شهدت البشرية ظهور اديان وقوميات مختلفة ولكل دين من هذه الاديان طوائف وملل ومذاهب متنوعة و مختلفة وفي اغلب الاحيان متنازعة ومتصارعة. وينطبق الحال كذلك على القوميات المختلفة والمتنوعة وتفرعاتها .وهذه الاديان وهذه القوميات احتوتها حضارات عاشت و تعيش على هذا الكوكب وهي مختلفة ايضا في درجة تقدمها العلمي والتكنولوجي و مدى وعي مكوناناتها البشرية وتفاعلاتها مع بيئتها. وقد حالفت الظروف بعض هذه الحضارات وخدمتها وقدمت لها مبررات نجاحها في الاوقات المناسبة. والمقصود بهذا الاختلاف ان التقدم العلمي لتلك الحضارة كان يتناسب مع حالة الصراعات الدينية والقومية مما قلل من اثارها.
فقد سجل ابتكار الالة الطابعة بداية نهاية احتكار الكنيسة في اوربا للسلطة قبل الثورة الصناعية حيث تم استخدامها ايضا في انتاجات غير دينية وساهمت في التثيقف غير الديني في اوربا عن طريق توظيفها من طرف الجامعات والمؤسسات العلمية الاخرى.ومما عزز من ثقافة مكونات المجتمع هذه اختراع المورس و الراديو والتلفزيون والصحف الورقية والتقدم في طرق المواصلات ووسائل التنقل البرية والبحرية والجوية الاخرى المصاحبة للاختراعات السابقة. ونتيجة لهذه الاختراعات زاد الوعي الجماهيري وخفت كما قلت النزاعات والصراعات ذات الصبغة القومية و الدينية.
لنعد الان الى عصر التقدم التكنلوجي الرقمي الحالي( في القرنين العشرين والواحد والعشرين) الذي تدفقت ادواته التكنولوجية من المنشأ الغربي والمصحوب بظهور براعم الديمقراطية في البلددان غير الغربية. من سوء الصدف ان الديمقراطية في البلدان العربية مثلا هي في نعومة اظفارها والهوة بين عمرها هذا والتقدم العلمي واسعة للغاية وصاحب ذلك ايضا عدم توفر وعي قكري في المجتمعات غير الغربية. كل هذا زاد من حدة النزاعات والصراعات وعددها عن طريق توفر جو الحرية الذي توفره البيئة السياسية في النظام الديمقراطي وسهولة الاتصال على نطاق جماهيري واسع للغاية بفضل التكنلوجيا الجديدة الغربية المنشأ.
وتزامن التقدم التكنولوجي مع اقتحام الديمقراطية لاسوار الديكتاتوريات العتيدة في البلدان العربية بالذات وحطمتها بقوة وارادة الشعوب وازاحت انظمة عسكرية غير منتخبة ديمقراطيا
وجاءت الى سدة الحكم في هذه البلدان نتيجة الى ذلك انظمة ديمقراطية من مختلف المشارب ولم تعد مكوناتها متعصبة كما كانت في السابق ووفرت هامش من الحرية لشعوب هذه الدولة ولايمكن لهذه الانظمة التشبث والتمسك بالحكم مادام العالم يشهد مرحلة لاتمكن الفرد او الجماعات من احتكار السلطة.
ولكن يبدو ايضا ان هبوب رياح الديمقراطية على المناطق ذات الانظمة الديكتاتورية لم يتزامن مع مايناسبه من وعي لدى شعوب هذه المناطق ومع رؤية مستقبلية واضحة ومنطقية لما بعد بدء التغيرات الديمقراطية . المقصود بغياب الوعي المناسب غيابه على مستوين : مستوى ميديري المنافذ الاعلامية والتعليمية الحالية المختلفة كالقنوات الفضائية مثلا في جعل المتلقي يتناسي فعليا وليس شكليا اختلافات وخلافات الماضي ونبذ صراعاته وتوجيه الانظار نحو عالم جديد يتناسب مع روح العصر تتعايش فيه الجماعات البشرية المختلفة بامن وسلام وكذلك مستوى وعي المتلقي ذي الارادة الحرة في اختيار واستقبال سيل المعلومات التي تجنبه التركيز على الماضي وتوسع الهوات.
من هذا يتبين ان الاجواء الصاخبة والفوضوية السائدة في المرحلة الحالية جاءت نتيجة لثلاثة اعتبارات اولها التقدم العلمي والتكنلوجي في ميدان الاتصال بالذات وثانيها الحرية التي توفرها النظم الديمقراطية وثالثها قلة الوعي الجماهيري وذلك لتنفذ النظام الثيوقراطي وهيمنته على النظم السياسية غير الغربية.
وحري بنا القول ان الاختلافات والخلافات بين مكونات المجتمع لاتستحق ان يضيع المرء جل الوقت المتاح من حياته للعيش في اجواء متطرفة تتسم بالجدية المفرطة واستهلاك منتجات من صناعة ديكتاتورية الحاكم الفرد وابوته. في هذه المرحلة بالذات المطلوب توفر وعي جماهيري عام غير مغال وغير مفرط عند وبعد تناوله للامور الخلافية ذات الصبغة الدينية او القومية .