورة تطبيقها يبدأ من الفرد الذي هو أساس تكوين المجتمعات.
بحكم كون الكاتب مصطفى عثمان يشغل منصب (المنسق العام لتحالف شركاء جامعة الدول العربية للإستدامة) وهو على تماس لجوانب هذا الموضوع ومعرفته الواسعة بتفاصيله فلقد أخذ على عاتقه كتابة هذا المؤلف ليس بصيغة سردية وانما بخطوات قابلة للتطبيق وليقول لنا ان الاستدامة ليست حالة ثقافية وحسب بل هي ضرورة واجبة التنفيذ وهي مسؤولية الجميع سواء افراد اومجتمعات اومؤسسات اوحكومات.
لقد تم صياغة الكتاب بطريقة مبسطة وواضحة ومفهومة ومختصرة وغير مملة , شاملة لتعاريف وتوضيحات وجداول وامثلة وتجارب شخصية , ومن خلال خبرتي لا يفوتني الذكر ان هذا الكتاب مع بعض التعديلات يمكن ان يكون منهج اساس يمكن طرحه للتدريس في المؤسسات التعليميةومعاهد الدورات لكي نبني جيل فاهم وواعي لموضوع الاستدامة واهميته في حياتنا.
ومن خلال قراءة فصول الكتاب نجد ان الكاتب قد اكد على البلدان العربية بالذات كون اغلبها تعتبر الاكثر تضررا من تغيرات الظروف البيئية والتلوث والجفاف بحكم موقعها الجغرافي من ناحية وبحكم عدم الاهتمام والمبالاة للكثير فردا وحكومات ولم يطرح مافي جعبته كحالة تثقيفية بل توسع في طرح تجارب كمشاريع سواء كانت فردية او تطبيقات لبعض الدول في مجال الطاقة النظيفة والطاقة الخضراء ويبغي من خلال اسلوبه في الطرح هذا على التشجيع في سلوك هذا النهج من خلال طرح الفكرة والتخطيط وبناء الثقة بالنفس والتنفيذ , وكم من مشروع كانت مردوداته كبيرة مبني على فكرة بسيطة تتضمن تحويل المخلفات والزيوت الضارة وفرز النفايات وتدويرها الى منتجات نافعة وتقنين استغلال الطاقة الكهربائية والاستغلال الامثل للمياه وعدم التبذير واستخدام الحاويات البلاستيكية القابلة للاستخدام اكثر من مرة والغير ضارة وغيرها الكثير من المشاريع التي تدخل ضمن هذا المضمار , كما واكد الكاتب على جانب مهم آخر وهو ان الكثير من مشاريع الطاقة النظيفة تحتاج الى فترة زمنية لكي تعطي مردوداتها الايجابية المرجوة.
من اكثر الفصول اهمية في هذا الكتاب هو التطرق الى ربط الاستدامة مع الابتكار , طالما ان الاستدامة تضعنا امام واجب التغيير (التغيير في عادات الاستهلاك والتقليل المقنن للاستهلاك والتغيير في استخدام موارد الطاقة من احفورية الى طاقة نظيفة وخضراء والتغيير في المواد الاولية المستخدمة وغير ذلك) فأن الابتكار يحدد لنا الاسلوب الصحيح لطريقة التغيير من خلال طرح افكار غير تقليدية وتطبيقات تكنولوجية مبدعة ممكن ان تضع حلولا لمشاكل قائمة وابتكارات جديدة في التكنولوجيا الرقمية تحد من الهدر في استخدام المواد وتدعم مفاهيم الاستدامة . بصورة مختصرة يمكن ان نضع شعار ان الابتكار هو الطريقة الامثل لتسريع وضع المقومات القابلة للتطبيق والتي تخدم ترسيخ مفاهيم الاستدامة والحلول المطلوبة.
اخيرا وليس آخرا هذا الكتاب مبادرة جميلة ونافعة ونتمنى من الكاتب مصطفى عثمان ان يتوسع في الطبعات المستقبلية للكتاب وان يضيف الى مؤلفه مخرجات المعارض العربية للاستدامة وما اضافته ومدى الاستفادة منها , ومخرجات الجلسات الحوارية والندوات المقامة التي تناولت دور الابتكار في هذا الجانب وماهي المعطيات الجديدة لتكون وسيلة تنشر هذه الثقافة العلمية