مساوئ الحرية خير من محاسن الاستبداد

بينما كان كونفوشيوس حكيمُ الصين في جولةٍ مع تلامذتهِ في جبال الصين ،رأى إمرأةً تبكي وتنتحب عن قبور ثلاثة .قال لهم: يبدو إن هذه المرأة قد تعاقبت عليها الفواجع، لنذهب عندها فلما اقتربوا منها وجدوها تبكي وتوَلول عند قبور ثلاثة في هذه المنطقة المنعزلة المنقطعة عن العالم ، سألوها عن مصابها فقالت :أصحابُ القبورِ هذهِ أبي وزَوجي وهذا ابني افترستهم وحوش الجبل واحداً بعدَ الأخر. فقالوا لها :وما يبقيكم على السكن في هذا المكان المُجدب الموحش الخطِر، فقالت لَهم “لِأن هنا لا توجدُ حكومة مستبدة” فقال لهم اسمعوا ياأبنائي “ان الوحوش الضارية خيرٌ من الحكومة المستبدة”. نعم ان جَدب الجبل وَوَحشتهِ خير من حكومات الاستبداد ومراعيه ،تذكرتُ هذه القصة عندما كان زملاء لي يُنكرون علي تأييدي وحماسي لثورات الحرية في الوطن العربي عندما يرصدون مع(وسائل الاعلام “المنحازة” وغير المنحازة)لسلبيات ما بعد الدكتاتورية ،في البلاد التي اسقطت رموز الاستبداد فيها وتذكرت قول احد حكماء مصراته عندما قال: وحدها الخراف في المراعي تحتاج الى الماء والمرعى اما الانسان فيحتاج الى شيء اخر يميزه ويفضله عن غير من ما خلق الله من الخلائق انها الحرية، لا ادري كيف استطاع الطغاة من ان يجعلوا او ان يوحوا للناس ان لا خيار لنا في الحياة سوى المستبد الظالم او فوضى الفتن !! بل ان كهنة الطغاة وسدنة انظمتها الدكتاتورية من فقهاء التسول قد رسخوا في عقول الناس نظرية “المستبد العادل” ولا ادري كيف يكون المستبد عادلا وكيف ينبغي للعادل ان يكون مستبدا !!فمع الاستبداد لا يوجد عدل والعدل لا يقبل بالاستبداد اصلا فكيف يكون الشيء ونقيضه في ذات الشيء! ان الامن المرتكز على الخوف ،غير الامن المرتكز على العدل ،ففي الاول الامن شعور وهمي غير مستقر مستند على سلطان الخوف لا يلبث ان يزول مع زواله ،والثاني هو الامن المستند الى العدل حيث يؤدي الناس واجباتهم مؤمْنيين على حقوقهم فتسير الحياة لا تتأثر بذهاب سلطان او مجيء اخر. فمحاسن الاستبداد موهومة وغير حقيقية والناس قد خرجت للتو من كهوف الاستبداد الى شمس الحرية فطبيعي ان تخطئ بادئ الامر نظراتها التي اعياها ظلام سنين الشتاء البائس ،ولتَرُونَ ثمار الحرية من عدل ورفاه وتقدم ولكنكم تستعجلون.