منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة زمن الراحل فيصل الاول أثبت العراقيون بكل ألوان طيفهم أنهم شعب واحد توحدهم العديد من المشتركات كأرض الوطن الواحد الذي كان ملكا لكل العراقيين فلا حرج للكردي في العيش في المناطق العربية ولا للمسيحي او الصابئي العيش في المناطق ذات الغالبية المسلمة ولا للشيعي أن يسكن مناطق الغالبية السنية والعكس صحيح. كما ان كافة العراقيين ساهموا من قبل في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني بعربهم وكردهم وتركمانهم وباقي فئات الشعب الواحد ولم تكن تفرقهم اختلافات الدين والطائفة والقومية بل كان همهم العراق الموحد الذي يعيش فيه كل المواطنين بعزة وكرامة واستقلال وسيادة دون أي تدخل أجنبي في شؤونهم الداخلية من أي كان. وهكذا عاش كل العراقيين في وطنهم قرابة قرن من الزمان موحدين حتى في تصديهم الاسطوري لثمان سنوات ومنع الاطماع التوسعية الايرانية لدولة الملالي في النيل من سيادتهم واستقلالهم ووحدتهم الوطنية رغم تبجحهم بالدين والطائفة. وبغض النظر عن الانظمة التي حكمت العراق قبل الغزو الامريكي فقد حقق العراقيون تطورا مضطردا في كل مجالات الحياة كالصحة والتعليم والزراعة والصناعة والأمن وبناء القوات المسلحة والتحكم السيادي المثمر في ثروات العراق وتسخيرها لبناء الوطن وإعلاء شأنه بين الأمم. حتى غدا العراق من أقوى دول المنطقة وأكثرها تقدما ومهابة. وإزاء هذا الواقع الذي شارك فيه كل العراقيين كان أعداء العراق الاقليميين والدوليين يراقبون عن كثب هذا التقدم والمنعة وتجاوز العراق لكل الخطوط الحمراء التي وضعوها لتحجيمه وكبح جماح انتقاله من مجموعة دول العالم الثالث الى مصاف الدول النامية ثم المتقدمة. فكان لزاما عليهم وضع الخطط المدروسة تفصيليا لتحقيق أهدافهم في السيطرة على ثروات البلد وإيقاف تقدمه وإعادته الى عصور التخلف (كما جاء في تهديد جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي لطارق عزيز) وكان من الضروري لنجاح تلك الخطط ضرب الوحدة الوطنية وتفتيت الشعب العراقي الموحد وتقسيمه الى مكونات طائفية واثنية وزرع عوامل الفرقة بينهم تمهيدا لتجزئة العراق على هذه الاسس الواهية وتشكيل دويلات عرقية وطائفية لا تشكل خطرا على ربيبتهم دولة المسخ الصهيوني. فقاموا باحتلال العراق وإدخال كل النفايات والجراثيم التي ستنفذ مخططاتهم من عملاء مزدوجين لكل من أميركا وإيران، وادعوا أنهم سيقيمون نظاما ديمقراطيا فيه … وكانت هذه هي الخدعة التي ضللوا بها بعضا من شعب العراق، فديمقراطيتهم كانت مسخا كالدولة التي أرادوها فلم تكن قائمة على توجهات سياسية وبرامج تنموية لأحزاب ديمقراطية حقيقية انما كانت ذريعة لتقسيم الشعب الواحد الى فئات عرقية وطائفية تتصارع فيما بينها على كراسي السلطة بغية تحقيق مآرب شخصية عن طريق الفساد ونهب المال العام وإغراق العراق بالمليشيات الطائفية والمجاميع الارهابية تكريسا لتقسيم الشعب أولا ثم البلد ثانيا. فمنذ مجئ حثالات المحتل وأعوانه حاولوا تأكيد هذه الانقسامات الوهمية فأسسوا ما يسمى بالبيت (الشيعي) ثم شطروا وزارة الاوقاف الى وقف شيعي ووقف سني وقسموا حتى مناطق بغداد الى مناطق شيعية وسنية وأدخلوا المذهبية والعرقية في مؤسسات الدولة والقوات المسلحة وكل المرافق باسم المحاصصة الطائفية والعرقية… وهكذا توالت خطط تقسيم الشعب وتخريب البلد حتى افسدوا المؤسسات الصحية والتعليمية والقضاء والتجارة والصناعة والزراعة ونشروا الفساد وأشاعوا ثقافة الحقد والبغضاء ومارسوا كل صنوف النصب والاحتيال والكذب وكل أساليب الشر في سبيل تحقيق الأهداف الدنيئة لأسيادهم من الفرس والروم والصهاينة. ونفذوا تلك المخططات بالتمام والكمال وما زالوا في غيهم يعمهون حتى أودوا بالبلد الى الحضيض الذي نراه اليوم. فما نتج عن تسلط شراذم المحتل وأعوان الفرس سوى ما نراه اليوم من تبديد ثروات العراق وضياعها وزرع الفتن بين ابناء الشعب وتدمير ممنهج للبلد بكامله وتهيئته للتجزئة والتقسيم. فماذا نتوقع من ديمقراطية شاذة ضللوا بها الجهلة والسذج وماذا نتوقع من زمر عميلة حاقدة على هذا الوطن وشعبه غير هذه النتائج والكوارث.
أما شعب العراق فغالبيته الصامتة مغلوبة على أمرها تجاه هذا المد الطائفي العنصري التخريبي. فقد أتقن الاعداء وضع مخططاتهم التقسيمية وفقا لدراسات تفصيلية معمقة لطبيعة الشعب العراقي ومنذ عقود من الزمن. فهم يعلمون جيدا بالطبيعة الديموغرافية لهذا الشعب وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد جعل غالبية العرب الشيعة في جنوبه وغالبية الكرد السنة في شماله وأن هاتان الفئتان لا تربط بينهما أية روابط دينية او قومية لذلك جعل الله بينهما وفي وسط العراق ما يربطهما ويوحدهما وهم العرب السنة فهم عرب مشتركون بالقومية مع أهل الجنوب وسنة مشتركون في الدين مع الكرد. وأن أي مخطط يستهدف تفتيت هذا الشعب الذي وحده الله وشد أواصره عليه أن يستهدف أولا المكون الجامع الوسطي فما أن يتم عزل وقطع هذا الحزام الرابط فسيسهل حينئذ تفتيت الشعب وتقسيم الوطن. وهذه هي الخطة الشيطانية التي عمل عليها زبانية الاحتلال منذ قدومهم المشئوم الى هذا البلد. فحاولوا جاهدين تغيير خلق الله وإعادة تشكيل الطبيعة التي خلقها الله في هذا الشعب. وظنوا أنهم بهذا العزل الطائفي وإشاعة الحقد بين ابناء الشعب سيتمكنون من التسلط عليه وتحقيق مآربهم وأمنيات أسيادهم. فتقسيم البلد سيؤدي بالأكراد الى تحقيق حلمهم في الانفصال بدولة مستقلة محاطة بدول متربصة.. أما عرب الشيعة فعزلهم عن اخوانهم وأبناء عمومتهم عرب السنة سيمكن الفرس من التسلط عليهم بصورة كاملة باسم المذهب والطائفة وسرقة ثرواتهم، ولن يكون حالهم بأفضل مما هم عليه الآن أو بأفضل من حال عرب الأحواز وهم شيعة ولكنهم يعانون من أشد صنوف القمع والاضطهاد. أما عرب السنة فبالرغم من وطأة هذا التقسيم القسري عليهم ألا أنهم كعرب لهم امتداداتهم القومية مع دول الجوار العربي كما أن لهم أمتداداتهم الدينية مع الدولة الكردية المجاورة ومع تركيا وباقي الدول العربية. وبالرغم من ادعاء حكومة الفشل والفساد تمسكها بوحدة العراق إلا أن واقع الأحداث يشير الى نفور الكرد والعرب السنة واستحالة خضوعهم لحكومة طائفية واضحة العمالة والتبعية لدولة الولي الفقيه الايراني. فقد أثبتت هذه الزمر المتسلطة بفعل الاحتلال الامريكي ورعاية الاحتلال الايراني فشلها الذريع في ادارة شؤون العراق ورعاية مصالح شعبه وأن استمرار هذه العملية السياسية المسخ الشاذة لن يؤدي بالعراق ومواطنيه إلا الى التقسيم والدمار المؤكد. فلا سبيل للعراقيين سوى الرجوع الى وحدتهم الوطنية ونبذ أسباب الفرقة والطائفية المصطنعة التي حاول العملاء الفاسدين تعميقها لتطغى على الشعور الوطني وتسهل على اسيادهم الاعاجم التسلط على هذا البلد والانتقام منه. ولن يرحم التاريخ كل من انجر وراء أحابيل أعوان ايران ومطاياها وخان دينه ووطنه وشعبه وخضع خانعا ذليلا لكل أفاق أثيم ومفسد زنيم ورضي بأن يتسلط العملاء والجواسيس والخونة الحاقدين المفسدين على هذا البلد ومقدراته ليعيثوا فيه فسادا وتدميرا وتقتيلا. فمسئولية وحدة العراق وبقاءه بلدا موحدا عزيزا كريما لم تعد اليوم على عاتق عرب السنة وحدهم أو الكرد أو أي مكون آخر انما تقع تحديدا على عرب الشيعة وأبناء الجنوب العراقي ليثبتوا موقفا تاريخيا أمام الله والعالم أجمع وأنهم لم يرتضوا لهذه الحكومات الفاشلة المفسدة التي أتت باسم الطائفة والمذهب أن تمارس كل هذا الفساد والتدمير والتخريب بحق الوطن وشعبه. فلا دين ولا مذهب بدون وطن حر مكين. وليعلم الجميع بأن ثورة المظلومين آتية لا محالة ومنتصرة بقوة الحق المبين وبنصر الله العزيز الحكيم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.