23 ديسمبر، 2024 6:23 ص

مسئولية الإنغلاق الدينى

مسئولية الإنغلاق الدينى

كثيراً ما نقرأ عن الأنحطاط والجمود الذى أنحدر إليه العرب ونقلوه إلى دول وشعوب أخرى، وعن محاولات الإصلاح الدينى عبر التاريخ والزمان لكنها رؤى وتصورات تتجاهل أن الأديان هى مجموعة من العقائد والوصايا والشرائع الثابتة ويخدع نفسه من يقول أن الأديان يمكن إصلاحها،

لكن المشاكل يخلقها ويطورها الإنسان المؤمن المثقف ذاته لأنه القادر على نشر أفكار تدعو للإخوة والمحبة والسلام ووحدة البشر فى مجتمعاتهم، وفى نفس الوقت يستطيع نشر أفكار تدعو للبغضاء والكراهية ونبذ الآخرين من خارج دينه والتعامل معهم بأسلوب جاف غليظ مما يولد فى نفوس المؤمنين الإنغلاق والتمسك الأعمى بما أكتسبوه من عداوة تسود مجتمعاتهم من مؤسسات السياسة والإعلام والعلم والدين، ومع أستمرار تجذر وسيطرة النوع الثانى من الأفكار المعادية للأخر يتفاعل الرفض المستميت للإصلاح أو التنوير كقضية تتاجر بها النخبة الدينية والمثقفة تحت تأثير مشاعر وأفكار الخيرية وأفضليتهم عن الآخرين، رغم أنهم يعيشون ويستخدمون تكنولوجيا العلم والتنوير ويستفيدون منها فى حياتهم العملية، لكنهم يرفضون التفكير بقضية التنوير لأنهم تعلموا أنها أسلوب جديد يريد أستعمار بلادهم وشعوبهم صادر عن الآخر الذين يلعنوه ليل نهار لأنه كافر وهذه هى القضية الذى يتجاهلها المثقفون.

إن النظر إلى الآخر بأعتباره كافر هى نظرة تعطى الحق لمن يعتقد فيها بعدم إحترام الآخر والتقليل من شأنه، وهى كلمة تزرع التمييز والتميز الذى يقود بطبيعة الحال إلى حالات العنف والإثارة الإنفعالية التى تقول لصاحبها أن هؤلاء البشر الكفار يستحقون الموت لأنهم يعادون ويعاندون دين الله، إذن الأديان لا يمكن التغيير فيها لكن المشكلة فى النخبة المثقفة والمتدينة المتحكمة فى ممارسات وأفعال بقية المؤمنين فى مجتمع ما، بتعبير آخر البحث عن أفكار دينية تسمح بالحياة الطبيعية الذى يتساوى فيها الجميع باعتبارهم بشر وليس بإعتبارهم مؤمنين أو بإنتماءهم الدينى، فإذا قام المجتمع على أساس المساواة الإنسانية سيتجاوز البشر مشاكلهم العنصرية، فمثلاً لو كان المؤمن شخصاً بسيطاً يحب الآخر ويتعامل بأخوة مع الجميع سنجده ينتقى من كتابه المقدس ما يؤكد تلك المعانى، بينما إذا كان المؤمن شخصاً قاسى الطبع ويتقبل بسهولة أفكار البغض سنجده ينتقى من كتابه المقدس ما يؤكد على تلك المعانى التى تسمح له برفض وعداوة الآخر وتجنب الدخول فى تعاملات معه.

فالإنسان هو الذى يصنع الخير والشر والظلم عندما يتبنى أفكار دينية تدعو لذلك ويرددها على مسامعه رجال الدين، مما يجعل تلك الأفكار والمعتقدات تطغى على مشاعره الإنسانية التى تدعو للمحبة والأخوة، ليصبح وصف الكفر أداة قمعية تدميرية وتخريبية تهدد الوجود السلمى والتعايش بين البشر وتقود إلى الإنغلاق وما يصاحبه من كوارث تهدد المجتمعات، إن ميراث الأديان أنشأ من كل مؤمن دكتاتور من حقه تكفير الآخر وكأن مفاتيح الحكم والقضاء بيده، والتحرر من ذلك الميراث من الأمور الصعبة لأنه يحتاج تغيير الأفكار الدينية والثقافية العدائية التى تم تقديسها وتسويقها على مدار مئات السنين، وفى نفس الوقت تقع مسئولية الإنغلاق الدينى على النخبة بصفة عامة التى تبشر بالحب أو بالكراهية فى مجتمعاتها.

الإنغلاق يصاحبه دائماً الولاء التام بالسمع والطاعة لما يقول به ويعلمه رجال الدين، والإفتاء هو بيت الداء الذى يصادر حريات وحقوق البشر بأستحلال دمائهم بكل بساطة، والتشدد والتعصب المصاحب لكثير من الفتاوى يجعلها تنحرف عن جادة الصواب لأن الذين يصدرونها يعيشون فى الماضى بأفكاره الشاذة التى لا تتناسب مع عصرنا إلى جانب الفزع الكبير الذين يشعرون به تجاه الآخر وخوفهم منه، فالتمسك الوبائى بالمقدس ينتقل من الأجيال السابقة إلى الحاضرة دون الشعور والإحساس بأنهم أجيال جديدة عليها الأعتراف بأن الأجيال السابقة هى أجيال متخلفة عاشت فى أزمنة وبيئات مختلفة عن عالمنا الحاضر الذى يخطو خطوات سريعة فى التقدم العلمى الذى لا ينظر إلى الوراء، بل نظرته إلى المستقبل لتحقيق إنجازات أكبر وفهم حقيقى للعالم والكون الذى نعيش فيه دون الأعتماد على ثوابت أسطورية صنعها الإنسان القديم.

إن التحرر من الإنغلاق الدينى يحتم الخروج الفكرى والمعرفى والجسدى من الزمن الماضى لإسترجاع وجودهم الواقعى فى عالمنا الحاضر، والأنفتاح على النهضة الإنسانية وما وصلت إليه من تقدم وإبداع هو ثمرة عقول إنسانية حية وليس ثمرة أفكار أجساد ميتة فى القبور، فإستدعاء الماضى هو دليل العجز الذى يقود إلى الإنغلاق والتقوقع ونتائجه سلبية دائماً، لذلك العلاج الوحيد للتحرر من الإنغلاق الدينى هو العودة من عالم الأفكار الميتة إلى عالم الحياة الإنسانية الحقيقية التى يشعر فيها بالقدرات الإنسانية التى تحرر الإنسان من القيود الغيبية وقادرة على تجاوز خطابات التجهيل التى تفرز العنف والإنحدار إلى ظلام الماضى.